سيد الحجار (أبوظبي)
محطات براكة للطاقة النووية في أبوظبي، نموذج للشراكة الاستراتيجية الناجحة بين الإمارات وكوريا، في العديد من القطاعات المهمة، وفي مقدمتها قطاع الطاقة. وركزت الشراكات بين البلدين خلال السنوات الماضية على العديد من المجالات الاستراتيجية بقطاع الطاقة، منها الطاقة النووية، والهيدروكربونات، والطاقة النظيفة والمتجددة، والهيدروجين.
وتعود العلاقات بين الإمارات وجمهورية كوريا إلى أكثر من 40 عاماً، وتم تعزيزها خلال عام 2009 مع اختيار الشركة الكورية للطاقة الكهربائية (كيبكو) كمقاول رئيس لمشروع محطات براكة، والتي أصبحت عند بدء العمليات الإنشائية في محطاتها الأربع أكبر مشروع للطاقة النووية السلمية في العالم. وانتقلت العلاقات بين البلدين إلى مرحلة متقدمة حين وقعت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية و«كيبكو» في عام 2016، اتفاقية الائتلاف المشترك، لضمان العمليات التشغيلية المستدامة لمحطات براكة خلال السنوات الـ60 المقبلة وما بعدها.
محطات براكة
أعلنت مؤسسة الإمارات للطاقة النووية مارس الماضي، بدء العمليات التشغيلية في المحطة الرابعة، ضمن محطات براكة للطاقة النووية الحالية، من قبل شركة نواة للطاقة التابعة للمؤسسة والمسؤولة عن تشغيل وصيانة المحطات. ويمثل بدء العمليات التشغيلية في مفاعل المحطة الرابعة في براكة بداية إنتاج الحرارة في المفاعل للمرة الأولى من خلال عملية الانشطار النووي، والتي تستخدم في إنتاج الكهرباء عن طريق تشغيل التوربينات بالبخار.
وجرى إنجاز محطات براكة الأربع، أول مشروع للطاقة النووية متعدد المحطات في مرحلة التشغيل في العالم العربي، ضمن جدول زمني مناسب، من خلال بدء تشغيل محطة كل عام منذ عام 2020، ما يدل على الخبرات الواسعة في إدارة المشاريع الكبرى، لتتواصل بذلك الإنجازات في البرنامج النووي السلمي الإماراتي في إطار النهج الريادي لدولة الإمارات الذي يهدف لضمان أمن الطاقة والاستدامة. وتستخدم محطات براكة أربعة مفاعلات تعمل بالماء المضغوط من الطراز المتقدم APR-1400 قادرة كل منها على إنتاج ما يصل إلى 1400 ميغاواط من الكهرباء النظيفة.
القدرة الإنتاجية
وأكدت الهيئة الاتحادية للرقابة النووية، أنه منذ إصدارها رخصة التشغيل في نوفمبر 2023 للوحدة الرابعة في محطة براكة للطاقة النووية، واصلت مهامها الرقابية في مرحلة تحميل الوقود ومختلف الاختبارات التي أجريت وصولاً لمرحلة التشغيل الاعتيادية، والتي تعد من المراحل المهمة في محطة الطاقة النووية، والتي تبدأ فيها عملية الانشطار النووي لتوليد الطاقة أو ما تعرف بـ «الحرجية».
دور محوري
وتقوم محطات براكة، في إمارة أبوظبي، بدور محوري في مسيرة الانتقال لمصادر الطاقة الصديقة للبيئة في الدولة من خلال تسريع خفض البصمة الكربونية لقطاع الطاقة. وأصبحت محطات براكة واحدة من أكثر محطات الطاقة النووية تقدماً على الصعيد العالمي، ولاسيما أنها تعد أول مشروع جديد للطاقة النووية يتم إنجازه منذ 27 عاماً، إلى جانب ترسيخ محطات براكة كنموذج يُحتذى به في إدارة المشاريع والتكلفة.
ويعد البرنامج النووي السلمي الإماراتي جزءاً أساسياً من نظام الطاقة الصديق للبيئة في دولة الإمارات الذي يضم تقنيات متعددة خالية من الانبعاثات الكربونية، مما يضمن استدامة وموثوقية ومرونة شبكة الكهرباء لمدة 60 عاماً على الأقل.
كما تعد محطات براكة مجرد البداية للبرنامج، حيث تركز مؤسسة الإمارات للطاقة النووية على استكشاف واجتذاب الاستثمارات الاستراتيجية في الطاقة النووية محلياً ودولياً لدعم أهداف النمو والتنمية في الدولة.
طاقة الرياح البحرية
وفي إطار التعاون المشترك في مجال الطاقة المتجددة، وقعّت كل من شركة أبوظبي لطاقة المستقبل «مصدر»، وشركة «كيبكو»، خلال شهر يونيو 2022، مذكرة تفاهم لاستكشاف فرص التعاون في مشاريع طاقة الرياح البحرية، بما في ذلك المشاريع القائمة حالياً أو التي تخطط شركة «كيبكو» لتنفيذها في مجال طاقة الرياح البحرية ومشاريع «مصدر» العالمية للطاقة المتجددة. كما ستقوم الشركتان بتقييم فرص التعاون المتاحة في مجال إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتكنولوجيا بطاريات تخزين الطاقة، وتداول وتجارة منتجات الطاقة.
الأمونيا الزرقاء
وكشفت شركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» و«القابضة» (ADQ) خلال شهر نوفمبر 2021 عن اتفاقيتي شراكة تنضم بموجبهما شركتا «جي إس إنرجي» الكورية و«ميتسوي وشركاه المحدودة» (ميتسوي) اليابانية كشريكين إلى جانب «فرتيجلوب» في المشروع المشترك لإنتاج الأمونيا الزرقاء منخفضة الكربون ضمن منظومة «تعزيز» الصناعية المتكاملة بالرويس، بما يسهم في ترسيخ ريادة دولة الإمارات في مجال الوقود منخفض الكربون والاستفادة من الطلب العالمي الناشئ على الأمونيا الزرقاء كوقود حامل للهيدروجين النظيف.
وتمتلك «أدنوك» وعدد من المؤسسات والشركات الإماراتية سجلاً حافلاً من الشراكات الاستراتيجية مع شركات كورية تمتد لعقود عدة، منها على سبيل المثال الشراكة التي تمت بين مجموعة «جي إس إنرجي» وبورصة إنتركونتيننتال والخاصة بإطلاق «بورصة أبوظبي إنتركونتيننتال للعقود الآجلة».
إعادة التمويل
وصُنِّفَت عملية إعادة تمويل محطات براكة للطاقة النووية التي أُعلِن عنها في عام 2023 بقيمة 8.89 مليار درهم، كتمويل أخضر.
اللجنة المشتركة
عقدت اللجنة العليا المشتركة في مجال التعاون النووي، بين الإمارات وكوريا، اجتماعها الخامس في العاصمة سيؤول، خلال شهر أغسطس الماضي، حيث أكد الجانبان، خلال الاجتماع، التزامهما بتعزيز وتوسيع هذه الشراكة مع التركيز بشكل خاص على التعاون الاستراتيجي في مختلف جوانب الطاقة النظيفة، لدعم برنامج الطاقة النووية السلمي.
«الواقع الجديد»
شارك وفد من الهيئة الاتحادية للرقابة النووية برئاسة المدير العام كريستر فيكتورسون مؤخراً في ورشة عمل بعنوان التعاون في تقييم تصميم المفاعلات وترخيصها، والتي عقدت في بوسان بكوريا لاستعراض إنجازات الإطار الرقابي النووي لدولة الإمارات.
وركزت ورشة العمل التي عقدت تحت موضوع دعم برامج الطاقة النووية من خلال التعاون الدولي، حيث اجتمع الخبراء والمسؤولون والمشغلون النوويون والجهات الرقابية للتعرف أكثر على أحدث المستجدات والتطورات في الرقابة والتكنولوجيا النووية، ولمناقشة كيفية توفير الطلب المتزايد للطاقة النووية في حين تتجه كثير من الدول إلى تطوير وتوسيع برامجها النووية. وقدم مدير عام الهيئة كريستر فيكتورسون عرضاً بعنوان «رحلة الجهة الرقابية النووية الإماراتية: الجاهزية الرقابية»، حيث سلط الضوء على التعاون الوثيق بين الهيئة وشركائها الكوريين في ترخيص البرنامج النووي الإماراتي وبناء القدرات الوطنية في القطاع النووي. وقال: «التعاون بين الإمارات وكوريا في بناء وترخيص محطة براكة للطاقة النووية جعل البرنامج النووي الإماراتي نموذجاً يحتذى به دولياً، وعزز أهمية التعاون الدولي في القطاع النووي في تلبية الاحتياجات المتزايدة للطاقة النووية. وأثناء ورشة العمل، أطلق فيكتورسون مبادرة (الواقع الجديد) للقطاع النووي، حيث يعد التعاون بين الجهات الرقابية ركناً أساسياً، مع تبني تطبيق التقنيات الجديدة للتعامل مع آثار التغير المناخي، إلى جانب العمل على ضمان سلامة تشغيل المفاعلات النووية».