يوسف العربي (أبوظبي)
في عصر تتزايد فيه الجرائم السيبرانية، تبرز الحاجة إلى حماية الخصوصية وتطوير أنظمة التشفير القوية لتأمين المعلومات الحساسة عالمياً، وأحرزت الإمارات تقدماً سريعاً في مجال تطوير أنظمة التشفير الفعالة، وضخ الاستثمارات في التقنيات والأبحاث المتقدمة في هذا المجال. ويتجسد التقدم الكبير الذي أحرزته دولة الإمارات في مجال تطوير أنظمة التشفير في تأسيس معهد الابتكار التكنولوجي، ومركز بحوث التشفير التابع له، ومساهماته البارزة في تطوير أنظمة التشفير. 
وأطلقت الدولة العديد من السياسات والمبادرات الفعالة لمواجهة مسألة الجرائم السيبرانية، ومن هذه الخطوات إطلاق الاستراتيجية الوطنية للأمن السيبراني، والتي تهدف إلى إنشاء بنية تحتية سيبرانية آمنة ومرنة في دولة الإمارات، ما يسمح للمواطنين بتحقيق تطلعاتهم، وتمكين الشركات من النجاح والازدهار. 
وفضلاً عن ذلك سنت الدولة قانوناً جديداً للجرائم السيبرانية في دولة الإمارات بحيث يساهم في توسيع نطاق السلوكيات التي تنتهك خصوصية الآخرين، ويضع فئات إضافية من الجرائم التي تشمل القرصنة وسرقة الهوية والاحتيال، وغيرها.

أهمية متزايدة 
وقالت الدكتورة نجوى الأعرج، كبير الباحثين لدى مركز بحوث علم التشفير التابع لمعهد الابتكار التكنولوجي لـ (الاتحاد): إنه مع انتقال العالم تدريجياً نحو المجتمعات الرقمية بالكامل، ستزيد أهمية أنظمة التشفير في حماية خصوصية الأفراد والمؤسسات وضمان سرية وأمن معلوماتهم الحساسة، علماً بأن هذه الأنظمة تستخدم خوارزميات رياضية لتحويل المعلومات الحساسة إلى نصوص مشفرة يمكن فكها فقط باستخدام مفاتيح تشفير فريدة.
ولفتت إلى أنه ما زال العديد من الأفراد والمؤسسات غير مدركين للدور الرئيسي الذي تؤديه أنظمة التشفير في حماية معلوماتهم الحساسة، وبالتالي لابد للمجتمعات حول العالم اتخاذ زمام المبادرة لنشر الوعي حول كيفية تأمين الخصوصية بشكل أفضل وحماية المعلومات. 
ونوهت أنه في السنوات الأخيرة ارتفع عدد الجرائم السيبرانية بشكل كبير، ومن المتوقع أن تكلف هذه الهجمات خسائر بقيمة 10.5 تريليون دولار أميركي بحلول عام 2025 على مستوى العالم.   وأضافت أنه من المؤكد أن الجرائم السيبرانية ستتزايد في ضوء تحول دولة الإمارات إلى مركز عالمي للاقتصاد والابتكار.
إنجازات إماراتية 
وأكدت أن الإمارات أحرزت تقدماً سريعاً وفعالاً في مجال التشفير وضخ الاستثمارات في التقنيات والأبحاث المتقدمة في هذا المجال. 
ولفتت إلى أنه في هذا السياق، يساهم معهد الابتكار التكنولوجي في تهيئة بيئة مواتية للابتكار والتعاون، حيث يستقطب أفضل المواهب من جميع أنحاء العالم، ويسعى لبناء الشراكات القيمة مع الجهات الأكاديمية ومؤسسات القطاع والجهات الحكومية بهدف تسهيل تبادل المعرفة والخبرات. 
ومن هذا المنطلق، أطلق مركز بحوث التشفير أول مكتبة برمجيات ما بعد التشفير الكمي في دولة الإمارات في عام 2021، إذ تعزز المكتبة قدرات التشفير والأمن في الإمارات، وهي مصممة خصيصاً للحماية من الهجمات الصادرة عن الحواسيب الكمية، واستخدمت إصدارات عدة من هذه المكتبة في مجموعة من منتجات الاتصالات الآمنة باستخدام بروتوكولات التشفير المتقدمة. 
وقالت: «شكل إنشاء مكتبة برمجيات ما بعد التشفير الكمي نقطة تحول لدولة الإمارات، حيث ساهمت في ترسيخ مكانتها بين الدول الرائدة التي تحظى بكفاءات متقدمة في مجال أمن البيانات الرقمية، فقد أبرزنا قدراتنا على إجراء الأبحاث القيمة في مجال التشفير ما بعد الكمي، وسنواصل البناء على جهودنا في مجال التشفير لضمان متانة وفعالية البنية التحتية الرقمية لدولة الإمارات العربية المتحدة».
وأوضحت أنه إلى جانب مكتبة البرمجيات التي طورها المركز، تم إطلاق مختبرات عدة حديثة في مركز بحوث علم التشفير هذا العام، والتي يمكنها تحليل مستوى الأمن في الأنظمة والبرمجيات المدمجة والتحقق من مستوى المرونة لتطبيقات وأجهزة التشفير. 
وبصفتها المختبرات الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فإنها توفر حلاً متكاملاً للتحقق وتقييم مستوى أمن التصاميم لمجموعة كبيرة من التطبيقات الواقعية التي تتراوح بين السلامة والأمن الوطني والسيارات والتطبيقات الخفيفة القائمة على إنترنت الأشياء، مساهمةً في تعزيز السيادة التكنولوجية لدولة الإمارات العربية المتحدة من خلال الحفاظ على أمن البيانات السرية.

آليات التشفير 
وقالت: إن معهد الابتكار التكنولوجي يجسد طموحات دولة الإمارات العربية المتحدة في تطوير أنظمة التشفير الفعالة، وتعزيز الخبرات من خلال التعاون، وبصفته مركزاً للأبحاث المتخصصة يجمع نخبة عالمية من العلماء والباحثين تحت مظلة معهد الابتكار التكنولوجي، يتولى مركز بحوث التشفير مهام تصميم الركائز الأساسية لآليات التشفير وأنظمة التحليل المتقدمة بهدف إيجاد الحلول المبتكرة لمساعدة العملاء من القطاعين العام والخاص لمواجهة التحديات الأساسية التي تشمل البيانات والأنظمة وأمن الشبكات. 
ونوهت أنه بالإضافة إلى مكتبة التشفير ما بعد الكمي والمختبرات المتخصصة، قدم مركز بحوث علم التشفير مساهمات رائدة في تطوير أنظمة التشفير والمساهمة في المنظومة كاملةً، ويتضمن ذلك إطلاق أول برنامج للتقنيات السحابية الآمنة في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذي يهدف إلى تطوير تقنيات رفع مستوى الخصوصية، بما في ذلك التشفير المتجانس (FHE) وهو شكل من أشكال التشفير الذي يسمح للمستخدمين بإجراء الحسابات على البيانات المشفرة دون فك تشفيرها أولاً، بالإضافة إلى بروتوكول أمان طبقة النقل «Tiiger» الذي حظي باهتمام واسع بصفته الأول من نوعه في تعزيز أمان طبقات النقل لأنظمة وأجهزة إنترنت الأشياء والمصمم في العالم العربي لدعم التقنيات الناشئة في عصر التشفير ما بعد الكمي.
ولفتت إلى أنه فضلاً عما سبق يشارك المركز بانتظام في الفعاليات والندوات التكنولوجية المرموقة على المستوى العالمي مثل جيتكس جلوبال، والمؤتمر الدولي حول التشفير وأمن الشبكات (CARS)، ومؤتمر «Keyfactor Tech Days»، حيث يشارك الخبراء في العروض التقديمية والحلقات النقاشية رفيعة المستوى حول نقل المعرفة وتطوير الشبكات الاستراتيجية لتوطيد فرص التعاون المحتملة. 
توطيد التعاون العالمي لتطوير بروتوكولات تشفير أكثر قوة
أكدت الدكتورة نجوى الأعرج، كبير الباحثين لدى مركز بحوث علم التشفير التابع لمعهد الابتكار التكنولوجي، أن التعاون العالمي يعد أمراً بالغ الأهمية لتحقيق رسالة معهد الابتكار التكنولوجي المتمثلة في تشجيع باحثيه على مشاركة المعرفة مع الخبراء البارزين في هذا المجال، ما يساعد على تطوير خوارزميات وبروتوكولات التشفير الأكثر فعالية وقوة. وقالت: «يعمل فريقنا المتنوع الذي يضم نخبة من العلماء والباحثين ومتخصصي علم التشفير على التواصل والتنسيق مع نظرائهم من الخبراء والمتخصصين في جميع أنحاء العالم لضمان تحقيق الإنجازات التي من شأنها أن تعزز مكانة أبوظبي ودولة الإمارات بصفتها أحد المراكز الرائدة في هذا المجال المهم، ومساهماً رئيساً في توسيع الاقتصاد المعرفي، ونساهم في الوقت نفسه في صقل المهارات الوطنية في مجال التشفير التطبيقي».
وأضافت: «تساعدنا شراكاتنا الدولية مع شركات القطاع والأوساط الأكاديمية في مواجهة التحديات والتهديدات الناشئة والتعامل معها من خلال تحليل الثغرات الأمنية، ووضع التدابير المضادة لضمان الأمن المستمر لأنظمة التشفير، ومن خلال هذه الجهود التعاونية، يساهم معهد الابتكار التكنولوجي في تعزيز مستوى الشفافية والثقة بين شركائنا حتى نتمكن معاً من دفع قدرات التواصل الآمن في عالمنا المتسم بسرعة ترابطه».

مكتبة التشفير للتحليل الآلي للبدائيات المتماثلة (CLAASP)
تعد مكتبة التشفير للتحليل الآلي للبدائيات المتماثلة (CLAASP) أداة ثورية لتحليل التشفير مبنية بالاستناد إلى نظام SageMath للحسابات الجبرية، حيث تستفيد الأداة من لغة البرمجة Python3 لأتمتة عملية تحليل خوارزميات التشفير المتماثل البدائية، والتي تشمل خوارزميات تشفير المجموعات، والتبديلات التشفيرية، ودالات التجزئة، وخوارزميات التشفير الانسيابي، وذلك عن طريق منهجية قائمة على تحليل الشفرات. وعلى الرغم من أن CLAASP لا تتمكن من استبدال التحليل اليدوي كلياً، إلا أنها ستساعد في التخفيف من المخاطر والتقليل من الوقت والجهد المطلوب لإجرائه، وهذا بدوره سيمكن المحللين من التركيز على دراسة تصاميم الخوارزميات ومقارنتها بدلاً من المسائل المتعلقة بالتنفيذ. وتم إصدار أداة CLAASP بموجب رخصة «GPLv3» مفتوحة المصدر لجعلها في متناول الجمهور. 
تحديات TII-McEliece 
تعد تحديات «TII-McEliece» أول مسابقة في مجال التشفير بدولة الإمارات، وتهدف إلى تقييم مستوى متانة وفعالية نظام التشفير McEliece الشهير. 
وتضمنت هذه المبادرة التي استمرت لمدة عام دعوة مختلف المشاركين من طلاب وعلماء وخبراء في مجال التشفير للتحقق من أمن نظام التشفير McEliece. 
 وسعى المركز من خلال ذلك إلى تعزيز مرونة نظام التشفير McEliece عبر اختيار أفضل معاملات التغيير المساعدة في استرداد الرسائل وتحفيز استراتيجيات التعافي الأساسية.