رضا سليم (دبي)
تتصدر الإمارات المشهد سنوياً بالعديد من البطولات الرياضية التراثية ذات بصمة الاستدامة للأجيال المتعاقبة، ومنها النموذج الذي يقدمه مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، عبر بطولات رياضية في كل موسم، يتقدمها سباقات الهجن، الصيد بالصقور، بطولة فزاع لليولة، والرماية بالسكتون، والغوص الحر «الحياري»، وسباقات السلق وغيرها من المبادرات مثل رحلة الهجن التي يقطع بها مشاركون من مختلف الجنسيات مسافة في قلب الصحراء، مروراً بالمحميات الطبيعية من أبوظبي إلى دبي.
وينظم المركز سنوياً سباقات للهجن تحمل شعار «ماراثون اليوم الوطني»، والتي يشارك فيها متسابقون مواطنون، و«ماراثون رحلة الهجن» لمتسابقين من مختلف الجنسيات يمتطون الهجن، وتقام لها عدة سباقات تمهيدية ثم السباق الرئيسي ضمن مهرجان ولي عهد دبي في المرموم، فيما شهد العام الماضي إقامة سباق أيضاً في مهرجان ختامي الوثبة للهجن العربية الأصيلة.
وتنبع أهمية هذا الماراثون بأنه لا يقوم على مبدأ السباق فقط، ولكنّ المشاركين أنفسهم يتعلمون كيفية التعامل مع الهجن وتربيتها والاهتمام بها من النواحي البيطرية والعناية اليومية وغيرها، فتتكون لديهم المهارات اللازمة، خصوصاً للأجيال الصاعدة، لتبني مواصلة العناية بإنتاج الهجن، فيما يشارك الأجانب من المقيمين في الدولة في «رحلة الهجن» التي تمتد 12 يوماً متواصلاً لمسافة 600 كلم من منطقة عرادة في أبوظبي وصولاً إلى دبي، وشهدت العام الماضي، على سبيل المثال، مشاركة 34 مقيماً من الجنسين من 15 جنسية مختلفة، حيث انطلقت من عرادة، مروراً بتل مرعب، ثم الخرزة، ومحمية قصر السراب، محمية المها العربي، جنوبي أم عنز، أم الحب، جنوبي محمية بوتيس، جنوبي الخزنة، سيح الملح في سويحان، العجبان، سيح السلم ثم أخيراً حطت رحالها في القرية العالمية بدبي.
ويتصدر المشهد في الرياضات التراثية، بطولتا الصيد بالصقور اللتان تنظمهما إدارة البطولات في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث بميدان الروية، وهما بطولتا فزاع للصيد بالصقور الرئيسية «التلواح» التي يبدأ معها الموسم بين ديسمبر ويناير من كل عام، وكأس محمد بن راشد لسباقات الصقور (بطولة فخر الأجيال سابقاً) التي أقيمت العام الماضي للمرة الأولى بمسماها الجديد بين يناير وفبراير في موسم حافل وضخم للغاية يشهد مشاركة المئات من الصقارين والآلاف من طيور الصقور من داخل الدولة ومن الدول الخليجية.
وتشمل المنافسات 5 فئات متنوعة هي (فئة الشيوخ، وفئة العامة مفتوح، وفئة العامة ملاك – فئة الحرار والشواهين – فئة الناشئين) «فرخ وجرناس».
وأصبح الإنتاج المحلي علامة فارقة في هذه البطولات، وهو ما يبرز أن عملية الاستدامة في الصقور أصبحت حاضرة بقوة، وبقدرات متطورة في المجتمع، والوصول بها إلى أعلى مستويات الاحترافية بما يخدم عملية الاستدامة على المدى الطويل.
ويأتي تنظيم بطولات الصيد بالصقور انطلاقاً وسيراً على نهج القيادة الرشيدة لدولتنا، وتوجيهات سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، بالحفاظ على الموروث الشعبي، ودعم الرياضات التراثية، والسعي لإبرازها في المجتمع لتتناقلها الأجيال تباعاً كما وصلت لنا من الأجداد والآباء.
كما تقام سنوياً «بطولة السلق» بمشاركة محلية من مختلف إمارات الدولة، إلى جانب الحضور البارز للأشقاء الخليجيين من المملكة العربية السعودية وسلطنة عُمان وقطر، لتؤكد هذه البطولة دورها بوصفها قلباً نابضاً لواحدة من أبرز من رياضات الموروث الشعبي في المنطقة، وتساهم في مواصلة إنتاج سلسلة هذا النوع من كلاب السلق المرتبطة بالتراث، خصوصاً في رحلات الصيد.
ولا تقتصر عملية تدريب الأجيال الصاعدة على التعامل مع الهجن على سبيل المثال عبر هذه البطولات فقط، ولكن يتجسد هذا الشيء من خلال بطولة فزاع لليولة أيضاً التي تقام منذ 24 عاماً، حيث أصبحت تشمل سباقات الهجن ضمن منافسات أخرى شهدت في نسخة سابقة سباقات الخيل أيضاً، من أجل إنشاء جيل متسلح بالخبرات اللازمة للاهتمام بهذه الثروة الحيوانية التي تخدم عملية الاستدامة بكل مهارة وثقة.
وأكد عبد الله حمدان بن دلموك، الرئيس التنفيذي لمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، أن دعم قيادتنا النابع من الرؤية في إبراز هذا الموروث الشعبي، وتحفيز الأجيال المتعاقبة على تبني هذه الرياضة التراثية كأسلوب حياة سيراً على خطى الأجداد والآباء، خصوصاً أن هذه البطولات تحفز الأجيال الصاعدة، وتمنحهم الفرصة لإبراز قدراتهم وصقلها في بيئة متكاملة، حيث يسعى المركز لتطوير مختلف البطولات سنوياً، وإدخال كل ما يرتقي بها من دون المساس بمضمونها الوطني والتراثي، حتى أصبحت هذه البطولات واحدة من الأبرز في المنطقة والعالم، وقال: «العناية بالهجن والصقور تجعل الإنسان يتعامل معها طوال السنة، ويتابعها في العيادة البيطرية والإنتاج، وأعتقد أن الدورة الاقتصادية للعمل التجاري المرتبط بها، خصوصاً الإبل ارتفع وسيصبح في المستقبل بقيمة أكثر عن الذهب».
ونوّه ابن دلموك إلى أن وجود فئة الناشئين في كل بطولة من بطولات فزاع التراثية، هي إحدى أهم الركائز التي يعتمد عليها المركز في تحقيق رؤيته، نحو الاستدامة، حيث اعتبر هذه الفئة بمثابة الخزان البشري الذي لا ينضُب، وهم يشكلون حجر الأساس لمستقبل وتطور الدولة، ورعايتهم والاهتمام بهم هو عمل وطني، وواجب على كل مسؤول.