يوسف العربي (أبوظبي)
ترسم ريادة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي ملامح اقتصاد المستقبل المبني على العلوم والمعرفة، بالتزامن مع احتفالات الدولة بأعياد الاتحاد، بحسب رجال أعمال ومتخصصين في تكنولوجيا المعلومات.
وأكد هؤلاء لـ«الاتحاد» على أهمية التقنيات الحديثة في تنشيط قاعدة الأنشطة التجارية وتحسين العمليات وخفض التكاليف وتحفيز فرص النمو ودعم الشركات الناشئة، واتخذت الإمارات خطوات سباقة لتصبح الوجهة الأكثر جاذبية للاستثمارات في قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.
وحلت الإمارات الخامسة عالمياً والأولى شرق أوسطياً على مؤشر «جلوبال فايبرنسي 2024» للدول الأكثر تفوقاً وحيوية في الذكاء الاصطناعي الصادر عن جامعة ستانفورد الأميركية.
ووفقاً للتقرير العالمي لتكنولوجيا المعلومات الصادر عن «المنتدى الاقتصادي العالمي»، فإن الإمارات تأتي في صدارة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفي المرتبة الثانية عالمياً في مؤشر مواكبة الحكومات للتقنية.
وأشارت تقديرات «برايس ووترهاوس كوبرز» «PwC» إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بنحو 353 مليار درهم من الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030 «يعادل نحو 13.6% من الناتج المحلي الإجمالي».
وتهدف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، والاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، والارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز وخلق بيئات عمل مبتكرة.
استثمارات مهمة
وجاء إعلان «مايكروسوفت» استثمار 1.5 مليار دولار في شركة «جي 42» لإدخال أحدث تقنيات «مايكروسوفت» في مجال الذكاء الاصطناعي، والدفع بمبادرات تطوير المهارات إلى دولة الإمارات ودول العالم، ليرسخ مكانة الإمارات في قطاع التكنولوجيا العالمي.
وشهدت أبوظبي في الآونة الأخيرة العديد من المبادرات والاستثمارات المهمة في مجال الذكاء الاصطناعي، بدءاً من إطلاق استراتيجيتها العالمية شاملة للاستثمار في الذكاء الاصطناعي في أبوظبي، وتأسيس شركة تأسيس شركة «إم جي إكس» MGX، فضلاً عن إطلاق شركة «AI71» للذكاء الاصطناعي.
وسجلت غرفة تجارة وصناعة أبوظبي ما يزيد على 400 شركة في الإمارة حتى نهاية الربع الثاني من العام الجاري، ما يعكس نمواً متسارعاً، واهتماماً متزايداً، خصوصاً بقطاع الذكاء الاصطناعي.
شريك تكنولوجي
وأكد عبدالله عمر باعبيد، الرئيس التنفيذي لمجموعة «إيه أم جي»، أن الإمارات اتخذت خطوات مبكرة لضمان التفوق التكنولوجي لاسيما في مجال الذكاء الاصطناعي واستطاعت من خلال العديد من المبادرات والاستثمارات حجز مكانة عالمية في هذا المجال.
وأضاف باعبيد: نجني في الوقت الراهن ثمار تطبيقات الذكاء الاصطناعي لاسيما في قطاعات الطاقة والصناعة والزراعة والصحة والتعليم حيث تسهم هذه التقنيات في رفع كفاءة العمليات وتحسين عملية التنبؤ.
وأكد أن الدولة ستبقى بيئة حاضنة مثالية لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي لتمتعها بالرؤية الحكومية الداعمة للعلوم والتكنولوجيا مع توافر العلماء والمهنيين والبنية التحتية فائقة التطور علاوة على وجود منصة تشريعات فعالة لحماية حقوق الملكية الفكرية ما يجعل من الإمارات شريكاً تكنولوجياً قوياً ذا مصداقية على المستوى العالمي.
سباق عالمي
وقال مليح مراد مدير الأبحاث المساعد، خدمات وبرمجيات تكنولوجيا المعلومات في منطقة الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا في «IDC» إن شركات التكنولوجيا العالمية تقبل على الاستثمار بالأسواق الإماراتية، مدفوعة بالميزات النوعية والبنية التحتية المتطورة والبيئة التشريعية الجاذبة.
وأكد مراد أن إعلان «مايكروسوفت» استثمار 1.5 مليار دولار في شركة «جي 42» مؤخراً جاء بهدف إدخال أحدث تقنيات «مايكروسوفت» في مجال الذكاء الاصطناعي، والدفع بمبادرات تطوير المهارات إلى دولة الإمارات ودول العالم.
وأضاف مراد، أن استثمار «مايكروسوفت» في شركة إماراتية سيجذب انتباه شركات التكنولوجيا العالمية الأخرى، وكذلك مجتمع المستثمرين، لوضع رهانهم في شركات إماراتية أخرى، وسيقوم مجتمع الاستثمار العالمي أيضاً بإلقاء نظرة فاحصة على سوق دول مجلس التعاون الخليجي الأوسع حيث أعطت جميع دول المنطقة الأولوية لمبادرات التحول الوطني القائمة على التكنولوجيا، وقدمت عدداً من البرامج لتوسيع النظام البيئي التكنولوجي في أسواقها.
اقتصاد المعرفة
ومن جانبها قالت الدكتورة فابيان شديد أستاذ مساعد في إدارة العمليات والخدمات اللوجستية بجامعة هيريوت وات دبي تعتبر ريادة دولة الإمارات في مجال الذكاء الاصطناعي ركناً أساسياً في رؤيتها للانتقال نحو اقتصاد قائم على المعرفة ودفع عجلة التنويع الاقتصادي. وأوضحت أن الدولة اتخذت خطوات استباقية حيث قامت بتنفيذ مبادرات لتحقيق هذا الهدف وذلك إيماناً بالإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك إنشاء وزارة الذكاء الاصطناعي وإطلاق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031.
وقالت: يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً محورياً في تعزيز اقتصاد المعرفة من خلال تطوير الصناعات والقطاعات المهمة التي تعتمد على الابتكار ورأس المال الفكري والبشرى وإن استثمار دولة الإمارات في التقنيات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي في قطاعات مثل الرعاية الصحية والتمويل والخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة يخلق نظامًا حيويًا للبحث والتطوير.
ونوهت أنه ومن خلال إعطاء الأولوية لبرامج التعليم والتدريب في مجال الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، تعمل دولة الإمارات على تزويد القوى العاملة لديها بالمهارات اللازمة للنجاح في عالم رقمي ومتطور بشكل متزايد ويضمن هذا التركيز على تنمية رأس المال البشري بقاء الإمارات مركزاً للابتكار وجذب المواهب والاستثمارات العالمية.
الابتكار الصناعي
من ناحيته، قال أليكسي فيليبوف، رئيس التطوير العالمي في «يانغو روربوتكس»: تُحدِث تقنيات الأتمتة مثل الروبوتات المدعومة بالذكاء الاصطناعي والرؤية الحاسوبية المتقدمة تحولاً في رؤية المدن الذكية من خلال تعزيز الكفاءة التشغيلية وتقليل الاعتماد على العمل اليدوي في مجالات اللوجستيات والتخزين فهي تعمل على تبسيط إدارة المستودعات، ومعالجة الأشياء، وتتبع المخزون، مما يزيد من السرعة والدقة، ويقلل الأخطاء، ويُحسن استخدام الموارد ما يسهم في إنجاز «مشروع 300 مليار» للدولة، ويعزز الابتكار الصناعي والاستهلاك المسؤول.
قطاعات حيوية
وقال شادي حاطوم، نائب الرئيس الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، Tealium: تعتبر ريادة دولة الإمارات الذكاء الاصطناعي بمثابة حجر الأساس لانتقالها إلى اقتصاد متنوع قائم على المعرفة ومن خلال الاستثمار في تقنيات الذكاء الاصطناعي، تساهم الدولة في تعزيز الابتكار عبر قطاعات حيوية مثل الرعاية الصحية والتمويل والسياحة والمدن الذكية.
وأضاف أن الذكاء الاصطناعي يمكن من اتخاذ قرارات مستندة إلى البيانات، مما يحسن الكفاءة، ويقلل التكاليف، ويعزز تجربة العملاء وهي أولويات أساسية للشركات الساعية إلى النجاح في السوق الديناميكية للإمارات.
وأكد أن الاستثمارات الاستراتيجية للإمارات في الذكاء الاصطناعي تسرع عملية التنويع الاقتصادي وتضعها في موقع ريادي عالمي في الثورة الصناعية الرابعة، مما يُشكل نموذجًا للحكم المستقبلي والشراكة بين القطاعين.
ركيزة أساسية
ومن ناحيته، قال مايك كابوني، الرئيس التنفيذي لشركة «كليك» إن تحليلات البيانات تعد إحدى الركائز الأساسية لتنويع الاقتصاد الإماراتي وتعزيز الابتكار، حيث تعمل على تحويل البيانات الخام إلى رؤى عملية تدعم القرارات الاستراتيجية ومع ذلك، في ظل التطور السريع لعصر الذكاء الاصطناعي، لا تكفي تحليلات البيانات وحدها لتحقيق النتائج المرجوة.
وأضاف: تحتاج المؤسسات إلى بيانات فورية، ذات جودة عالية، ومتكاملة، إذ إن غياب هذه العناصر يجعل حتى التحليلات الأكثر تطوراً تواجه تحديات في الدقة وتؤكد استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031 على دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات و عبر التركيز على هذه الأساسيات، تستطيع الشركات التنبؤ بالاتجاهات، وتحسين مواردها، وتعزيز الابتكار بفعالية لدعم رؤية الإمارات في بناء اقتصاد قائم على الاستدامة والمعرفة.
منافسة عالمية
وفقاً لورقة بحثية جديدة أعدها مركز «إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية» في أبوظبي: تتجه الشركات العالمية إلى تطوير شرائح وأجهزة كمبيوتر ودمج روبوتات الدردشة في خدماتها، في ظل المنافسة المحتدمة بين شركات «غوغل» و«مايكروسوفت» و«آبل» و«ميتا» و«أمازون» و«ألفابيت»، وغيرها، لتطوير مسارات أعمال جديدة لأنشطتها في الذكاء الاصطناعي، وتعزيز نفوذها بهذا القطاع.
ذكاء اصطناعي أخلاقي
أطلق مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بعد، ميثاق تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات، الهادف إلى تحقيق مستهدفات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وذلك تجسيداً لرؤية القيادة الرشيدة في تحويل الدولة إلى مركز عالمي لتطوير وتبني حلول وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.