على الرغم من حراكها التاريخي المتواصل والنشط، تتراجع مكانة العاصمة البريطانية لندن، مركزاً مالياً عالمياً، ليس الآن، ولكن مع انفجار الأزمة الاقتصادية العالمية في العام 2008.
هذه الأزمة أثرت في كل الأسواق حول العالم، إلا أنها تركت آثاراً أكبر على سوق لندن، التي تعرضت في السنوات الماضية أيضاً، إلى تذبذبات ناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست». هذا الانسحاب، الذي يهدد السوق أيضاً بفقدانها مكانتها مركزاً أساسياً لمقاصة التعاملات باليورو.
في هذه المدينة تجري يومياً عمليات مقاصة تصل قيمتها إلى تريليون يورو. والمشكلة لا تكمن بالمسببات المشار إليها، بل بعدم وجود رؤية واضحة لمستقبل مركزية لندن المالية، والاقتصاد البريطاني عموماً، فضلاً عن حاجة البلاد إلى تريليون جنيه إسترليني من الاستثمارات، خلال السنوات العشر المقبلة.
في تقرير لافت بعنوان «أسواق المال في المستقبل»، صادر عن فريق «صناعة أسواق المال» ومركزه لندن، ركز رئيس الفريق ناجيل ويلسون على نقاط عدة، كانت الاستثمارات الخارجية واحدة منها، إلا أنه شدد على ضرورة تغيير المنهج التنظيمي للسوق عموماً، ومضى أبعد من ذلك، ليطلب من المشرعين أن يتمتعوا في الفترة المقبلة، بما أسماه «عقلية مانشستر سيتي»، هذا النادي الذي يمضي بقوة في مسيرة النجاح، بسبب حسن الإدارة، والاستثمار الضخم، الأمر الذي وفر كل العوائد المأمولة منه. وهذا يعني أن تعديل القوانين بات ضرورياً لسوق لندن المالية، واقتصاد البلاد ككل، إلى جانب الشجاعة التي صارت مطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى، مع تحول التركيز بصورة أكبر، إلى مدن أخرى مثل نيويورك وفرانكفورت وأمستردام، وغيرها. وفق هذه الرؤية، يمكن إصلاح أسواق رأس المال البريطانية عموماً، وتعزيز تنافسيتها التي تمتعت بها لقرون من الزمن، ولا بد أن تكون هناك خطوات واضحة حيال الضرائب على الاستثمارات، والشركات عموماً.
فلا يعقل (مثلاً) قيام شركة صناعة الرقائق الإنجليزية «آرم هولدنغ»، بطرح أسهمها للاكتتاب العام في سوق نيويورك بدلاً من لندن!
وهنا تأتي النقطة المحورية الأخرى، بضرورة جذب مليارات الجنيهات، لكن ليس قبل إجراء إصلاحات شجاعة، تستقطب المستثمرين المحليين والأجانب، إلى جانب صناديق التقاعد في بريطانيا، لشراء الأصول المحلية. إنها عملية ليست صعبة على بلد يبقى مركزاً مالياً مهماً، على الرغم من كل الظروف.