رضا سليم (دبي)
تمثل الرياضة أحد مكونات القوة الناعمة لفرنسا، ويمكن التعامل مع النشاط الرياضي باعتباره وجهة سياحية وحضارية، تندرج ضمن ما يطلق عليه الدبلوماسية الرياضية، وتتبنى الحكومة الفرنسية سياسة رياضية من الطراز الأول، بوصف الرياضة أحد العوامل المهمة للغاية في الحفاظ على صورة «باريس» أمام العالم، وضمان علاقات أفضل، سواء مع بلدان العالم أو المؤسسات الدولية الكبرى، وأيضاً من أجل المشروعات الاقتصادية والاستثمارية الفرنسية في أنحاء العالم، وتقوية الروابط الاقتصادية مع مختلف البلدان، وتتضمن هذه السياسية أيضاً انتقاء البطولات والدورات الرياضية التي تسعى فرنسا لاستضافتها.
وترتبط الإمارات وفرنسا بعلاقات تاريخية متميزة، في جميع المجالات، إلا أن الجانب الرياضي يمثل «القوة الناعمة» بين البلدين، من خلال تبادل الخبرات في استضافة الأحداث العالمية، والمشاركة في البطولات، بالإضافة إلى الدخول في استثمارات كبيرة على المستوى الرياضي.
وكان معرض «إكسبو 2020» الذي أسدل عليه الستار مارس الماضي شاهداً على قوة العلاقات بين البلدين، وكان وجهة للترويج لـ«أولمبياد باريس 2024»، حيث تحول جناح فرنسا داخل المعرض إلى لوحة رائعة للترويج للحدث التاريخي الذي تستضيفه العاصمة باريس، باحتضان دورة الألعاب الأولمبية للمرة الثالثة، وذلك تزامناً مع احتفالاتها بمرور 100 عام على استضافة الحدث الأولمبي عام 1924، كما أنها ثاني مدينة استضافت الأولمبياد 3 مرات بعد لندن، ويتوقع أن تصل تكلفة إقامة أولمبياد 2024 إلى 3.9 مليار يورو «4.6 مليار دولار»، وقد فتحت دبي أبوابها أمام الزوار، للتعرف على استعدادات فرنسا للحدث الأولمبي، ونقل صورة من أرض الواقع للتجهيزات الجارية ، منها عرض المشروع الأولمبي، والذي يكشف توظيف التقنيات الحديثة، وإبراز الرؤية الصديقة للبيئة التي يتبناها أولمبياد 2024، التي ستكون الأكثر استدامة على الإطلاق والتعريف بالقرية الأولمبية، والأماكن التي ستحتضن المنافسات الرياضية وعرض صالة مغطاة بالكامل بالنباتات.
وشارك «جودو الإمارات» في تقديم عرض كبير، بالتنسيق مع الجناح الفرنسي، في «إكسبو 2020»، ولمدة ثلاثة أيام لدعم الترويج للأولمبياد.
وتمثل الرياضة في فرنسا الوجهة الأولى للترويج للسياحة والقوة الناعمة، التي تعتمد عليها الإدارة الفرنسية في توظيف الرياضة، بالشكل الذي يخدم تنفيذ الاستراتيجيات المرسومة على أرض الواقع، ويزيد الناتج الرياضي المحلي في فرنسا عن 34 مليار يورو سنوياً.
وتسير الرياضة الفرنسية في اتجاهات متعددة، ما بين الاستثمارات العملاقة التي تجتذب رؤوس الأموال الضخمة، من رجال الأعمال، في كل أنحاد العالم، أو المنشآت الرياضية لجذب أكبر عدد من البطولات، مع الاستثمار في الرياضيين، من خلال الفوز بالميداليات الملونة في البطولات الكبيرة والأولمبياد، ورفع العلم الفرنسي في الأحداث الرياضية الكبيرة في كل الألعاب، بالإضافة إلى أنها مقر لعدد من الاتحادات الدولية في الألعاب المختلفة.
وما بين الممارسة والمنافسة الكثير من التحديات التي وصلت إلى أن أكثر من 36 مليون فرنسي فوق سن 15 عاماً، أي 66% من السكان يمارسون الأنشطة الرياضية، منهم 17 مليون ممارس في القاعات الرياضية، بما في ذلك 6.5 مليون في غرف اللياقة البدنية، و5.5 مليون في كرة القدم الخماسية، وأكثر من 13.5 مليون فرنسي يمارسون رياضة الجري، منهم 5 ملايين على أساس منتظم.
وتتخطى ميزانية الرياضة حاجز الـ78 مليار يورو، توفر أكثر من 448 ألف وظيفة، كما تنظم فرنسا عدداً كبيراً من الأحداث سنوياً، ويوجد 2.7 مليون طالب مسجل في الاتحادات الرياضية المدرسية، وهناك 32 اتفاقية موقعة من وزارة التربية الوطنية والشباب والرياضة، هناك 3713 قسماً رياضياً مدرسياً لما يقرب من 80 ألف طالب.
وتصل ميزانية الوكالة الوطنية للرياضة إلى 300 مليون يورو كل عام، منها 200 مليون يورو لتطوير الممارسات، بينما بقية الميزانية التي تزيد على 100 مليون، مخصصة للإنشاءات الأولمبية وتنظيم الألعاب، وتشغيل المراكز والمدارس الوطنية.
«ليج 1» في قائمة الأغلى عالمياً
تشهد الاستثمارات الرياضية في فرنسا طفرة كبيرة على المستويات كافة، سواء في الأندية أو مداخيل البطولات والأحداث من الرعاية والمنشآت الرياضية وبيع المستلزمات والأدوات، إلا أن العيون على الاستثمارات في كرة القدم التي تعتبر الدجاجة التي تبيض ذهباً، ويدخل الدوري الفرنسي «ليج 1» ضمن أغلى 10 دوريات في العالم بحسب موقع «ترانسفير ماركت» المتخصص في رصد الإحصائيات، حيث يحتل المركز الخامس بقيمة 3.4 مليار.
ويرى القائمون على كرة القدم الفرنسية أنه مع توافر المستثمرين المناسبين، يمكن أن ينافس الدوري الفرنسي الممتاز نظيره الإنجليزي الذي يعد أغلى دوريات العالم قيمة، ومع تكلفة دخول السوق الأقل نسبياً، مقارنةً بكرة القدم الإنجليزية والإيطالية، تمتلك كرة القدم الفرنسية فرصةً لتحقيق ذلك.
وأقر البرلمان الفرنسي تعديلا قانونيا للسماح بإنشاء الشركة التجارية المخصصة أساساً لإدارة حقوق البث التلفزيوني للأندية الفرنسية، وأعلن الاتحاد الفرنسي لكرة القدم فتح مفاوضات حصرية مع صندوق الاستثمار «CVC» لإنشاء شركة تجارية، مما يسمح له ببيع حقوق البث، على أن يدفع الصندوق 1.5 مليار يورو، ويحصل على 13% من عوائد تلك الشركة التي ستقدر قيمتها بنحو 11.5 مليار يورو، وفقاً للاتفاق الذي اعتمده بالإجماع مجلس إدارة الاتحاد.
ويبرز الاستثمار في نادي العاصمة باريس سان جيرمان الذي استحوذت عليه شركة قطر للاستثمارات الرياضية، عام 2011، والذي أنفق منذ صيف 2011 إلى الآن ملياراً و271 مليون يورو على التعاقدات بخلاف أوجه الإنفاق الأخرى مثل المدربين وخلافه، ودفع النادي 222 مليون يورو في 2017 لضم نيمار من برشلونة، وفي العام نفسه ضم كيليان مبابي، في صفقة بلغت قيمتها 145 مليون يورو، وقبلهما إدينسون كافاني «64.5 مليون يورو في 2013»، وأنخيل دي ماريا «63 مليون يورو في 2015»، وتياجو سيلفا «42 مليون يورو في 2012».
وفي صيف العام الماضي ضم ليونيل ميسي، قائد برشلونة السابق، وسيرجيو راموس، قائد ريال مدريد السابق، في صفقتين مجانيتين، بجانب دفع 66.5 مليون يورو مقابل التعاقد مع أشرف حكيمي.
كما انتقلت ملكية نادي نيس إلى الملياردير البريطاني جيم راتكليف، من مالكه الأميركي الصيني السابق، في صفقة بقيمة تتراوح بين 100 و120 مليون يورو.
طواف فرنسا «بصمة» إماراتية
وضعت الإمارات «بصمة مضيئة»، في طواف فرنسا الدولي للدراجات الهوائية، بعدما فاز فريق الإمارات للدراجات باللقب مرتين متتاليتين في نسختي 2020 و2021 عن طريق السلوفيني بوجاتشار، وسط مشاركة ما يقرب من 200 دراج يتنافسون على مدار 21 مرحلة في 23 يوماً.
يعد الطواف أحد المعالم الرياضية التي تشتهر بها فرنسا أمام العالم، ليس فقط لأنه الأقدم، منذ أول نسخة عام 1903، ووصوله حاليا إلى النسخة 109، بل أيضاً لأن «تور دو فرانس» أكبر حدث رياضي سنوي في العالم، ويطوف عدداً من الدول الأوروبية، منها الدانمارك وبلجيكا وسويسرا، وأيضاً عدد من المناطق السياحية المبهرة في فرنسا، وتتعدى شهرة الطواف، ليصبح فعالية رياضية سياحية يتسابق الإعلاميون والمصورون إلى تغطية فعاليتها الممتدة لمسافة 3500 كيلومتر من الطبيعة الخلابة والمعالم المبهرة، ويتم نقل الحدث إلى ما لا يقل عن 190 دولة ويشاهده ملايين الأشخاص حول العالم.
يمثل السباق فرصة للمشاهدين والمشجعين للاستمتاع بتنوع وجمال المناظر الطبيعية الفرنسية، سواء مناطقها الساحلية أو جبالها أو ريفها أو حتى مدنها وقراها الخلابة، حيث يمر السباق عبر سلسلة جبال البيريني وشمال أوفرني وسلسلة جبال الألب ومدينة ليون، وصولاً إلى المرحلة النهائية في الشانزليزيه.
«رولان جاروس».. تاريخ التنس
تخطف بطولة فرنسا المفتوحة للتنس، والتي يطلق عليها «رولان جاروس»، إحدى بطولات «الجراند سلام» الكبرى الأضواء كل عام من عشاق «الكرة الصفراء»، كونها الأقدم والأشهر في العالم والتي تقام في العاصمة الفرنسية باريس، وعادة ما يشارك فيها كل النجوم العالميين، بحثاً عن الصدارة والجائزة الأكبر فيها، حيث يبلغ إجمالي مجموع جوائز بطولة رولان جاروس 43.6 مليون يورو، علما بأنها زادت بنسبة 26.87% عن نسخة الموسم الماضي.
وانطلقت النسخة الأولى من الحدث في 1918، وبعد 6 سنوات أضيفت البطولة النسائية عام 1925، وقرر الاتحاد الفرنسي للتنس السماح لأفضل اللاعبين الأجانب بالمشاركة، وأقيمت المباريات في ملعب فرنسا، ثم انتقلت إلى ملعب رولان جاروس عام 1928 وأطلق على الدورة منذ ذلك التاريخ رولان جاروس نسبة إلى الطيار الفرنسي رولان جاروس.
إنجازات في ذاكرة «الديوك»
حقق منتخب فرنسا لكرة القدم العديد من الإنجازات التي يبرزها التاريخ في كل المناسبات، حيث تُوج بلقب المونديال عامي 1998 و2018، كما فاز بكأس القارات مرتين وذلك عامي 2001 و2003، ولقب بطولة أمم أوروبا عامي 1984 و2000، وفاز بكأس دوري الأمم الأوروبية للمرة الأولى في تاريخه، وبات أول منتخب يجمع بين كأس العالم واليورو ودوري الأمم.
وبرزت في مسيرة منتخب «الديوك» أسماء كبيرة منها ميشيل بلاتيني ولوران بلان وديدييه ديشامب ويوري دجوركاييف وكريستوف دوجاري وكريستيان كاريمبو وزين الدين زيدان وإيريك كانتونا وتييري هنري.
ويُعد هنري الهداف التاريخي للمنتخب الفرنسي بـ51 هدفاً، وليليان تورام أكثر لاعب شارك مع المنتخب وذلك بـ142 مباراة.
10 ملايين تذكرة
أعلنت اللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية باريس 2024، أنه سيتم طرح 10 ملايين تذكرة لدورة الألعاب الأولمبية، بسعر يبدأ من 24 يورو للتذكرة الواحدة، فيما سيتم طرح عدد 3.4 مليون تذكرة لدورة الألعاب البارالمبية، بسعر يبدأ من 15 يورو للفرد، وسيحضر حفل الافتتاح الذي يقام هذه المرة علي نهر السين بطول 6 كيلومترات أكثر 600 ألف متفرج، لتكون المرة الأولى التي يقام فيها حفل الافتتاح خارج الملعب الأولمبي، ويشمل البرنامج 32 رياضة تضم 306 مسابقة. وتقام المنافسات في ملاعب غير تقليدية، حيث اختارت اللجنة المنظمة أماكن سياحية معروفة في باريس، لاستضافة المنافسات منها ميدان الكونكورد، وشامب دي مارس، وليزانفاليد، وقصر فرساي، بالإضافة إلى العديد من الأماكن البارزة الأخرى، وعلى سبيل المثال تقام منافسات الكرة الطائرة الشاطئية أسفل برج إيفل، والمصارعة والجودو، والفروسية في قصر فرساي. وتستضيف تاهيتي في بولينيزيا الفرنسية مسابقة ركوب الأمواج على بعد 15706 كيلومتراً من باريس، وستحطم هذه المسابقة الرقم القياسي لأبعد مكان تقام فيه مسابقة أولمبية في دورة واحدة بعيداً عن المدينة المضيفة. وللمرة الأولى في تاريخ الدورات الأولمبية والبارالمبية، يتم اعتماد شعار واحد للحدثين، ويوصف بـ«وجه» الألعاب، والشعار هو عبارة عن وحدة مكونة من ثلاثة رموز: الميدالية الذهبية والشعلة وماريان وهو رمز عزيز لثورة فرنسا وشعبها.
طموحات الأبطال
يطمح أبطال فرنسا إلى القفز في جدول الميداليات خلال «أولمبياد باريس» المقبلة، خاصة أن البعثة جاءت في المركز الثامن في جدول ميداليات أولمبياد طوكيو الأخيرة، بعد الفوز بـ33 ميدالية، منها 10 ذهبيات و12 فضية و11 برونزية، وتستعد المنتخبات الفرنسية في الألعاب الفردية والجماعية منذ سنوات عدة، وهناك جيل جديد لـ«الديوك» سيظهر في المحفل الأولمبي. وتستضيف فرنسا بطولات عالمية أخرى على مدار السنوات المقبلة، منها بطولة العالم للجولف للهواة في سبتمبر المقبل، وبطولة العالم للدراجات الهوائية للمضمار في أكتوبر، والعام المقبل بطولة العالم للتزلج والألعاب العالمية لذوي الإعاقة الذهنية، وبطولة الأمم للدراجات البخارية، وبطولة العالم للرجبي وفي 2024، بخلاف الأولمبياد تستضيف فرنسا بطولة العالم للتنس لذوي الإعاقة الذهنية.