عبدالله أبو ضيف (القاهرة)
سيطرت حالة من التفاؤل على سوق الاقتصاد المصري، بعد ساعات من إعلان الحكومة المصرية توقيع اتفاق تاريخي مع تحالف خاص بقيادة «القابضة» (ADQ)، تم بموجبه الموافقة على الاستثمار في منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي، وسط حضور حكومي مصري وإماراتي لافت وتفاؤل بالصفقة التي تُعد أكبر صفقة استثمار مباشر تشهدها مصر في العصر الحديث، مما يؤشر إلى انطلاق مرحلة جديدة للعلاقات بين البلدين.

وتعليقاً على الصفقة، قال المستشار محمد الحمصاني، المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري، إن صفقة رأس الحكمة الجديدة تعد أكبر صفقة استثمار مباشر تبرمها الحكومة المصرية، خاصة مع توفير عوائد مالية ضخمة سريعة ومباشر تتمثل في 24 مليار دولار قيمة الأرض، إلى جانب 11 مليار دولار، وهي الودائع الإماراتية في مصر سيتم تحويلها إلى جنيه مصري.
وأضاف الحمصاني أن صفقة رأس الحكمة بين مصر والإمارات ستكون لها تداعيات إيجابية على البنك المركزي، خصوصاً فيما يتعلق بضبط سوق الصرف، حيث من المتوقع الحصول على 15 مليار دولار خلال أسبوع من توقيع الصفقة بين الطرفين، إلى جانب الحصول على بقية قيمة التعاقد بعد نحو شهرين فقط.
وأشار إلى أن الأثر المادي للصفقة ممتد على الاقتصاد المصري على مدار السنوات المقبلة، حيث سيصل حجم ضخ الاستثمارات إلى 150 مليار دولار تقريباً، وهي أرقام استثنائية في تاريخ صفقات الاستثمار في المنطقة والعالم تقريباً، الأمر الذي يوضح حجم أهميتها للجانبين سواء في مصر أو الإمارات العربية المتحدة الشريك الدائم لمصر.
وقال الحمصاني إن المشروع ليس عقارياً فقط، وإنما يتميز بإحداث نقلة كبيرة في منطقة الساحل الشمالي، حيث تم التوافق على إنشاء مدن ذكية ومطار جنوب المدينة، وهي من الأمور التي أكد الجانب الإماراتي تنفيذها ضمن المخطط المقرر تنفيذه خلال الفترة المقبلة، وممن ضمنها تشغيل عدد كبير من العمالة وزيادة عدد السكان نتيجة الخدمات غير المسبوقة في المنطقة نفسها.

تبعات إيجابية
كان للصفقة مردود إيجابي على رجال الأعمال المصريين البارزين، حيث قال رجل الأعمال المصري البارز نجيب ساويرس لـ «الاتحاد»: إن صفقة رأس الحكمة الموقعة بين مصر والإمارات لها تبعات إيجابية واسعة النطاق، خاصة مع توقيت الصفقة الذي ينم عن حساسية وحب مفرط من الإمارات لمصر، مشيراً إلى أن دخول الإمارات للاستثمار في الساحل الشمالي يشكل حافزاً إيجابياً ونمطاً مختلفاً لتحويل الساحل الشمالي لمدينة عصرية ذكية تشابه مدناً عالمية كبرى، مثل العاصمة الإماراتية أبوظبي، ودبي.
وأضاف رجل الأعمال المصري، أن الصفقة كبيرة بشكل قد يؤدي إلى القضاء على الأزمة الاقتصادية التي تعانيها مصر خلال الآونة الأخيرة، نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية، مشيراً إلى أنها تساعد مصر على التطور خلال السنوات الخمس المقبلة، بالإضافة إلى تخفيف الضغط على الاقتصاد المصري فيما يتعلق بالديون الخارجية، وضبط سوق العملة خلال الفترة المقبلة.
وأشار ساويرس إلى أن الاستثمار الإماراتي يتجه إلى التكنولوجيا في تنفيذ المشروعات، إلى جانب محاولته التأكيد على عمق العلاقات بين البلدين وإحداث أثر سريع ومباشر على الموجودين كافة في المنطقة من مستثمرين مصريين وعرب في أقرب وقت.
 وفي رد فعل على الصفقة، قال بنك مورجان ستانلي: إن صفقة الاستثمار الإماراتية بقيمة 35 مليار دولار تمهد لتعديل سعر صرف الجنيه المصري، وهي الخطوة التي وصفها البنك بأنها ستكون الأخيرة قبل إتمام اتفاق مع صندوق النقد الدولي ببرنامج تمويل تتخطى قيمته 10 مليارات دولار قبل شهر رمضان على الأرجح.

مرحلة جديدة
في سياق متصل، اعتبر الدكتور أيمن غنيم، أستاذ إدارة الأعمال بالجامعة الأميركية بالقاهرة أن التوأمة السياسية والاقتصادية بين مصر ودولة الإمارات تمثل مرحلة جديدة في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، خاصة فيما يتعلق بمشروع رأس الحكمة، حيث أصبحت لمصر منطقتان هائلتان لجذب الاستثمارات الإقليمية والأجنبية وهما الساحل الشمالي الغربي، إضافة إلى منطقة قناة السويس الاقتصادية. 
وأضاف غنيم أن المشروع سيؤدي إلى ضخ 35 مليار دولار في شرايين الاقتصاد المصري في الشهرين المقبلين، مما يؤدي إلى انهيار السوق «غير الشرعية» للعملة الأجنبية، مشيراً إلى أن المشروع يوفر مئات الآلاف من فرص العمل بشكل مباشر في قطاع التشييد والبناء والصناعات المغذية له، وغير مباشر عن طريق تنشيط السوق المحلي، والذي سيحدثه ضخ تلك الاستثمارات.  وأشار إلى أن التأثير يظهر في رد الفعل الدولي خاصة من صندوق النقد، والذي ثمن نجاح الإصلاح المالي الهيكلي للموازنة العامة وبرامج الرعاية الاجتماعية وسياسة البنك المركزي المصري في استهداف التضخم ومرونة الاقتصاد في مواجهة الأزمات المالية المتتالية.

تطوير المدن
بدوره، قال أحمد معطي خبير أسواق المال المصري، إن الصفقة تعد نجاحاً للاستراتيجية المصرية لتطوير المدن الساحلية، والتي تم الإعلان عنها منذ سنوات وعلى أساسها تم تطوير وتخطيط منظومة الطرق الحديثة والتي ساهمت في تقليل الوقت للوصول إلى هذه المناطق، وربطها بالعاصمة الإدارية والعاصمة المصرية القاهرة.
وأضاف أن حجم الصفقة وتأثيره على الاقتصاد المصري يظهر في التراجع الواضح في سوق العملات الأجنبية الموازي وضبط السوق فيما يتعلق بالسلع الرئيسية والذهب بعد فترة طويلة من ارتفاع سعر الجنيه في العقود الآجلة أمام الدولار الأميركي، متوقعاً أن تعلن الحكومة المصرية اتفاقات جديدة الفترة المقبلة تنهي الأزمة الاقتصادية.

من جهة أخرى، قال الدكتور عبدالخالق إبراهيم، مساعد وزير الإسكان المصري للشؤون الفنية، إن القيمة الاقتصادية لمشروع رأس الحكمة كبيرة، وتتمثل في استراتيجية لتطوير المدن كافة المطلة على الساحل الشمالي، حيث يؤدي المشروع لرفع قيمة المنطقة والمناطق المجاورة، ويساعد في جذب استثمارات جديدة إلى جانب القيمة المادية المباشرة المتمثلة في الصفقة.
وأضاف مساعد وزير الإسكان المصري أن الصفقة تعد أكبر صفقة استثمار مباشر، من خلال الشراكة مع المجموعة الاستثمارية الكبرى، حيث ستساعد بشكل واضح في خفض قيمة الدولار، وسد العجز في ميزان المدفوعات، إلى جانب تنمية واحدة من أهم المناطق السياحية في المنطقة على مدار السنوات المقبلة.
وأشار إلى أن منطقة رأس الحكمة تمتد على مساحة تزيد على 170 مليون متر مربع، وتمثل الشراكة الاستثمارية الجديدة خطوة على طريق ترسيخ مكانة رأس الحكمة وجهة رائدة من نوعها لقضاء العطلات على شواطئ البحر الأبيض المتوسط ومركز مالي، ومنطقة حرة مجهزة ببنية تحتية عالمية المستوى لتعزيز إمكانات النمو الاقتصادي والسياحي في مصر.