ملبورن (وام)
استضافت القنصلية العامة لدولة الإمارات في ملبورن نخبة من صناع القرار الرياضي في الدولة وخبراء وأكاديميين في أستراليا، ضمن فعالية «الدبلوماسية الرياضية» التي تهدف إلى تعريف المجتمع الأسترالي بالفعاليات الرياضية في الدولة وتبادل الخبرات، وفتح آفاق للتعاون والعمل المشترك بين دولة الإمارات وأستراليا في هذا المجال.
وتحدثت الدكتورة نريمان الملا القنصل العام للدولة في ملبورن، عن «الدبلوماسية الرياضية»، مؤكدة أنها أصبحت اليوم جزءاً لا يتجزأ من نموذج القوة الناعمة الأوسع نطاقاً على المستوى الدولي، والذي تتبناه وتنتهجه الدول لتعزيز جاذبيتها وبناء علاقات وتحالفات سياسية، حيث تعتبر «الدبلوماسية الرياضية» بمفهومها المعاصر من ركائز بناء السلام وبناء الدولة الحديثة، ومنصة حيوية للحوار والتبادل الثقافي بين الشعوب، كما أنها تساهم في تطوير البنى التحتية في الدول.
ولفتت إلى أن الرياضة كقوة ناعمة تعد جانباً متزايد الأهمية في الممارسة الدبلوماسية والسياسات الخارجية، وجزءاً متنامياً في مجال الصناعة الرياضية العالمية، حيث أصبحت «الدبلوماسية الرياضية» اليوم جزءاً لا يتجزأ من نموذج القوة الناعمة الأوسع نطاقاً على المستوى الدولي، والذي تتبناه وتنهجه البلدان لتعزيز جاذبيتها وبناء علاقات وتحالفات على المسرح السياسي.
وأكدت أن دولة الإمارات استثمرت الكثير في صناعة الرياضة منذ نشأتها بتوجيهات من القيادة الحكيمة والرشيدة، إلى أن أصبحت اليوم وجهة ومقصداً عالمياً لكافة أطياف الرياضات الشعبية والعالمية على حد سواء.
وأضافت: أن دولة الإمارات تتبوأ مكانة مرموقة بين الدول المتحضرة من حيث توظيف القوة الناعمة في الإدارة، وتعد في مصاف الدول المتقدمة بحسب المؤشرات العالمية، فقد جاءت دولة الإمارات في المرتبة 17 عالمياً في مؤشر القوة الناعمة والأولى إقليمياً في التأثير، وضمن أفضل 15 دولة في العالم بخصوص معايير الاستجابة لجائحة كوفيد-19، وصنفها الجمهور الدولي ضمن العشرة الأوائل عالمياً في استقرار الاقتصاد والأمن والأمان وتأثيرها الدبلوماسي العالمي.
وأشارت إلى أن تحقيق هذه المراتب المتقدمة على المستوى العالمي ضمن مؤشرات القوة الناعمة، هو في جوهره رسالة واضحة ترسلها دولة الإمارات لجميع شعوب العالم.
وأكدت أيضاً بأن الرياضة لديها القدرة على جمع الناس معاً، بغض النظر عن جنسهم وتعليمهم ومعتقداتهم الدينية أو الوضع الاقتصادي. كما أنها تحفز على تنمية التبادل والحوار بين الثقافات، وتوفر تفاهماً دولياً أفضل، وتظهر وحدة تطلعات الشعوب لمختلف الدول والقارات، ولذا تعتبر الدبلوماسية الرياضية عنصراً هاماً في استراتيجية وزارات الخارجية في كثير من الدول.
وأشارت إلى الأجندة التي تبنتها أستراليا في مجال الدبلوماسية الرياضية كقوة ناعمة ضمن سياساتها الخارجية منذ عام 2015، وإطلاق وزارة الخارجية والتجارة الأسترالية استراتيجيتها في مجال الدبلوماسية الرياضية 2030 /Australian sport diplomacy strategy 2030.
ومن جانبه، أكد عارف حمد العواني الأمين العام لمجلس أبوظبي الرياضي، أن أبوظبي تمثل نموذجاً متطوراً للرياضة في المنطقة، حيث استقبلت في عام 2019 مجموعة كبيرة من الفعاليات لتؤكد على مكانتها الهامة وبنيتها التحتية القوية، بجانب الموارد الاقتصادية والكوادر البشرية.
وأضاف: أن العاصمة أبوظبي شهدت في السنوات الأخيرة تفاعلاً رياضياً كبيراً، حيث استضافت أهم الفعاليات الرياضية العالمية مثل كأس العالم للأندية 2017 و 2018، وبطولة أبوظبي العالمية لمحترفي الجو جيتسو السنوية، وطواف الإمارات، وبطولة أبوظبي العالمية للترايثلون، وسباق جائزة الاتحاد للطيران الكبرى للفورمولا- 1، لتتصدر أبوظبي مشهد التفوق الرياضي العالمي بعد أن غدت ملتقى لنخبة الفعاليات التي يشارك فيها أبرز النجوم والأبطال وصانعي القرار الرياضي.
وأوضح أن رياضة المرأة تسجل حضوراً بارزاً في مشهد التطور الرياضي الذي تعاصره أبوظبي في ظل الخطط والمساعي الدؤوبة لأكاديمية فاطمة بنت مبارك للرياضة النسائية، حيث تمثل إسهامات الأكاديمية دوراً بارزاً في عمليات تطوير رياضة المرأة وقيادة طموحاتها للمشاركة والتنافس بمختلف المسابقات والمحافل الرياضية.
من جانبه، استهل سعيد محمد حارب، أمين عام مجلس دبي الرياضي، حديثه بتسليط الضوء على أهمية الرياضة في دولة الإمارات بشكل عام ودبي بشكل خاص، وأكد أن القيادة الرشيدة تولي اهتماماً كبيراً بالرياضة وتدعمها بشكل لامحدود، سواء بمشاركة وحضور ومتابعة أصحاب السمو الشيوخ شخصياً للفعاليات والبطولات الرياضة، وأيضاً بتخصيص الموازنات المالية الكبيرة، وتوفير البنية التحتية والمنشآت الرياضية التي تدعم نمو القطاع الرياضي وتأثيره في المجتمع وأيضاً تأثير الدولة في العالم.
وأضاف حارب أنه خلال جائحة كوفيد-19 استمر دعم القيادة الرشيدة للرياضة، وقمنا في مجلس دبي الرياضي وباقي المؤسسات الرياضية بتنظيم أنشطة رياضية مختلفة ومتنوعة، كما أطلقنا مبادرات لممارسة الرياضة في فترة البقاء في المنزل، وفي مقدمتها مبادرة «خلك نشيط وخلك سليم» للتدريب، وأيضاً مبادرة ممارسة رياضة الدراجات الهوائية في المنزل التي حملت اسم «مضمارك في بيتك»، وكذلك تنظيم فعاليات تنافسية عن بُعد، في مقدمتها «الماراثون المنزلي» التي شارك فيها أشخاص تنافسوا في ذات الوقت ومن أماكن مختلفة في العالم.
وأكد أنه بفضل الإجراءات الاحترازية الدقيقة والبروتوكولات المتنوعة، استمر تنظيم مئات الفعاليات الرياضية في دبي ومختلف المدن، كما تحولت دولة الإمارات إلى ملتقى لمنتخبات وفرق العالم بمختلف الرياضات لإقامة معسكرات تدريبية ومن بينها الدوري الهندي للكريكت للمحترفين، تصفيات بطولة أستراليا المفتوحة للتنس للسيدات، النهائيات العالمية لبطولة الرياضات الإلكترونية «ببجي»، إلى جانب استمرار تنظيم مؤتمر دبي الرياضي الدولي وحفل جوائز دبي جلوب سوكر، بحضور أهم وأشهر نجوم كرة القدم العالمية.
أما الدكتورة مها تيسير بركات، مدير عام مكتب فخر الوطن والمستشار الأول لمكتب أبوظبي التنفيذي وشركة مبادلة للاستثمار، فأكدت أن الرياضة لها تأثير على الرفاهية الجسدية والعقلية وليس هناك شك في ذلك، ولكن تأثيرها على سلوك الأفراد لربما مهم وغالباً ما يتم تجاهله من قبل البعض.
وأضافت: لقد رأينا أثر استضافة أبوظبي للألعاب العالمية للأولمبياد الخاص بمشاركة 192 دولة، والذي يعتبر أكبر حدث رياضي إنساني في العالم. حيث تجسد مفهوم «الدبلوماسية الرياضية» في أسمى معانيه، حيث أتت استضافة هذا الأولمبياد ضمن رؤية الإمارات 2021، والتي تهدف إلى تطوير المجتمع عبر الاهتمام بأصحاب الهمم، ومنحهم فرصة الاندماج في المجتمع ليكون لهم دور فاعل، بالاستفادة من قدراتهم وإمكاناتهم. وقد كان فرصة مثالية لتطوير السلوك الاجتماعي الإيجابي تجاه أصحاب الهمم، سواء في دولة الإمارات أو خارجها، في أجواء تحتفي بالإنسان والأداء الرياضي.
من جهتها، قالت البروفيسور كاتلين باين رئيس معهد جريفيث آسيا للعلاقات الخارجية وزميل هيئة التدريس في مركز الدبلوماسية العامة بجامعة جنوب كاليفورنيا: لدى دولة الإمارات كافة مقومات النجاح لتعزيز «الدبلوماسية الرياضية» في سياساتها الخارجية كقوة ناعمة مؤثرة، نظراً لبنيتها التحتية القوية والتي تواكب المستويات العالمية في هذا المجال، فضلاً عن دعم قادتها للملف الرياضي، كما أن مجتمع دولة الإمارات محب للرياضة على غرار أستراليا، ولذلك فهناك أرضية مشتركة بين الدولتين لتبني هذا النهج.
إلى ذلك، استعرضت مريم المنصوري، من أكاديمية فاطمة بنت مبارك للرياضة النسائية، مسيرة الأكاديمية منذ تأسيسها، حيث يأتي استناداً إلى دعم سمو الشيخة فاطمة بنت مبارك رئيسة الاتحاد النسائي العام رئيسة المجلس الأعلى للأمومة والطفولة الرئيس الأعلى لمؤسسة التنمية الأسرية «أم الإمارات»، حيث تم إطلاق الأكاديمية 2010 بمبادرة ورعاية كريمة من سموها سعياً لترسيخ ثقافة الرياضة النسائية في الوعي العام لدولة الإمارات، وخلق بيئة آمنة وملائمة ثقافياً تتيح للمرأة الإماراتية ممارسة الرياضة.
وألقت المنصوري الضوء على نجاح دولة الإمارات خلال السنوات الماضية في تعزيز مكانتها كمركز رياضي عالمي رائد ووجهة استثنائية في مجال السياحة الرياضية، إضافة إلى دور أكاديمية فاطمة بنت مبارك للرياضة النسائية كلاعب رئيس في تطوير المشهد الرياضي النسائي العالمي، انطلاقاً من مهمتها الرامية لتمكين المرأة الإماراتية عبر دعم وتطوير رائدات الرياضة، وتشجيع مشاركة النساء ضمن مختلف الفعاليات الرياضية في شتى أنحاء الدولة، فضلاً عن تعزيز مستويات تمثيل المرأة ضمن الرياضات كافة.
ومن جانبه، أثنى ترنت سميث - المؤسس والرئيس المشارك لمجموعة الدبلوماسية الرياضية في أستراليا وسكرتير السلك القنصلي، على القنصلية العامة لدولة الإمارات في ملبورن لتنظيم هذا الحدث الهام، حيث أفاد بأن القوة الحقيقية للدبلوماسية الرياضية تأتي من التعاون المشترك بين الدول لتفعيل هذه «القوة الناعمة» بشكل أشمل وأعمق.
وأضاف: لقد أصبحت الرياضة أحد مصادر الدخل الاقتصادي لكثير من دول العالم التي تعمل بشكل جاد وسليم للارتقاء بمستواها في شتى المجالات المختلفة، مثل الاقتصاد والرياضة والطب والمعارض التجارية والأنشطة المجتمعية المختلفة، وأضحت الرياضة مصدراً رئيساً للنهوض بالاقتصاد الوطني لأي بلد ينشد التطور والتميز.
وأشار إلى أن الرياضة والأحداث الرياضية المحلية أو العالمية لم تعد مجرد نشاطات اجتماعية أو ترفيهية، بل هي في الأساس تبقى ضمن الأنشطة الضرورية للدول التي لها جوانب اقتصادية مهمة ومؤثرة في دورة الاقتصاد المحلي والعالمي.
وأفاد بأن مدن العالم المختلفة تتسابق محلياً وعالمياً لاستضافة الأحداث الرياضية لما لهذه الاستضافة من مردود اقتصادي، إضافة إلى ما تجنيه من منافع معنوية وسمعة دولية؛ لأن نظام الرياضة في شكله العام يقوم على دعائم اقتصادية مثل ميزانيات الأنشطة والبرامج، والأدوات والأجهزة، وأجور المدربين والإداريين، والمكافآت وحوافز الرياضيين.
وأشار إلى أن الغرض الأول للعلاقة بين الرياضة والاقتصاد يتصل باعتماد الرياضة على الاقتصاد لتمويلها، كما أن التزايد المستمر في عدد ممارسي الرياضة قد أفرز سوقاً رابحة في مجال إنتاج وتسويق واستهلاك الأجهزة والأدوات الرياضية، مما يدعونا إلى تقرير أن الغرض الثاني للعلاقة بين الرياضة والاقتصاد يتصل برعاية المصالح التجارية والاستهلاكية للرياضة كمصدر للربح.
وأضاف قائلاً: يجب على الدول أن تدرك بأن الرياضة تشكل في بعض الأحيان دخلاً هاماً من مداخيل الاقتصاد الوطني إن استثمرت بالشكل الصحيح، ولعل العديد من الدول المتقدمة لاحظت أن بعض أنواع الرياضة يمكن أن تكون أحد مقومات العمل السياحي، ومن أجل أن يكون العمل الرياضي متماشياً مع عمليات التطوير، لابد من اعتبار الاستثمار أحد وسائل التمويل للرياضة، ولتحقيق ذلك لابد من تسهيل عمليات وإجراءات الاستثمار في الرياضة ورفع القيود عنها.
وأكد أن دولة الإمارات لديها جميع المرتكزات الرياضية لتكون منارة «للدبلوماسية الرياضية» ليس فقط في المنطقة، بل عالمياً وأن تكون شريكاً استراتيجياً لأستراليا في مجال الدبلوماسية الرياضية، فنحن شركاء متعاونون في كثير من النواحي، ولسنا متنافسين.
أما الدكتور ستيوارت موري، الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية من جامعة بوند الأسترالية وزميل الأكاديمية الرياضية في جامعة أدنبرة، والذي له أكثر من 50 مقالاً وعدة إصدارات عن «الدبلوماسية الرياضية » باتت تدرس في الجامعات العالمية، فتحدث عن تطور مفهوم «الدبلوماسية الرياضية» عبر التاريخ. وقال: لم يكن هناك فصل مكتوب عن الرياضة والعلاقات الدولية في كتب السياسة، ولكن فعلياً كانت تمارس عالمياً منذ آلاف السنين، ومثال على ذلك أن الأستراليين الأوائل ومجتمعات السكان الأصليين كانوا يستخدمون الرياضية كوسيلة لتسوية النزاعات فيما بينهم، لذلك تعتبر الدبلوماسية الرياضية قديمة جداً.
وأضاف: الرياضة أصبحت بالطبع عاملاً مهماً في السياسة العالمية، ففي تشكيل الأجندة الدولية تؤدي الدبلوماسية الرياضية دوراً متزايد الأهمية، فهي تفعل وتنشط الهياكل الحكومية وغير الحكومية في إطار تنفيذ السياسة الخارجية للدولة عبر تنظيم الأحداث الرياضية الدولية والمشاركة فيها، ولابد أن تكون هناك عملية نشطة لتشكيل دبلوماسية رياضية كتكنولوجيا إنسانية فعالة. وأعتقد أن دولة الإمارات رائدة في هذا الصدد، وإنها واحدة من أوائل الدول في العالم التي تمارس ذلك على المسرح الدولي، حيث تؤمن بأهمية الرياضة كأسلوب حياة. حيث تمكنت دولة الإمارات أن تقدم نموذجاً مشرقاً للدبلوماسية الرياضية للعالم.
وذكر أننا شهدنا في السنوات السبع أو الثماني الماضية تغيراً هائلاً في المواقف السياسية والخارجية دفعت الحكومات إلى تبني أساليب و«أدوات جديدة» في سياساتها الخارجية، من خلال استحداث «قوة ناعمة كالدبلوماسية الرياضية» للتقارب بين الحكومات والشعوب.
وأضاف: نحن بحاجة إلى أن يبذل أبطالنا الرياضيون المزيد من التعهدات لمكافحة التغير المناخي، ومحاربة التطرف والإرهاب، وغيرها من المواضيع التي تهدد الصالح العام للدول. وأعتقد أن لدينا الكثير لنتعلمه، ومن الرائع أن نتعلم الكثير من دولة الإمارات في مجال الرياضة.
وأكد أن الرياضة لم تكن أبداً خارج السياسة، ولا يزال التاريخ يعرف العديد من الحالات عندما ظهرت كعامل في تحسين العلاقات بين الدول ومساهمتها في تطوير علاقات حسن الجوار، فهي لديها إمكانات إنسانية قوية، ولهذا يجب استخدامها بتوحيد جيش كبير من الرياضيين والمشجعين وممثلي الحكومات والأعمال التجارية ووسائل الإعلام كوسيلة فريدة لجذب انتباه البشرية إلى المشاكل العالمية، وبوضع برنامج ثقافي وتعليمي خاص، ونشر لفكرة التنوع الثقافي والتسامح الذي ما هو إلا تجسيد مرئي للـقوة الناعمة للدبلوماسية الرياضية.
أدارت النقاش حمدة خالد الشايجي من إدارة الاتصال الاستراتيجي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي.