(1-3)
رضا سليم وعلي معالي (دبي)
تواجه الرياضة العربية تحديات كبيرة في ظل التحول الذي يشهده العالم في الاستثمارات بهذا المجال، بعد تحويل الرياضة بكامل تفاصيلها إلى منتج وسلعة رائجة والاستفادة من كل جوانبها وتسويقها بالشكل المثالي الذي يُدر المليارات، وهو ما تفعله الحكومات في استضافة البطولات العالمية والدورات الأولمبية وحتى الدوريات المحلية الخاصة بها، وأيضاً على مستوى تسويق كل الألعاب وليس كرة القدم فقط.ووسط هذا التحول الرقمي الكبير، ما زالت الرياضة العربية تعاني من أزمة كبيرة في التسويق والاستثمارات المفقودة رغم الثروات الكبيرة التي يتمتع بها عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج، سواء من منشآت رياضية، أو طاقات بشرية هائلة، والتي من الممكن أن تجعله سوقاً رائجة وناجحة للرياضة بكل أنواعها.
معظم البلدان العربية ما زالت بعيدة عن خلق بيئة منظمة لعمل الاستثمار الرياضي، سواء من الناحية الإدارية أو التشريعية، خاصة بعد مغادرة لغة «المجانية» قاموس العالم الرياضي، وأن من يرد أن يستمتع فعليه أن يدفع المقابل، وباتت الرياضة صناعة تقوم على أسس علمية متخصصة في علوم الرياضة والسياسة والاقتصاد والإعلام، لكي تقوم بضخ مئات المليارات من الدولارات في نهاية المطاف.
وأصبحت الرياضة تمثل قوة دفع لبعض اقتصاديات الدول الفقيرة، كما أنها في الوقت نفسه تستخدم كأداة فعالة للاستقرار وحماية النشء من الانحرافات الخطرة، وتحولت الفرق والأندية الرياضية في العالم إلى شركات تجارية ضخمة يُساهم الجميع في قوامها الاقتصادي.
كما أن العوائد المالية الكبيرة من الأنشطة الرياضية قادت العالم نحو التحول لاقتصاديات الرياضة، وهو السر المحموم للتنافس بين الدول على استضافة كأس العالم والدورات الأولمبية، فقد خرجت من حيز الاستضافة ونجاح التنظيم، إلى الاستثمار بمليارات الدولارات، وهو ما يدفع الدول لبناء الملاعب وتجهيز الفنادق والبنية التحتية، وبالتالي الرياضة باتت كيانات اقتصادية.
ووصل حجم سوق الرياضة عالمياً إلى 756 مليار دولار سنوياً، حسب تقرير صادر عن الأمم المتحدة للشئون الاقتصادية والاجتماعية في مايو 2020، وترتفع إلى 840 مليار دولار سنوياً، إذا ما تمت إضافة الصناعات غير المباشرة، وقد ترتفع قيمة النشاط إلى 1.8 تريليون دولار إذا تمت إضافة سلاسل الإنتاج في القطاعات الأخرى مثل النقل والطعام والشراب وغيرها.
ويفوق هذا السوق العالمي الدخل القومي الإجمالي للغالبية الكاسحة من دول العالم، وهي على وجه التحديد جميع دول العالم ما دون الـ 25 دولة الأقوى اقتصادياً على الساحة العالمية، كما أن الرياضة على وجه التحديد هي المجال الترفيهي الأكثر جذباً للأموال، وبحسب مجلة «فوربس» الأميركية فإن عائد الرياضة يقدر بـ 73.5 مليار دولار في الولايات المتحدة الأميركية، متقدمة بذلك على الكثير من الصناعات التقليدية المعروفة، وحجم سوق الرياضة العالمي يفوق الدخل القومي لـ 130 بلداً، ويساوي دخل كرة القدم منفرداً في البرازيل ما نسبته 5 % من إجمالي الدخل.
اقرأ أيضاً:
ضعف التسويق.. «فشل إدارة» أم «ثقافة مجتمع»؟! (2-3)
التجربة الصينية.. معادلة النجاح بـ «خلطة سحرية»! (3-3)
وتعد الاستثمارات الرياضية في الوطن العربي بمثابة «الكنز المدفون» الذي لا يقدر بثمن رغم معاناة الإهمال وعدم استغلال الثروات العربية، ويساهم القطاع الرياضي العربي بطريقة مباشرة وغير مباشرة في الناتج القومي المحلي، وتصل إلى أكثر من 32 مليار دولار سنوياً في الناتج المحلي الإجمالي للوطن العربي، من أصل 6.5 تريليون دولار «الناتج المحلي القومي العربي» بحسب الأرقام التقديرية وبنسبة 0.5 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وينخفض المؤشر في بعض الدول بنسبة لا تكاد تذكر، ودول أخرى يرتفع فيها تدريجياً ما بين نسبة متوسطة كما الحال في الأردن بواقع نحو 0.4 % على الصعيد المباشر, ويرتفع إلى 1.3 % من الناتج المحلي الإجمالي عند احتساب إجمالي المراكز والأكاديميات الرياضية في عام 2019، و1.2 في السعودية في عام 2021، وهناك مساع للوصول به إلى 8 % بحسب «رؤية 2030»، ويساهم القطاع الرياضي في اقتصاد دبي بأكثر من 4 مليارات درهم سنوياً، وهو ما يعزز مكانة القطاع كرافد مهم من روافد الاقتصاد المحلي.
ويواجه الاستثمار في الرياضة العربية مشاكل كثيرة أدت إلى هروب المستثمرين العرب إلى أوروبا وأميركا من خلال شراء الأندية الأوروبية، واختاروا الطريق السهل لتحقيق الأرباح والعوائد المرتفعة بعيداً عن التعقيدات التي تواجه المستثمرين العرب في كل البلدان، وهناك شركات ومؤسسات خليجية وعربية ترعى قمصان وملاعب أندية أوروبية كبيرة وشهيرة.
وهناك العديد من الأسباب التي تقف عثرة في الاستثمار الرياضي، في مقدمتها غياب المنظومة الاستثمارية والقانونية التي تساعد على تفعيل النشاط الاستثماري في هذا المجال، وندرة وجود المختصين، وغياب البيئة الاحترافية الرياضية في التعامل مع المستثمر أو الرعاة للأندية والبرامج الرياضية والتي لا ينظر إليها كشراكة بين النادي والمستثمر أو الراعي، وهناك عقود الرعاية والنقل التلفزيوني بمئات الملايين للأندية الرياضية ويمكن أن تكون بعشرات الملايين للأندية الخاصة إذا تمت إدارتها باحترافية.
إمبراطورية «الفيفا» أكبر مشروع اقتصادي
تُعد كرة القدم أكبر مشروع اقتصادي في العالم، ولا توجد شركة تحقق إيرادات أكبر مما تحققه كرة القدم الدولية، وتشير معظم الدراسات إلى أن كرة القدم باتت ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعدما أصبحت ميزانية الاتحاد الدولي لكرة القدم تفوق ميزانيات عشرات الدول. ازداد حجم ميزانية الفيفا أكثر من 10 أضعاف للفترة الممتدة من 1995 إلى 1999 والذي كان 257 مليون دولار، وسجّلت «فيفا» عائدات بلغت 5.718 مليار دولار بين عامي 2011 و2014، وبلغ الاحتياطي النقدي لديه نحو 1.523 مليار دولار.
%1.8 مساهمة مصرية
تمثل الرياضة المصرية 25% من حجم الاستثمار الرياضي في الوطن العربي، بنسبة حوالي 1.8% من الدخل القومي في مصر بما يساوي 49 مليار جنيه طبقاً لما ذكره الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، كما تساهم بنسبة 2.7% من إجمالي الاستثمارات في القطاعات المختلفة داخل مصر، ونسبة تقدر بـ 8% من الاستثمار في القطاع السياحي والمرتبط عائده بقطاع الرياضة وفقاً للتقرير الصادر من المركز المصري للدراسات الاقتصادية.
طاهر أبو زيد: أرفض استغلال صلاح ومحرز في «جلب الأموال»!
يعترف طاهر أبو زيد وزير الشباب والرياضة المصري الأسبق، بأن الوطن العربي به الكثير من الطاقات المهدرة التي يُمكن استغلالها في إخراج منتج رياضي لا مثيل له، ولكنه في نفس الوقت أرجع ما تسير عليه الرياضة العربية في الاتجاه الحالي إلى أسباب أخرى قائلاً: «العديد من المسؤولين الذين يتولون المناصب الرياضية على مستوى الوطن العربي غير متخصصين، وبالتالي ستكون إدارتهم إدارة «هواة»، وعملهم روتينياً لا يخدم المصالح الكبرى للرياضة العربية». وأضاف: «كل الأنظمة العربية تأخذ الرياضة فيها من رصيد الدولة أكثر مما تُعطي، وهي إشكالية كبيرة لابد لها من حلول، وذلك لعدم وجود إدارات محترفة، وأرى أن المسؤولين عن الرياضة هدفهم أن يتواجدوا في الكادر الإعلامي أكثر من الاهتمام بميزانيات دولهم».
وتابع: «كل الشركات العالمية ليست ببعيدة عن المناخ العربي، والمنشآت الرياضية والبنية الأساسية تم ضخ أموال طائلة فيها خلال الـ 20 عاماً الماضية، وأكثرها غير مُستغل، وهناك ملاعب ومنشآت يتم فتحها خلال المناسبات، وذلك كما قلت للإدارة الهاوية لبنية تحتية يُمكن وصفها بـ «الرائعة».
ورفض طاهر أبو زيد استغلال أسماء الرياضيين ومنهم محمد صلاح ورياض محرز في جلب موارد قائلا: «هؤلاء عناصر يحققون لأنفسهم، وهذا حق مشروع لهم نظير مجهوداتهم، ولكن لا يُمكن استغلالهم في إيجاد دخل مادي لبلدانهم، ولو نظرنا إليهم من هذا الجانب فسوف يضحك علينا المجتمع الغربي لأنه أمر غير منطقي، ولو حدث فإنه يؤكد على فشل كبير للإدارة الرياضية، ولكن هؤلاء الرياضيين ننظر لهم بأنهم سفراء ونموذج يقتدى به لشباب الوطن وليس استغلالهم مادياً».
وأضاف:«كل الألعاب الرياضية لابد أن تكون تحت نظر وقلب الأنظمة العربية بعكس الاحتراف الخارجي، لأن «الاحتراف المُطلق» لا يمكن تطبيقه في وطننا العربي».
رئيس نادٍ مغربي يكشف تجربة عمرها 23 عاماً
يرى عبدالواحد سولامي رئيس نادي رحال المغربي أن الاستثمار الرياضي له فوائد على 3 قطاعات : الخاص والعام والمشترك، ولكل طريقة في إدارة الأمور، مشيراً إلى أن القطاع الخاص استثمار ناجح كونه مبني على دراسات قوية، ويحقق فوائد، ولعل أبرز العوائد، والمنافع، والفوائد التي يسعى القطاع الخاص، والمستثمرون لتحقيقها في المجال الرياضي هو «الربحية»، وتعظيم القيمة السوقية.
قال عبدالواحد سولامي: «القطاع العام يسعى إلى تحقيق الربح من خلال الاستثمار في الرياضة بتحقيق الموارد المالية التي تدعم خزينة الدولة، وتوفير فرص عمل للمواطنين، وتحسين جودة الحياة من خلال تقديم خدمات مختلفة لأفراد الوطن، وخفض مستوى الفقر، وزيادة مشاريع النهضة العمرانية، من خلال استضافة أحداث، وفعاليات رياضية عالمية مختلفة».
وعن الجانب الثالث قال سولامي: القطاع المشترك حيث تتحقق المصالح المشتركة بالتضامن، والشراكة بين القطاعين العام والخاص، ويُمكن أن يتم ذلك من خلال تفعيل جانب الشراكة، سواء كانت شراكة تشغيلية، أو إدارية، بحيث يوفر القطاع العام المنشآت اللازمة للأحداث الرياضية العالمية بإدارة، وإشراف، وتشغيل القطاع الخاص، وهذا النوع من الشراكات يوفر التوسع في القدرة الاستثمارية، وتحقيق عوائد.
وتابع: «لدينا مواهب وإمكانيات رائعة في المغرب، وهو ما جعلني أهتم منذ 23 عاماً بإنشاء نادي رحال، حيث يضم 800 لاعب من الهواة في المراحل السنية، وكنا نهتم بالجانب الاجتماعي في البداية ثم أصبحت لدينا مدرسة في كرة القدم، والآن نادي رحال لكرة القدم، واستطعنا خلال سنوات سابقة أن نقوم بتفريخ لاعبين كبار للمنتخبات الوطنية والأندية الكبرى مثل الوداد والرجاء والجيش الملكي ونهضة بركان وشباب المحمدية والفتح الرباطي والمغرب الفاسي، وأصبحوا مميزين منهم أشرف داري وأسامة ترجالي، وصلاح الشوافي الذي التحق مؤخرا بفريق الظفرة الإماراتي.
وأضاف: كرة القدم لم تعد مجرد رياضة فقط، بل هي مجال رائع للاستثمار الاقتصادي، وحيث نرى بلداناً كبرى تعتمد في اقتصادها على الجانب الرياضي، وليس فقط لمجرد الترويج فقط، وريال مدريد مثلا وبرشلونة بالإضافة إلى الدوري الإنجليزي أو الإيطالي يمنحان الاقتصاد لهذين البلدين صلابة كبيرة.
الزعابي: رياضتنا تعيش في زمن «ميكي ماوس»
أكد محمد سلطان الزعابي أمين عام اتحاد الرجبي أن التسويق والاستثمار في الرياضة يحتاجان إلى حلول ابتكارية، وهناك فارق كبير بيننا وبين أوروبا في التعامل مع الأحداث والمباريات، والجمهور يعزف عن الحضور لأسباب كثيرة، ولابد أن نفكر في الحدث على أنه فعالية ترفيهية، وفي أوروبا وأميركا نرى أن التجربة تبدأ معك من موقف السيارات، وعندما تصل تسمع صوت الموسيقى في الفعالية وحول الملعب يوجد أماكن ترفيهية من مطاعم ومحال لشراء القمصان والشعارات، والفعاليات تكون للكبار والصغار وهي يوم ترفيهي يستمتع بكل شيء قبل دخول المباراة وهذا الأمر غير موجود في منطقتنا. وأضاف: أندية الإمارات لكرة القدم حاولت ذلك بالوسائل التقليدية، منها موسيقي «رزيف» و«ميكي ماوس» ولم يتحسن الوضع، ولابد أن يكون الابتكار والإبداع في الفعاليات الرياضية والمباريات. وأشار إلى أن ٪50 من الجمهور الإماراتي يسافر إلى أوروبا وأميركا لمتابعة مباريات سواء في الدوريات أو دوري الأبطال، ورغم أن التكلفة غالية من تذاكر وإقامة في فندق وتذكرة مباراة إلا أنه يشعر بالمتعة والحصول على مقابل ما دفعه وهو عكس ما نراه في ملاعبنا، فالجمهور لا يقبل على المدرجات ويفضل متابعتها في التليفزيون لأنه في النهاية لا يحصل على ترفيه ولا منتج جميل كون دوري الإمارات تراجع في المستوى وأيضا المنتخب وهناك جمهور ولكن دون الطموح رغم أن التذاكر تباع بسعر زهيد وربما تكون مجانية كخدمة من الأندية. وكشف محمد سلطان الزعابي أمين عام اتحاد الرجبي عن أسعار تذاكر البطولات الخاصة باللعبة، وقال: «بطولة طيران الإمارات لسباعيات الرجبي على سبيل المثال والتي تقام على مدار يومين سيكون سعر التذكرة العادية 475 درهماً، فيما يكون سعر تذكرة الدرجة المميزة 3250 درهماً». وأضاف أن الحضور الجماهيري في بطولة طيران الإمارات في نسختها الأخيرة وصل إلى 79 ألف متفرج وهي لا تقتصر على بطولة واحدة بل عدة بطولات وهناك فعاليات كثيرة حولها، وهذه الفعاليات تجذب الجمهور والشركاء يكون لهم أنشطة. وعن التحول إلى الألعاب الأخرى وتسويقها، قال: «الشق أكبر من الرقعة» حتى رأس الهرم من الهيئة العامة واللجنة الأولمبية التركيز يكون على كرة القدم رغم أن هناك ألعابا أخرى تقدم مستوى ونتائج، ليس فقط الرجبي بل الجو جيتسو والجودو والمواي تاي وغيرها، والأمر يحتاج إلى توزيع الميزانيات بشكل عادل وفي هذه الحالة ستسعى هذه الألعاب إلى جذب الجمهور وتسويق اللعبة بشكل جيد.
10 عقبات تواجه الاستثمار الرياضي
1- غياب البيئة الاحترافية في التعامل مع المستثمرين
2- ندرة وجود المختصين في الاستثمار
3- اعتماد الأندية على التمويل الحكومي
4- عدم وجود السياسات واللوائح والتشريعات والقوانين المشجعة
5- عدم وجود أهداف استثمارية في الأندية
6- ضعف البنية التحتية وراء عزوف المستثمرين ورجال الأعمال
7- الفشل في تسويق العلامات التجارية للأندية
8- قلة الخبرات الإدارية للعاملين في القطاع الرياضي
9- سيطرة الحكومات العربية على المجريات الرياضية
10- توجه المستثمرين العرب إلى السوق الخارجي