حسام عبدالنبي (أبوظبي)
تُعد دولة الإمارات من النماذج الرائدة في مجال جذب المستثمرين، حيث تتبنى رؤية مستقبلية ونهجاً استباقياً لتعزيز جاذبيتها من خلال تأسيس مراكز مالية دولية ومناطق حرة وبناء شبكات استثمارية وتجارية قوية، وهي مبادرات تحفّز على استقطاب رؤوس الأموال، وتسهم بتعزيز قدرة الدولة على المنافسة في الاقتصاد العالمي، حسب منصور الملا، نائب الرئيس التنفيذي للمجموعة في «القابضة» (ADQ). 

  • HtmlAgilityPack.HtmlAttribute

وقال الملا لـ«الاتحاد»: «إنه على الرغم من أن الاستقرار السياسي والاقتصادي، إلى جانب المسؤولية المالية واستقرار السياسات التنظيمية، تعد من الركائز الأساسية لجذب المستثمرين، لكن الدول التي تتمتع برؤية مستقبلية لا تكتفي بهذه الأساسيات فقط، ومنها دولة الإمارات، مؤكداً أن دولة الإمارات تُعد من النماذج الرائدة في هذا المجال، حيث أصبحت مراكزها المالية، مثل «أبوظبي العالمي» و«مركز دبي المالي العالمي»، وجهات عالمية لمؤسسات الخدمات المالية والشركات العائلية وشركات التكنولوجيا المالية «فينتك» التي تبحث عن بيئة أعمال متميزة وداعمة»

نظام عالمي جديد
وأوضح الملا، أنه في الوقت الذي كانت فيه أساسيات الاقتصاد الكلي والسياسات المالية العالمية المعروفة باسم «عوامل الدفع» -والتي تقودها الاقتصادات المتقدمة- تتحكم بتدفقات رؤوس الأموال العالمية، فإن الدلائل الحالية في النظام العالمي الجديد تشير إلى تنامي تأثير «عوامل الجذب» المحلية مثل النمو الاقتصادي وتطور البنية التحتية للأسواق وزيادة القدرة الاستيعابية للاستثمار. 
وأضاف أن عدداً محدوداً من الاقتصادات الرئيسة هيمن (تاريخياً) على تدفقات رؤوس الأموال العالمية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية، إلا أن السنوات الـ15 الماضية شهدت تراجعاً ملحوظاً في هذا التأثير، مع تنوع واختلاف مصادر ووجهات رؤوس الأموال. 
وأشار إلى أن التحول المستمر نحو نظام عالمي جديد لا يقتصر على الجانب الجيوسياسي فحسب، بل يمتّد ليشمل أبعاداً اقتصادية عميقة تؤثر بشكل مباشر على تدفق رؤوس الأموال والتجارة وتبادل الأفكار، ما يعني أن تعددية المراكز تسهم في خلق نظام مالي عالمي يتميز بترابط وتماسك أكبر، منوهاً بأن مراكز اقتصادية عالمية جديدة برزت في آسيا وشبه القارة الهندية والشرق الأوسط، لتسهم في رسم آفاق جديدة للمشهد الاقتصادي العالمي، واليوم، أصبح للعديد من الأسواق الأكثر حيوية ونمواً في العالم دور مزدوج كمستورد ومصدّر لرؤوس الأموال في الوقت نفسه.

تدفقات قياسية
وكشف الملا، أن «القابضة» أصدرت مؤخراً تقرير «عصر جديد من تدفقات رأس المال في عالم متعدد المراكز»، بالتعاون مع أسبوع أبوظبي المالي، و«أبوظبي العالمي» وبرنامج ستيرن في جامعة نيويورك أبوظبي، حيث أشار التقرير إلى أنه في ظل البحث عن الموازنة بين السعي لتحقيق عوائد مرتفعة وتحمل مخاطر دخول أسواق جديدة، أصبح المستثمرون أكثر اهتماماً باقتصادات النمو. وقال إن التقرير تضمن سرداً لنماذج رائدة مثل دولة الإمارات وسنغافورة، حيث أسهمت الإصلاحات الهيكلية الشاملة والتدابير الموجهة لتعزيز جاذبية السوق في تحقيق تدفقات قياسية للاستثمار الأجنبي المباشر.
 وأوضح أنه بالنسبة إلى الإمارات، وضعت الدولة أهدافاً طموحة لتعزيز مكانتها كوجهة استثمارية عالمية، فهي تسعى إلى مضاعفة الاستثمار الأجنبي التراكمي المباشر، ليصل إلى 354 مليار دولار، مع تحقيق رصيد إجمالي للاستثمار الأجنبي المباشر يبلغ 600 مليار دولار بحلول عام 2031، معلناً أن هذا الدور المزدوج الذي تلعبه دولة الإمارات كمستورد ومصدّر لرأس المال، أسهم في توفير بيئة استثمارية حيوية يستمر فيها الاستثمار الأجنبي المباشر في النمو بوتيرة تصاعدية.

ثروة سيادية
ويرى الملا، أن النمو السريع للثروة السيادية يلعب دوراً جزئياً في تدفق الأموال إلى الدول، حيث أصبح للمستثمرين السياديين دور استراتيجي في إعادة تخصيص الأموال التي كانت تُستثمر سابقاً في الخارج، لتوجيهها نحو تحفيز التنمية الاقتصادية المحلية، بما يسهم أيضاً في خلق بيئة مواتية للاستثمار، وذلك أن الاستثمارات السيادية تسهم في تعزيز عمليات الإمداد والتوزيع بشكل استراتيجي، وبناء منصات أعمال محلية ذات امتداد عالمي.
وأشار إلى أن هذا النهج لا يقتصر على تطوير الاقتصاد المحلي، بل يمتّد تأثيره ليشمل تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وجذب الاستثمارات الأجنبية الموجهة نحو القطاعات ذات النمو المرتفع، والتي تُظهر إمكانات واعدة لتحقيق النجاح على المدى الطويل، مؤكداً أنه وفقاً لهذا الأمر تعمل الاستثمارات السيادية على دعم الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل، والتي تشمل تنويع الاقتصاد وتعزيز الاكتفاء الذاتي.

وجهات استثمارية جديدة
ووفقاً لنائب الرئيس التنفيذي للمجموعة في «القابضة» (ADQ)، فإنه في ظل امتداد رؤوس الأموال إلى وجهات استثمارية جديدة، يمثل المشهد المالي العالمي المتنامي فرصة واعدة، ويمكن لاقتصادات النمو التي تنتهج استراتيجيات مدروسة للاستفادة من هذه التحولات أن تشكّل ملامح المستقبل، وأن تسهم في بناء عالم أكثر ترابطاً ومرونة، وأن ترسم نظاماً عالمياً جديداً أكثر تعددية من خلال الاستفادة من مزاياها الفريدة مثل النمو الاقتصادي القوي، والبنية التحتية المتطورة، والمناخ الاستثماري الجاذب. وقال إن النفوذ الاقتصادي، تحت مظلة هذا النظام العالمي الجديد، يبدو أنه يتجه نحو التوزع عبر مناطق متعددة، بدلاً من التمركز في عدد محدود من مراكز القوى التقليدية، مختتماً بالتأكيد على أن هذا التحول يفتح آفاقاً واسعة للشركات والمستثمرين وصُنّاع السياسات.