مراد المصري (بلباو)
كرة القدم ليست مقتصرة على مدينة أو بلد واحد فقط، ولكنها رياضة تنثر الحياة في جميع أروقة العالم، ومن يرغب في البحث عن مدى سحرها وتأثيرها، فعليه أن يذهب إلى أماكن صنعت تاريخها، وتواصل مواكبة التطور، ولكن وفق طريقتها الخاصة، والشروط التي تضعها هي، وليس أن يمليها عليها أحد، وهو الحال عندما تتجه نحو الشمال الغربي لإسبانيا، حيث تقوم «الاتحاد» حالياً بزيارة خاصة إلى إقليم الباسك والمناطق المجاورة له.
بدأنا الرحلة من بلباو، وهي المدينة الصناعية، المعروفة بين القاطنين بها بلغة الباسك باسم «بيلبو»، وتحولت من الصناعات الثقيلة إلى مدينة تشتهر حالياً بالثقافة أيضاً، والمعروفة لمشجعي كرة القدم بفضل فريقها العنيد أتلتيك بلباو الذي يشكل خطراً على جميع زائريه إلى ملعب «سان ماميس» الذي يعتبر من أحدث وأجمل ملاعب الكرة الإسبانية والعالمية في الوقت الحالي.
وأكد بورخا جونزاليس الرئيس التنفيذي للأعمال والابتكار في أتلتيك بلباو، والذي كان في استقبالنا في رحلة استكشاف ملعب «سان ماميس»، أن النادي يعتبر «معجزة كروية»، وقال «نعتمد على أبناء إقليم الباسك فقط، الذين يتراوح عددهم بضعة ملايين، وسط تنافس مع وجود أندية محترفة أخرى في الإقليم، ورغم ذلك نجحنا أن نكون أحد ثلاثة فرق فقط في تاريخ الكرة الإسبانية لم يسبق لها الهبوط إلى دوري الدرجة الثانية، مع ريال مدريد وبرشلونة، وكنا من الأندية المؤسسة للدوري الإسباني عام 1929، وحققنا 8 ألقاب في الدوري، و24 لقباً في كأس الملك، و3 ألقاب سوبر إسباني».
وأضاف «يفتخر النادي بأنه ملك لأعضائه الذين يبلغ عددهم 45 ألفاً في الوقت الحالي، لذلك لم ولن يكون للبيع أبداً، ويبقى دائماً ملكاً لأعضائه، ودائماً نبنى على التاريخ، من خلال الحاضر والمستقبل بمشاريع عديدة، أبرزها الملعب الجديد «سان ماميس»، الذي اخترنا أن يقام هنا في نفس موقع الملعب القديم بوسط المدينة، ورفضنا الانتقال إلى الضواحي البعيدة، لأننا أردنا أن نتقاسم الأرباح التجارية مع المحلات والمطاعم، وغيرها من المواقع المحيطة بنا داخل المدينة، للتأكيد على أن النادي موجود ليكون جزءاً من المجتمع المحلي، ومن أجل تبادل الفائدة مع أبناء المدينة بأكبر قدر مستطاع، عوضاً عن الاستفراد بالعائدات التجارية لوحدنا».
وقمنا بجولة في ملعب «سان ماميس» الخاص بأتلتيك بلباو، والذي تم بناؤه عوضاً عن الملعب القديم الذي كان يحمل الاسم نفسه أيضاً، وتم افتتاحه عام 2013، وهو الذي يحمل لقب «كاتدرائية كرة القدم»، ويتميز بأجواء صاخبة مع سعة إجمالية تتخطى 53 ألف متفرج، ويتوقع أن يكون «كامل العدد» مع الترقب مواجهة «الديربي» أمام ريال سوسيداد بينهما اليوم في أبرز مباريات الجولة 20 من «الليجا».
ويتميز الملعب بأنه يضم مرافق حديثة للغاية، أهمها المتحف الذي يضم معروضات أصلية من الأيام الأولى للنادي ما بين الكؤوس التي يفتخر بها الفريق، وأول زي ارتداه لاعبوه قبل 125 عاماً، وحتى «الجيتار» الذي تم تلحين النشيد الرسمي للنادي، مروراً بالتقنيات السمعية والبصرية الحديثة، في طريقة العرض، وغرف تغيير ملابس اللاعبين، ومناطق الصحافة، والمطاعم الراقية المجاورة لصناديق التجربة المميزة ذات الإطلالة الخلابة على أرضية الملعب.
ولعل أكثر ما لفت الانتباه أن جميع أسماء أعضاء النادي على مدار تاريخه منذ 125 عاماً، تم نقش أسمائهم على جدران الملعب، مع وجود جهاز إلكتروني، يمكن من خلاله تتبع جميع أسماء الأعضاء بحسب أرقام عضويتهم، علماً أن العدد الحالي الإجمالي فقط يصل إلى 45 ألف عضو، وبإمكان هذه العضوية أن يتم توارثها، في حال وفاة شخص من قبل أبنائه في أمر خاص للغاية بعائلات الباسك، وهذا النادي تحديداً.
وأكملنا الطريق نحو أكاديمية «ليزاما»، التي تُعتبر مصدر نجاح الفريق الأساسي، بحكم أن الفريق يعتمد عليها دائماً في تقديم المواهب للفريق الأول، بوصفها المصدر الوحيد المتاح له، في ظل عدم التعاقد مع لاعبين أجانب، أو حتى إسبان ليسوا من أصول باسكية أو نشأوا في الإقليم، حيث تم إنشاء عدد من المباني الجديدة، خلال العامين الماضيين، من أبرزها أماكن إقامة اللاعبين، بعدد يصل إلى 92 لاعباً، إلى جانب مبنى آخر متطور للفريق الأول يحتوي على أحدث المرافق، وتخصيص ثلاثة ملاعب مختلفة لتدريب للفريق الأول، ونجومه بقيادة المدرب إرنستو فالفيردي، إلى جانب الملاعب المخصصة لبقية فرق الفئات العمرية والسيدات.
وكشف ميكيل جونزاليس، المدير الرياضي لأتلتيك بلباو، عن أن هناك اتفاقيات مع 160 نادياً مختلفاً في إقليم الباسك، من أجل منحه الأولوية في ضم اللاعبين الموهوبين، مع تخصيص فريق مكون من 20 مدرباً للمتابعة مع هذه الأندية، وذلك من أجل مواصلة العمل، وعدم التوقف في اكتشاف المواهب، ومنح الفرصة لأبناء الباسك من تمثيل هذا الفريق الخاص للغاية بهم.
وأشار ميكيل إلى أن النادي ركز على تطوير الأداء، وقال «قمنا في أكتوبر الماضي باستقطاب والتعاقد مع إنيجو سان ميلان، الخبير في علوم الأداء الرياضي، وذلك من فريق الإمارات للدراجات الهوائية، والذي سبق له العمل مع العديد من أنجح الفرق الرياضية العالمية، وذلك ليتولى مهمة إدارة القسم الذي تم إنشاؤه في أكاديمية ليزاما، والعمل على تطوير أداء اللاعبين لدينا، لأننا ندرك أن علينا الاستثمار لأقصى درجة في اللاعبين الموجودين لدينا في الأكاديمية، باعتبارهم أساس الاستمرارية لنا على المدى الطويل».
يذكر أن أتلتيك بلباو يتصدر قائمة الأندية على صعيد الدوريات الأوروبية الخمسة الكبرى هذا الموسم، في نسبة إشراك اللاعبين الذين صعدوا من الأكاديمية الخاصة به، وذلك بنسبة 68.9% من مجمل دقائق لعب الفريق بمجموع 14 لاعباً حالياً من خريجي أكاديمية ليزاما الرائدة في إسبانيا والعالم.
احتفالات في «النهر»
يعتبر نهر نيرفون والجسور الـ 13 عليه، «القلب النابض» لمدينة بلباو، ما يجعل أتلتيك بلباو يقوم باحتفالاته الخاصة كلما تُوج بلقب، وعوضاً عن ركوب حافلة مكشوفة تجول المدينة، فإن الفريق يطوف في رحلة عبر الهواء الطلق على متن بارجة حديدية يُطلق عليها باللهجة المحلية «جابارا».
10 ألقاب «ليجا» في «الباسك»
يشتهر «إقليم الباسك» أنه يضم فريقين من بين تسعة أندية فقط نجحت من الفوز بلقب الدوري الإسباني لكرة القدم على مدار تاريخه الممتد لـ 93 عاماً، وهما أتلتيك بلباو «8 ألقاب» وريال سوسيداد بـ«لقبين»، ويتميزان بامتلاك اثنين من أفضل الملاعب وأكاديميات كرة القدم في إسبانيا والعالم حالياً.