حسونة الطيب (أبوظبي)
أكدت تقارير دولية أن دولة الإمارات تمضي بخطى ثابتة وواثقة للتحول إلى عاصمة للعالم في مجال الذكاء الاصطناعي وفق رؤية مستقبلية واضحة، موضحة أن إعلان «مايكروسوفت»، خلال شهر أبريل الماضي عن استثمار 1.5 مليار دولار في شركة جي 42 في أبريل الماضي، لا يشكل سوى قدر يسير من استثمارات ضخمة موجهة لهذا القطاع الواعد.
أجمعت التقارير الواردة في العديد من المطبوعات الدولية أن العالم تابع خلال السنوات القليلة الماضية، كيف تبذل الإمارات جهوداً كبيرة للاستفادة من التقنيات والتكنولوجيا الحديثة، بغرض دعم اقتصادها لعدم الاعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل، لافتة إلى أن دولة الإمارات تُعد من بين الدول الأولى التي طرقت باب الذكاء الاصطناعي، حيث قامت بتعيين أول وزير له في العالم في عام 2017، في سياق استراتيجية لتحويل الإمارات لمركز عالمي للذكاء الاصطناعي بحلول عام 2031، بحسب موقع إيكونومي «ميدل إيست».
وفي سبتمبر الماضي، تم إطلاق نموذج الذكاء الاصطناعي، «فالكون» الذي يعتبر وفقاً للمقاييس كافة، أفضل نموذج لغة كبير مفتوح المصدر (LLM)، متاح في العالم في ذلك الوقت، متفوقاً على أفضل النماذج التي توفرها شركات، مثل «ميتا» و«جوجل».
الابتكار التكنولوجي
خلال شهر مايو الماضي، أطلق معهد الابتكار التكنولوجي، المركز العالمي للبحث العلمي التابع لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتطورة في أبوظبي، الإصدار الثاني من نموذجه اللغوي الكبير «فالكون 2 11بي»، حيث يتضمَّن «فالكون 2» نسختين متطوِّرتين متعددتي اللغة، هما «فالكون 2 11 بي»، النموذج اللغوي الكبير الأكثر كفاءة والمدرَّب على 5.5 تريليون رمز، مع 11 مليار عامل متغير، و«فالكون 2 11 بي» (في إل إم)، الذي يمتاز بقدرات تحويل «الصورة إلى نص»، وهي تتيح تحويل الصور إلى مُخرجات نصية.
ويعدُّ نموذج «فالكون 2 11 بي» (في إل إم) أول نموذج متعدِّد الوسائط أطلقه معهد الابتكار التكنولوجي، وهو نموذج الذكاء الاصطناعي الوحيد المطروح للاستخدام، والذي يتمتَّع بقدرة تحويل الصور المرئية إلى نصوص مكتوبة، ما يمثِّل تطوُّراً مهماً في هذا المجال.
واختبر «فالكون 2 11 بي» مقارنة بالعديد من نماذج الذكاء الاصطناعي البارزة ضمن الفئة نفسها، حيث قدَّم أداءً يفوق أداء نموذج «لاما 3» الجديد من شركة «ميتا» بثمانية مليارات معامل متغيرة (8 بي)، وأداء مشابه لنموذج «جيما 7 بي» من «جوجل» (فالكون 2 11بي: 64.28 مقابل جيما 7 بي: 64.29)، وفقاً للقائمة الصادرة عن منصة «هجنج فيس» الرائدة عالمياً. وهي منصة في الولايات المتحدة الأميركية تعتمد على أدوات تقييم موضوعية لتقييم النماذج اللغوية الكبيرة مفتوحة المصدر.
وما يميِّز إصداري «فالكون 2 11 بي» و«11 بي» (في إل إم) أنهما مفتوحا المصدر، لتمكين المطوِّرين في العالم من استخدامهما دون قيود، ومن المخطَّط له تطوير جيل مقبل من نماذج «فالكون 2» بأحجام ونطاقات متنوّعة، مع تعزيز هذه النماذج بقدرات تعلُّم الآلة المتقدِّمة، مثل نظام «مزيج الخبراء» (MoE) الذي يهدف إلى رفع مستوى الأداء إلى مستويات أكثر تقدُّماً.
وصُنِّفَت جميع نماذج الذكاء الاصطناعي التي طوَّرها معهد الابتكار التكنولوجي سابقاً، بين أفضل النماذج اللغوية مفتوحة المصدر في العالم. ويُتوقَّع أن تمنح نماذج «فالكون 2 11بي» الجديدة والمتطورة، القدرة على تلبية الاحتياجات السوقية بشكل أكبر، لاسيما في عالم الذكاء الاصطناعي التوليدي المتطوِّر باستمرار.
سمعة عالمية
على الصعيد العالمي، بدأ خبراء الذكاء الاصطناعي حول العالم الشعور بهذا النجاح، حيث يقول فيليب شميد، باحث الذكاء الاصطناعي في منصة التعلم الآلي «هاغينغ فيس»، من مقرها في ألمانيا: «اكتسبت دولة الإمارات سمعة عالمية، فيما يتعلق بنماذج تدريب الذكاء الاصطناعي، إذ أدرك العالم سريعاً، أن لديها الخبرة اللازمة لتدريب هذه النماذج، وإتاحة نماذج مفتوحة المصدر، ونشر الأبحاث حولها، وهو ما يفيد الجميع».
ويعتبر «فالكون»، العلامة الأولى التي مكنت الإمارات، من الصعود السريع في عالم الذكاء الاصطناعي، وتراهن الدولة، بشدة على التكنولوجيا كمحرك لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.
وقام بعض أقوى الرؤساء التنفيذيين في وادي السيليكون، بزيارة دولة الإمارات خلال الأشهر القليلة الماضية مثل، ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة «مايكروسوفت»، وجنسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة نفيديا، بجانب أيلون ماسك، وفقاً لموقع مجلة تايم.
شراكات جديدة
منذ إنشائها في عام 2018، عقدت G42، شراكات مع مؤسسات تقنية كبيرة تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي حول العالم شملت، «أوبن أيه آي» و«مايكروسوفت» و«نيفيديا» و«أوراكل» و«ديل» و«سيربراس»، وغيرها.
ومن بين العناصر الأخرى المهمة في طموحات الإمارات الخاصة بالذكاء الاصطناعي، يُعد تأسيس مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدِّمة في أبوظبي، شركة «إم جي إكس» للاستثمار التكنولوجي، حافزاً جديداً لتمكين وتطوير وتوظيف التكنولوجيا المتقدمة؛ بهدف تحسين حياة الأجيال الحالية والمستقبلية؛ إذ تركز الاستراتيجية الاستثمارية للشركة على ثلاثة مجالات رئيسية هي: البنية التحتية للذكاء الاصطناعي «بما في ذلك مراكز البيانات والتواصل»، وأشباه الموصلات «بما في ذلك تصميم وتصنيع وحدات الذاكرة والعمليات المنطقية»، والتقنيات والتطبيقات الأساسية للذكاء الاصطناعي «بما في ذلك نماذج الذكاء الاصطناعي، والبرمجيات، والبيانات، وعلوم الحياة، والروبوتات».
وتهدف المؤسسة لعقد صفقات في مجالي الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، ربما تتجاوز 100 مليار دولار في الأصول تحت الإدارة، وذلك في غضون سنوات قليلة، بحسب بلومبيرغ.
وتتمثل مهمة «أم جي أكس»، في تمكين تطوير ونشر التقنيات المتقدمة، التي من شأنها تحسين حياة الأجيال الحالية والمستقبلية، وليس من المستغرب أن من بين المجالات الرئيسية التي ستركز عليها الشركة، تطوير واعتماد الذكاء الاصطناعي.
وتعمل «إم جي إكس»، على تطوير الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة؛ بهدف بناء مستقبل تقوم فيه التكنولوجيا بدور كبير في خدمة الإنسانية، وتعزيز مستوى الرفاهية والاستدامة والتواصل بين دول العالم، بما يعزز مكانة الإمارات كمركز استقطاب للمستثمرين ورواد الأعمال والموهوبين في مجال التكنولوجيا.
قاعدة استثمارية
تمتلك كلٌ من شركة مبادلة للاستثمار و«جي 42»، قاعدة استثمارية قوية وواسعة النطاق في القطاعات بالغة الحيوية، حيث تُعد «جي 42»، شركة عالمية رائدة في مجال تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، وتعمل في مجالات الحوسبة السحابية ومراكز البيانات المتقدمة وتطبيقات الذكاء الاصطناعي المتخصصة، بدءاً من الخدمات المالية إلى المدن الذكية.
وتُعتبر «مبادلة»، مستثمراً مهماً لعب دوراً تحولياً في مسيرة شركة «أيه إم دي»، حيث أسست شركة «غلوبال فاوندريز»، إحدى الشركات الرائدة على مستوى العالم في مجال تصنيع أشباه الموصلات، فضلاً عن كونها مستثمراً رائداً في مجال البرمجيات وعلوم الحياة والتجارة الجديدة.
وأعلنت «غلوبل فاوندريز»، في وقت سابق عن خطط لتوسعة حضورها العالمي بإنشاء مصنع جديد في سنغافورة، يقدر حجم الاستثمار فيه بأكثر من 15 مليار درهم، ويقام بالشراكة مع مجلس التنمية الاقتصادية السنغافوري وبإسهامات من بعض عملاء الشركة.
وتعد «غلوبل فاوندريز»، مزوداً موثوقاً لأكثر من 250 عميلاً حول العالم، وتقوم بالتعاون مع هؤلاء العملاء والحكومات، باستثمارات من أجل توسعة نشاطها الصناعي في العالم. وعزز إنشاء هذه المؤسسة، سعي الإمارات الدؤوب لولوج هذا القطاع والتحول لعاصمة عالمية للذكاء الاصطناعي.
وتمتلك الدولة، مزايا تدعم ريادتها العالمية من احتياطات نقدية ضخمة لجلب الأجهزة المتطورة والحديثة، وتوفر إمدادات كافية من الكهرباء، ليس فقط لتشغيل هذه الأجهزة، بل لبناء مراكز بيانات جديدة أكثر جاذبية، بالمقارنة مع دول أخرى حول العالم، كما تسهم هذه العوامل، في جذب المهارات والمواهب في مجال الذكاء الاصطناعي.
وتبرز الإمارات، كلاعب جدير بالاهتمام في مجال رقاقات الحاسوب التي يصعب إنتاجها والمستخدمة في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي القوية. وارتفع عدد العاملين في قطاع الذكاء الاصطناعي، لنحو 120 ألفاً في الفترة بين 2021 إلى 2023.
طفرة واضحة
ووفقاً لبيانات صادرة عن «أف دي آي ماركيت»، فقد شهدت الإمارات، طفرة واضحة في إعلانات الاستثمار الأجنبي المباشر، في مجالي البرمجيات وتقنية المعلومات على مدى عامي 2022 و2023، وجذبت 580 مشروعاً منذ بداية عام 2022، فضلاً عن سعيها لجذب المزيد خلال العام الجاري. ويلفت تقرير «اف دي آي» إلى أنه من الواضح أن منطقة الشرق الأوسط بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة، ستشهد طفرة قوية في قطاع التقنية على مدى الأعوام القليلة المقبلة، ما يبشر بمستقبل واعد للمستثمرين وللشركات العاملة في هذا القطاع، سواء كانت مؤسسات ناشئة أو راسخة، وبزوغ فجر جديد في مستقبل التقنية الرقمية.
ويوضح التقرير أنه بعد اعتماد اقتصاد الشرق الأوسط على النفط لسنوات عديدة، لم يكتفِ بالتركيز على الطاقة المتجددة فحسب، بل من المتوقع أن تشهد المنطقة موجة ضخمة من الاستثمارات في مجال التقنية خلال السنوات القليلة المقبلة. ومن المرجح، نمو اقتصاد المنطقة الرقمي بنسبة سنوية قدرها 20%، ليبلغ حجم القطاع نحو 780 مليار دولار بحلول عام 2030، بحسب بنك يو بي أس الاستثماري.
ريادة عالمية
تتسق الجهود التي تبذلها الإمارات لتعزيز ريادتها في مجال الذكاء الاصطناعي مع رؤية «نحن الإمارات 2031» التي تهدف لمضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لنحو 3 تريليونات درهم (817 مليار دولار). وتم طرح الاستراتيجيات والبرامج على صعيد الإمارات ككل، وأبوظبي على وجه الخصوص، لدعم نمو قطاع التقنية، ولتحقيق عملية التحول الرقمي، بحسب تقرير «أف دي آي انتليجانس».
ويضيف التقرير أنه وبإدراك الدولة لأهمية الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الرقمي، وضعت الإمارات رؤية واضحة، لتصبح الرائدة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي في غضون الأعوام الـ 10 المقبلة، كما جاء في استراتيجية الذكاء الاصطناعي التي أطلقتها في عام 2017. وما عضد هذا التوجه، إنشاء أول جامعة في العالم خاصة بأبحاث الذكاء الاصطناعي. وتعزيزاً لدورها البارز وجهودها الحثيثة لتصبح عاصمة للذكاء الاصطناعي في العالم، أنشأت أبوظبي مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة في شهر يناير الماضي، الذي يتولى عمليات البحث واستراتيجيات الاستثمار المتعلقة بالذكاء الاصطناعي. كما تعزز شراكة «جي 42» مع «مايكروسوفت»، سرعة تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، سواء في دولة الإمارات أو في منطقة الشرق الأوسط. لكن ولترسيخ هذه الريادة وتعضيد جاذبيتها وجهة تكنولوجية، يترتب على الإمارات ضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع الذكاء الاصطناعي.