«1-3»

منير رحومة (دبي)

«الإنسان عدو نفسه».. حقيقة «الزمان والمكان».. لدرجة أنه أصبح يعاقبها بقسوة بسبب سلوكياته ونمط حياته الخاطئ.
ونظراً لأن الحياة أصبحت مليئة بالعادات السلبية، تبقى الرياضة بمثابة «رأس المال»، و«التاج» على رؤوس الأصحاء».  
في منطقتنا العربية، نتغنى باستضافة أكبر الأحداث والتظاهرات الرياضية العالمية، ونتلقى شهادات النجاح في تنظيم البطولات والمسابقات، ونتفوق على أكبر دول العالم في إبهار الجماهير وعشاق الرياضة، من خلال تقديم نسخ استثنائية في الجوانب التنظيمية، مما حول منطقتنا إلى وجهة مفضلة لنجوم الرياضة العالمية في جميع الاختصاصات.
ونتباهى أيضاً بالاستثمارات العربية في الأندية الأوروبية، والنجاحات منقطعة النظير التي تحققت، إلا أن الجانب المشرق في علاقة أغلب الشعوب العربية بالرياضة، يتوقف عند هذا الجانب، حيث نكتفي بالفرجة والمشاهدة، سواء من المدرجات أو أمام الشاشات، بينما يهجر شبابنا الملاعب وميادين ممارسة النشاط الرياضي، وتعصف بهم المخاطر من كل الجهات.

اقرأ أيضاً:
السلوكيات العدوانية.. «الخطر الداهم» ! «2-3»
«رؤية 2030».. بوابة الأمل «3-3»

«معلومات صادمة» و«حقائق مفزعة» أصدرتها منظمة الصحة العالمية، تسهم في تعرية واقع الرياضة في منطقتنا العربية، وتكشف «المسكوت عنه» في المجال الذي يُعد «شريان الحياة»، وأهم القطاعات المؤثرة مباشرة في حياة الإنسان بدنياً، وذهنياً، واجتماعياً، حيث اكتسحت أنماط «الحياة الكسولة» مجتمعاتنا، وأصبحت تهدد شعوبنا في «خطر كبير» للإصابة بحالات صحية وانحرافات سلوكية، وتفشي الجريمة والعديد من السلوكيات العدوانية الأخرى.

استناداً إلى تقديرات منظمة الصحة العالمية، يعتبر الخمول البدني عامل الخطر الرئيسي الرابع للوفاة المبكرة عالمياً، إذ يسبب 3.2 مليون حالة وفاة سنوياً.
حرصت صحيفة «الاتحاد» على النظر في «مرآة الحقيقة» بكل شجاعة، وكشف المسكوت عنه بالحديث عن خطر عزوف الشباب عن ممارسة الرياضة، والتطرق إلى العوامل المتداخلة المتسببة في زيادة الخمول، والابتعاد عن النشاط البدني، بالأدلة والبراهين، وبناءً على صيحات فزع أطلقها الخبراء والمختصون، تحذر من خطر عزوف مختلف شرائح المجتمع عن الرياضة، وأثر ذلك على حياة الأفراد والمجتمعات في جميع المجالات الأخرى.
رغم «ولع» الجماهير العربية بمتابعة الرياضة المحلية والعالمية والاهتمام الواسع بمختلف الأخبار والأنشطة الرياضية، إلا أن تناقضاً كبيراً كشفته منظمة الصحة العالمية في آخر تقاريرها الصادر نهاية 2018، والتي تُظهر أن عدداً كبيراً من البلدان العربية يتصدر دول العالم في ضعف النشاط البدني للسكان، أو الأعلى في معدلات الاسترخاء وقلة الحركة، مثل الكويت بنسبة 67% ، والسعودية 53%، والعراق 52%.
وتظهر الأرقام أن ممارسة الرياضة تُعد «الحلقة الأضعف» في مجتمعاتنا العربية التي تعاني «الخمول» و«الكسل»، ورغم محاولات بعض الدول لتصحيح الوضع، ومعالجة الخطر، لم يواكب النشاط الرياضي التغيرات الحادثة في مجتمعاتنا، والتطور في العديد من مجالات الحياة الأخرى، بل تأثرت الرياضة سلباً لدى الأفراد وقل النشاط البدني بمختلف أنواعه.

وبالإضافة إلى أرقام وإحصائيات منظمة الصحة العالمية، فإن الدراسات المحلية في عددٍ من الدول العربية دقت «جرس الإنذار»، ونبهت من استمرار تدهور الأرقام في نسب السكان الممارسين للنشاط البدني في المجتمعات، حيث كشفت دراسة محلية أعدها المرصد الوطني التونسي عام 2020، تراجع نسبة ممارسة الرياضة في تونس لدى الفئة العمرية من 6 إلى 12 سنة بنسبة 12%، بعد أن كانت في حدود 20 بالمائة سنة 2010، وتراجعت أيضاً بنسبة 18% بالنسبة للفئة 12 إلى 17 سنة. وأشارت الدراسة إلى أن واحداً على أربعة تونسيين من الفئة العمرية 15 سنة فما فوق، يعاني مرض السمنة، و15 بالمائة من هذه الفئة العمرية، يعانون مرضى السكري، وواحد على أربعة من الفئة ذاتها، يعاني ارتفاع ضغط الدم، وفي قطر تم تصنيف 75% من القطريين على أنهم يعانون زيادة الوزن، و40% منهم يعانون السمنة المفرطة أو السمنة المميتة، وتقدر نسبة السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 64 سنة ولا يشاركون بأي شكل من الأشكال في الأنشطة البدنية 63.3 %، ووفقاً لدراسة المسح الوطني الاستقصائية «NSS».
ووفقاً للإحصائية التي أصدرتها الهيئة العامة للإحصاء بالسعودية لسنة 2019، بلغت نسبة السعوديين من الذكور والإناث الممارسين للأنشطة الرياضية 150 دقيقة فأكثر في الأسبوع 13.08% فقط، من إجمالي سكان المملكة لمن أعمارهم 15 سنة فأكثر، حيث بلغت نسبة السعوديين الذكور منهم «10.14%»، في حين بلغت نسبة السعوديات الإناث 2.94%، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة غير السعوديين من الذكور والإناث الممارسين للأنشطة الرياضية للفئة ذاتها 4.32%.
وفي المغرب أيضاً، أظهرت نتائج المسح الوطني الذي أجرته وزارة الصحة المغربية، بدعم من منظمة الصحة العالمية لدى الفئة البالغ عمرها 18 سنة فما فوق، خلال الفترة من 2017 إلى 2018، أن نسبة 53% يعانون الزيادة في الوزن و29.3% يعانون ارتفاع ضغط الدم، و10.6% مصابون بداء السكري و10.4% معرضون للإصابة بالسكري، و20% يعانون السمنة و21.1% يعانون الخمول البدني.

2.2 مليون وفاة بـ «كورونا» في الدول «الأعلى سمنة»
ذكر تقرير الاتحاد العالمي لمكافحة السمنة، أن زيادة وزن الجسم هي ثاني أكبر سبب للتوجه للمستشفى وزيادة مخاطر وفاة المصابين بفيروس «كوفيد-19»، أما أول سبب فهو التقدم في العمر.  وأشار التقرير أيضاً أن من الـ 2.5 مليون وفاة بسبب «كرورنا» حتى نهاية فبراير 2021، توفي 2.2 مليون شخص في البلدان التي يُصنّف فيها أكثر من نصف السكان على أنهم يعانون زيادة الوزن.

40% زيادة في وزن الأطفال بالمنطقة العربية
سجلت نسب زيادة الوزن في العالم العربي معدلات مرتفعة للغاية في الفترة الأخيرة، مقارنة بالنسب العالمية، خاصة في الدول الخليجية، حيث تشهد المنطقة أرقاماً مرتفعة في هذه المعدلات تتجاوز التوجه العالمي.

ووفقاً لتقديرات منظمة الصحة العالمية واليونيسيف والبنك الدولي، عن سوء التغذية بين الأطفال ما دون سن الخامسة، والصادرة في مارس 2019 ، نجد أن نسبة زيادة الوزن في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ارتفعت من 7.9 % في سنة 1990 إلى 11.2 % في سنة 2018، أي بمعدل نمو تجاوز 40 في المائة، وهي أرقام مخيفة تعكس الخطر الذي يهدد الأجيال المقبلة، ويظهر النقص الكبير في النشاط البدني والحركة على مدار الأسبوع.

80% من المراهقين يعانون نقص النشاط البدني
وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن أكثر من 80% من المراهقين في العالم، لا يقومون بما يكفي من النشاط البدني، حيث وُضعت السياسات الرامية إلى علاج نقص النشاط البدني موضع التنفيذ، في 56% من الدول الأعضاء بالمنظمة، وتم الاتفاق بين هذه الدول على خفض معدل انتشار المشكلة بنسبة 10% بحلول عام 2025.

نسق تصاعدي
تعد زيادة الوزن بين من تجاوز الثامنة عشرة في العالم العربي لافتة، مقارنة بالمعدل العالمي الذي يبلغ 39 في المائة في عام 2016، حيث نجد أن انتشار زيادة الوزن في الدول العربية، باستثناء جيبوتي وموريتانيا والسودان وجزر القمر والصومال، يسير في نسق تصاعدي، ليقفز هذا المعدل فوق 70 في المائة في الكويت وقطر، وفوق 60 في المائة في السعودية ولبنان والأردن والإمارات وليبيا والبحرين وتونس ومصر والجزائر، ويزيد من خطورة التوجه الذي تعيشه مجتمعاتنا بسبب التغير الحادث في نمط الحياة، والابتعاد عن ممارسة النشاط البدني.

السويسي: الدراسات ترفع الحذر من المخاطر
حذر نزار السويسي المدير العام للمرصد التونسي للرياضة، من خطورة عدم ممارسة الرياضة والأنشطة البدنية، والحاجة إلى أخذ المسألة بجدية، مشيراً إلى أن الخمول البدني الذي يصنف رابع سبب للموت في العالم، يهدد شبابنا في مجتمعاتنا العربية، بسبب العزوف عن ممارسة الرياضة.

وأضاف أن أثر الوضع الاجتماعي والاقتصادي وحتى السياسي، في نمط عيش المواطن وبالتحديد في تونس، وراء عدم الإقبال على ممارسة الرياضة، بالنظر إلى انعدام البنية التحتية الملائمة وتدهور القدرة الشرائية.
وأشار إلى أن الدراسات تنبه لهذه المخاطر، وترفع درجة الحذر من المخاطر التي تهدد مجتمعاتنا، مما يتطلب جهوداً حقيقية على أرض الواقع، حتى نصحح الوضع الحالي.

أسامة اللالا: تحولنا من ممارسين إلى مشاهدين
يرى الدكتور أسامة اللالا اختصاصي توعية رياضية بمجلس أبوظبي الرياضي، أن أغلب مجتمعاتنا العربية، تحولت من ممارسين للرياضة إلى مشاهدين، يكتفون بمتابعة الأحداث الرياضية المختلفة، بدلاً عن ممارسة النشاط البدني، مشيراً إلى أن نسبة الخمول تزيد خلال تنظيم البطولات والتظاهرات الكبرى، حيث تصل نسبة المشاهدة التلفزيونية بين 3 و4 ساعات يومياً.

وأضاف: الانعكاسات السلبية كبيرة للخمول، سواء على مستوى الجسم، من زيادة في الوزن وانخفاض الكتل العضلية وتفشي الأمراض، وأيضاً على مستوى العمل والإنتاج والسلوك، وشدد اللالا على أن مشكلة مجتمعاتنا أنها تتعامل مع النشاط البدني للعلاج من الأمراض وليس عاملاً وقائياً من المخاطر الصحية.

حمود فليطح: الرفاهية تغري الأفراد
كشف حمود فليطح المدير العام للهيئة العامة للرياضة بالكويت، عن أن القائمين على الرياضة في أغلب الدول العربية، لم يواكبوا التغير الحادث في المجتمعات من رفاهية، وانتشار المراكز التجارية، والألعاب الإلكترونية والمغريات الأخرى، مشيراً إلى أن تنوع الخدمات وتعدد وسائل الترفيه يمثلان مصدر إغراء للأفراد، ويبعدانهم عن ممارسة الرياضة والاهتمام بالنشاط البدني.
وأوضح أن الخدمات المتطورة التي توفرها مراكز الترفيه تجذب الشباب، خاصة في ظل افتقار الأماكن المخصصة لممارسة الرياضة للخدمات التي تواكب العصر، مما ينفر مختلف أفراد المجتمع من ارتيادها.

وشدد فليطح على أن الهيئة العامة للرياضة بالكويت، تدرك خطورة الوضع الحادث في مجتمعنا بسبب الخمول، وتسعى لتطبيق العديد من المبادرات المهمة، مثل التعويل على الرياضة المدرسية، من خلال الاتحاد المدرسي بهدف تعميم الأنشطة الرياضية، ومواكبة التغير في المجتمع، حيث تم إنشاء 250 أكاديمية في الكويت لاستقطاب الشباب لممارسة الرياضة.

2001 
منذ هذا العام لم يطرأ أي تحسن على المستويات العالمية للنشاط البدني

03
امرأة من بين كل 3 نساء، ورجل من بين كل 4 رجال لا يمارسوا نشاطاً بدنياً كافياً على مستوى العالم

02
نسب الخمول أعلى بمرتين في البلدان ذات الدخل المرتفع مقارنة بالبلدان منخفضة الدخل

28%
من البالغين في العالم الذين تبلغ أعمارهم 18 عاماً فأكثر لم يكونوا نشطين بدرجة كافية في عام 2016 «الرجال 23% والنساء 32%»، حيث لا يستوفون التوصيات العالمية التي لا تقل عن 150 دقيقة من النشاط البدني المعتدل الشدة، أو 75 دقيقة من النشاط البدني شديد الشدة في الأسبوع