حسام عبدالنبي (أبوظبي)

تتيح المبادرات السباقة التي اتخذتها الإمارات، لدمج الاستدامة في نسيجها الاقتصادي، فرصاً أمام البنوك لتحقيق الريادة في بناء مستقبل أكثر استدامة، بحسب أحمد عبد العال، الرئيس التنفيذي لمجموعة «المشرق».
 أكد عبد العال لـ «الاتحاد» أن الإمارات تعد رائدة على صعيد الالتزام بتطبيق ممارسات الاستدامة كأولوية استراتيجية جوهرية لدى الشركات، وخاصة في القطاع المالي.  وقال: إن ذلك التوجه ظهر عبر مبادرات الدولة السبّاقة، مثل مبادرة الإمارات الاستراتيجية لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050، وتعهّد اتحاد مصارف الإمارات بجمع تمويلات مستدامة تصل قيمتها إلى تريليون درهم بحلول عام 2030.
وأشار إلى أن هذا التوجه، يأتي منسجماً مع التوقعات المتزايدة لأفراد المجتمع، حيث أظهر «مؤشر إدلمان للثقة لعام 2024»، أن 84 % من المشاركين في الاستطلاع من الإمارات يثقون بقدرة أصحاب العمل على التصرف بمسؤولية، مما يعكس طموحات المجتمع نحو المساءلة المؤسسية، مشدداً على أن هذه الثقة تلقي مسؤولية خاصة على كاهل المؤسسات المالية لدمج الاستدامة في ممارساتها، تلبية لتوقعات أفراد المجتمع، ولمتطلبات الجهات التنظيمية.
المسؤولية المجتمعية
ويرى عبد العال، أن دمج الاستدامة في العمل المصرفي لا يتعلق فقط بالمسؤولية المجتمعية للشركات، بل يرتبط بشكل جوهري أيضاً بإدارة المخاطر، والربحية على المدى البعيد، وتلبية تطلعات العملاء المتنامية، مدللاً على ذلك بدراسة أجرتها «هارفارد بزنس ريفيو» تؤكد أن الشركات ذات الأداء القوي في مجال الحوكمة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات، تحقق عوائد أعلى على الاستثمار بنسبة 14% مقارنة بغيرها من الشركات، وهذا التوجه يتصل بالقطاع المالي بصورة خاصة.  وأضاف أن الانسجام بين تحقيق الأهداف والربحية يظهر بصورة واضحة أيضاً في التمويل المستدام، الذي يحفز النمو الاقتصادي عبر تمويل مشاريع الطاقة المتجدّدة والبنية التحتية المستدامة والابتكارات الصديقة للبيئة، وهي مجالات أساسية في طموحات دولة الإمارات. 
وتابع: «علاوة على ذلك، يزداد تفضيل الأجيال الشابة للشركات التي تقدّم تعهّدات مجتمعية وبيئية قوية، مما يدفع البنوك إلى دمج الاستدامة في عملياتها لملاءمة نماذج أعمالها مع المستقبل، منبهاً أن تحقيق هذه الرؤية يتطلب تعاوناً بين مختلف القطاعات الحكومية والخاصة والمؤسسات المالية، ومن خلال إنشاء أُطر عمل قوية، وتحفيز الممارسات الخضراء والمستدامة، سيساهم هذا النهج متعدّد الأطراف في دعم الجهود المبذولة لتحفيز التغيير الفعّال في المجال البيئي.
الممارسات المالية  
وخلال حديثه أوضح الرئيس التنفيذي لمجموعة «المشرق»، أن القطاع المالي يقود تغييرات جذرية في الممارسات المصرفية من خلال أدوات مبتكرة مثل القروض المتعلقة بالاستدامة، والتي تربط بين شروط الاقتراض وبين معايير الأداء في مجال الحوكمة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات، مشيراً إلى أن حجم القروض المتعلقة بالاستدامة في الربع الأول من عام 2024، وصل إلى 212 مليار يورو على مستوى العالم، وهو أعلى رقم قياسي يُسجل في الربع الأول منذ ظهور هذه السوق، مما يعكس أهميتها المتزايدة، كما قام «المشرق» بتسهيل قرض بقيمة 2.5 مليار دولار لشركة بابكو للطاقة، وصفقة استحواذ مرتبطة بالاستدامة بقيمة 3.25 مليار دولار لمؤسسة جيمس للتعليم، وتمويل مشاريع طاقة متجدّدة كبرى، مثل مشروع دومة الجندل لطاقة الرياح في السعودية.
ولفت إلى أن هذه الجهود تأتي في إطار تعهّد المشرق بتقديم 30 مليار دولار للتمويل المستدام بحلول عام 2030.
وقال عبد العال، إن السندات الخضراء وصلت على مستوى العالم إلى حجم تراكمي قدره 3.2 تريليون دولار بحلول منتصف عام 2024، وتوجّه هذه الاستثمارات نحو مشاريع الطاقة المتجددة والبنية التحتية المستدامة ومشاريع المياه النظيفة، مبيناً أن التكنولوجيا تجدد مشهد التمويل المستدام، حيث يُعزّز الذكاء الاصطناعي تحليلات أثر الحوكمة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات، وتضمن تقنية البلوك تشين دعم الشفافية، مما يقلل مخاطر الادعاءات الزائفة ويُعزز الثقة. 
تحديات مصرفية 
وفيما يخص التحديات التي تواجه العمليات المصرفية المستدامة، أفاد عبد العال، بأن عملية التحوّل نحو العمليات المصرفية المستدامة لا تخلو من التحديات، حيث يمكن لتكاليف دمج مبادئ الحوكمة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات في الأنظمة والعمليات المصرفية التقليدية أن تضغط على الموارد، كما يشكل خطر «الغسل الأخضر»، وهو الادعاءات المبالغ فيها أو المزيفة حول الاستدامة، تهديداً للمصداقية وتقويضاً للثقة العامة، لاسيما وأن الدراسات تظهر أن نسبة 94% من المستثمرين يعتقدون بأن تقارير الاستدامة المؤسسية تحتوي على ادعاءات غير مدعومة بالحقائق، ويؤثر هذا القلق بشكل كبير على قرارات الاستثمار. 
معايير المنتجات
أشار إلى أن هناك تشككاً على أوسع نطاق بين العملاء تجاه المنتجات التي تركز على المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة، لافتاً إلى أنه رغم هذه التحديات، فإن البيئة التنظيمية الداعمة في دولة الإمارات، وإمكانية الشراكات بين القطاعين العام والخاص، تتيح أرضية خصبة تساعد البنوك على مواءمة أهداف الاستدامة مع الربحية، مستشهداً على ذلك بقيام أبوظبي بتسهيل مشاريع شراكة بين القطاعين العام والخاص بقيمة 2.4 مليار درهم خلال الفترة من 2020 إلى 2024، بما في ذلك مبادرات تركز على الاستدامة مثل مشروع إضاءة الطرق باستخدام تقنية LED في أبوظبي، لتقليل الانبعاثات والحدّ من استهلاك الطاقة، فضلاً عن موافقة دبي على محفظة شراكة بقيمة 10 مليارات دولار بين عام 2024 إلى 2026 لتغطية عشرة قطاعات وأهداف اقتصادية رئيسية، بما في ذلك التحوّل إلى الطاقة المتجدّدة، معتبراً أن هذه الأرقام تُبرز الفرص الهائلة أمام البنوك الإماراتية لتمويل مشاريع تحوّلية وقيادة أهداف التنويع الاقتصادي الطموحة لدولة الإمارات. وذكر عبد العال، أنه في ظل تصاعد الدعوات العالمية للتحرك نحو الاستدامة، يجب على المؤسسات المالية أن ترتقي إلى مستوى التحدي، ليس لصالح أصحاب المصلحة فقط، بل من أجل مستقبل العالم، مختتماً بالتأكيد على أنه من خلال تبني الابتكار والتعاون والشفافية، فإنّ لدى البنوك فرصة فريدة لإعادة تعريف دورها في الاقتصاد العالمي، وترك إرث دائم ومؤثر في النموّ المستدام.