مصطفى عبد العظيم (أبوظبي)
شهدت أعمال المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية، الذي تستضيفه أبوظبي مباحثات مكثفة بين وفود الدول الأعضاء والمجموعات التفاوضية للتوصل إلى اتفاق بشأن الصفقات التجارية والقضايا المطروحة على أجندة المؤتمر، تمهيداً للوصول إلى إعلان أبوظبي الختامي.
وقال الدكتور ثاني الزيودي، وزير دولة للتجارة الخارجية ورئيس المؤتمر الوزاري الثالث عشر، إن الوفود تواصل العمل بلا كلل بشأن بعض القضايا الرئيسة التي تواجه التجارة العالمية، مشيراً إلى أن الاتفاقيات التي توصلت إليها الوفود ستشكل الواقع التجاري لملايين الشركات ومورديها وعملائها.
وأضاف معاليه، خلال افتتاح منتدى الأعمال المقام على هامش فعاليات المؤتمر الوزاري بالتعاون مع غرفة التجارة الدولية: «ما زلنا متفائلين بأن المؤتمر الوزاري الثالث عشر سيحقق مجموعة من النتائج، ونحن نبذل كل ما في وسعنا لمساعدة الأعضاء على التوصل إلى توافق في الآراء».
وأضاف الزيودي: «تعمل الحكومات في جميع أنحاء العالم على الموازنة بين الحاجة إلى التغيير الاقتصادي والتنويع مع الحقائق الجديدة لتغير المناخ»، لافتاً إلى أن مكافحة تغير المناخ أو حماية المصالح الوطنية لا تتعارض مع التجارة القائمة على القواعد، إذ يوفر النظام الكثير من المرونة لتحقيق هذه الأهداف وتحقيقها.
من جهتها، قالت نجوزي إيويالا، المديرة العامة لمنظمة التجارة العالمية، إن محادثات وزراء التجارة دخلت خلال اليوم الثالث من المؤتمر مرحلة حاسمة، حيث تسعى الدول الأعضاء إلى تقريب المسافات بين مواقفها التفاوضية والتوصل إلى اتفاق حول الصفقات التجارية الرئيسة.
وأشارت إيويالا، خلال كلمتها بالمنتدى المقام بالتعاون مع غرفة التجارة الدولية، إلى تفاؤل حذر بشأن نتائج المفاوضات في ظل ما تشهده بعض الملفات من صعوبات على الرغم من الأجواء الجيدة التي تشهدها المباحثات.
وحظي ملف إصلاح نظام تسوية المنازعات، أمس، بالجانب الأكبر من مباحثات الوزراء، في ظل ما تستهدفه المنظمة من ضرورة وضع خريطة طريق بشأنه قبل نهاية هذا العام، حيث أظهر مشاركون في المباحثات توافقاً حول أهمية تحقيق ذلك في الوقت المتفق عليه بنهاية العام، لكن بقيت هوة الخلافات متسعة بين الأطراف الرئيسة حول آلية تحقيق ذلك.
ويركز المؤتمر الوزاري الثالث عشر لمنظمة التجارة العالمية على المناقشات حول حزمة من الإصلاحات لنظام حل النزاعات في المنظمة التجارية، ويهدف هذا إلى معالجة الطريقة التي تفصل بها المنازعات التجارية بين الدول الأعضاء.
تصور العولمة
قالت إيويالا، إن الطريق الأفضل للمضي قدماً يتلخص في إعادة تصور العولمة من خلال تنويع سلاسل التوريد وإلغاء تركيزها، بحيث تشمل البلدان والمجتمعات في أجزاء من العالم النامي في أفريقيا وأميركا اللاتينية وأجزاء من آسيا التي تظل على هامش التقسيم العالمي للعمل، موضحة أن إعادة العولمة، كما نطلق عليها في منظمة التجارة العالمية، تقدم فوائد الاعتماد المتبادل من دون التعرض لمخاطر الاعتماد المفرط.
وأضافت: «لكن إعادة العولمة تتطلب أسواقاً مفتوحة، ويمكن التنبؤ بها، ولهذا السبب فإن MC13 مهم جداً. أعلم أن هناك أشياء محددة يريد الكثير منكم تحقيقها في هذا الاجتماع، مثل التقدم في نظام تسوية المنازعات، وتمديد فترة تعليق التجارة الإلكترونية، وهذه قضايا مهمة، لكن القضية الأكبر على المحك هي النظام نفسه، فنحن عند نقطة انعطاف، فهل سنستمر في التمتع باقتصاد عالمي منفتح ومتكامل ويمكن التنبؤ به إلى حد معقول؟ أم أننا سنتجه نحو تجارة مجزأة ومنقسمة بشكل متزايد؟ الجواب سوف يشكل آفاق الأعمال للسنوات وحتى العقود المقبلة».
وقالت، إن التجارة داخل الكتل المتحالفة جيوسياسيا تنمو بسرعة، وعلى الرغم من أن الوضع الراهن للتجارة العالمية ليس مثاليا، فإن جائحة «كوفيد-19» والحرب بين روسيا وأوكرانيا والتي تسببت في فجوات في سلاسل التوريد وإبطاء توقعات نمو أحجام التجارة السلعية العالمية في عام 2023 بأقل من 0.8%، مع خفض محتمل لتوقعات العام الجاري المقدرة في السابق بنحو 3.3% والتي سيتم الكشف عنها ضمن توقعات جديدة للمنظمة في مارس المقبل. وأشارت إلى أنه لطالما كانت الأسواق الدولية المفتوحة أداة حيوية لامتصاص الصدمات، حيث ساعدت الشركات والأسر والاقتصادات على التعامل مع الأزمات الواحدة تلو الأخرى، مشيرة إلى أنه بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية الأساسية يجرى تداول ما تصل قيمته إلى 70 مليار دولار من البضائع التي تعبر الحدود يومياً. ودعت إلى ضرورة مواصلة العمل لبناء اقتصاد عالمي أكثر مرونة وشمولاً ومراعاة للبيئة، لافتة إلى مستقبل التجارة ستشكل عبر مجالات المناخ والرقمنة والخدمات والشمولية، على أن تكون منظمة التجارة العالمية بعد إصلاحها وتنشيطها أساساً له.
وقالت، إن مباحثات منظمة التجارة العالمية الجارية حالياً تأتي في وقت تشهد فيه التجارة تحديات عديدة تتمثل في الانتخابات الأميركية الوشيكة، واستمرار الحروب في غزة وأوكرانيا، وهجمات الشحن في البحر الأحمر والتي عطلت التجارة العالمية، والتوترات بين الولايات المتحدة والصين والموقف الحمائي المتزايد من قبل بعض الحكومات.
من جهته، شدد الأمين العام لغرفة التجارة الدولية جون دبليو دينتون، على أهمية النظام المتعدد الأطراف الخاضع للمساءلة والشفاف والذي يمكن التنبؤ به، مشيراً إلى أن تآكل منظمة التجارة العالمية لا يأتي من دون تكلفة، وهو ما يستوجب إعادة التأكيد على المبادئ التوجيهية التي يقوم عليها بالفعل النظام التجاري المتعدد الأطراف.
وأشار إلى العمل على توصل المؤتمر الوزاري لمنظمة التجارة العالمية إلى نتائج ملموسة لتعزيز النظام التجاري المتعدد الأطراف، في ثلاثة مجالات رئيسة، يتصدرها جهود تعزيز منظمة التجارة العالمية من خلال حث أعضاء المنظمة على إعادة تأكيد التزامهم بالمبادئ الأساسية للمنظمة، ورسم رؤية شاملة للإصلاح تغطي جميع الركائز الثلاث للمنظمة المتمثلة في التفاوض والمداولات، وتسوية المنازعات، والتوصل لاتفاق على برنامج عمل ملموس للإصلاح، فيما يتمثل المجال الثاني في ضرورة تسريع المناقشات حول التجارة والاستدامة البيئية للقضاء على الاحتكاكات التجارية المتزايدة الناشئة عن انتشار سياسات الاستدامة الوطنية.