حسونة الطيب (أبوظبي)

عكس ما كان متوقعاً في السنة الماضية، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بمعدلات أقل، بينما تلوح في الأفق مؤشرات طفيفة، تبشر بعودة التعافي خلال العام الجاري 2023. 
واحتلت أميركا في العام 2022، أفضل وجهة للأعمال الباحثة عن النمو العالمي، رغم تراجع التدفقات المالية، في الوقت الذي قلصت فيه الشركات العالمية، حجم الاستثمارات الأجنبية، في ظل تنامي عدم اليقين وارتفاع تكلفة الدين.
وتراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أميركا، لنحو 285 مليار دولار في العام 2022، من واقع 388 مليار دولار في 2021، حيث يعزى ذلك للانخفاض الحاد في المشتريات الأجنبية للشركات الأميركية، بحسب وول استريت جورنال.
خفض التضخم  
ويمكن لأميركا تحقيق المزيد من الفوائد في المدى القريب، في الوقت الذي تستفيد فيه الشركات الأجنبية من قانون خفض التضخم، الذي يقدم مساعدات للاستثمار في مشاريع الطاقة المتجددة وإنتاج الطاقة من تلك المصادر.
وعلى المستوى العالمي، انخفضت استثمارات الأعمال التجارية الخارجية الجديدة، منذ سنة 2021، بنسبة قدرها 12% لنحو 1.3 تريليون دولار، مع توقعات بعدم تحقيقها لانتعاش قوي خلال هذا العام. وبهذا، يمكن اعتبار السنة الماضية 2022، الأسوأ للاستثمارات الأجنبية منذ العام 2009، مع استثناء سنة 2020، عندما تفشى فيروس كوفيد-19.
لكن لا يزال التراجع، يعتبر أقل حجماً مما كان متوقعاً، في ظل انتشار عدم اليقين الاقتصادي، الذي باتت تواجهه المؤسسات التجارية، بما في ذلك الآثار المستمرة، التي خلفتها جائحة كورونا وارتفاع أسعار المواد الغذائية والطاقة والمنافسة الاقتصادية بين أميركا والصين.
تدفقات الاستثمارات
وسجلت اقتصادات الدول المتقدمة عموماً، تراجعاً في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، بنسبة قدرها 37%. 
كما سجل الاتحاد الأوروبي بوجه خاص، تراجعاً في هذه الاستثمارات، إلا أن الاستثمارات الجديدة، ارتفعت من 127 مليار دولار، لنحو 197 مليار دولار. وبينما لا تزال دون أميركا، سجلت الصين أعلى معدل تدفقات داخلية عند 189 مليار دولار، بنسبة زيادة قدرها 5%، جاءت معظمها من نشاطات تجارية أوروبية.  لكن ربما يخضع ذلك للتغيير أيضاً، حيث أصبح صانعو القرار في أوروبا، أكثر قلقاً من طموحات بكين الاقتصادية وهيمنتها في بعض سلاسل التوريد العالمية.  وطرحت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، في شهر مارس الماضي، إمكانية فرض ضوابط على الاستثمار الخارجي في الصين.  ويتصاعد عدد الدول، التي تقوم بفحص الاستثمارات الأجنبية، خوفاً من تهديدات أجنبية محتملة لأمنها القومي في العديد من القطاعات. 
وارتفع مجموع هذه الدول من 35 إلى 37 دولة، في حين شددت 9 دول من ضمن هذه القائمة، عمليات الفحص. 
تقديرات دولية
وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، ارتفع عدد عمليات الدمج والاستحواذ عبر الحدود، لكنها تراجعت بسبب المخاوف التنظيمية أو السياسية، بما يقارب 35%، بالمقارنة مع العام 2021.  وتدل مؤشرات أخرى، على أن بعض الحكومات، أصبحت أكثر قلقاً فيما يتعلق بسلاسل التوريد العالمية، التي تم إنشاؤها خلال العقود القليلة الماضية، في الوقت الذي وزعت فيه الأعمال التجارية، إنتاجها على عدد من الدول، أملاً في تقليص التكاليف والحصول على أجور أقل. 
وتمارس أميركا وبعض الحكومات الأخرى حول العالم، المزيد من الضغوطات، فيما يتعلق بأمن تزويد مكونات أساسية مثل، رقاقات الحواسيب الآلية، وتقليل نسبة اعتمادها، على الموردين من الدول غير الصديقة. 
وزاد حجم الاستثمارات، في الصناعات التي تواجه ضغوطاً في إعادة هيكلة سلاسل التوريد، من حيث القيمة والعدد، على العكس من التوجه العالمي. 
وأكد تقرير صادر عن الأمم المتحدة، أن 3 من أكبر 5 مشاريع استثمارية تم الإعلان عنها، كانت في مجال أشباه الموصلات.
وتؤكد بعض المؤشرات، على تصاعد تبادل النشاط التجاري بين الدول الصديقة خلال الأشهر القليلة الماضية، الظاهرة التي ربما تشهد المزيد من التطور والنمو. 
تمكنت الدول النامية، من الاستحواذ على نصيب مقدر من إجمالي التدفقات الاستثمارية، التي ارتفعت بنحو 4% لنحو 916 مليار دولار، بينما سجلت أميركا اللاتينية ودول الكاريبي، أكبر نسبة من الزيادة، بقفزة قدرها 51% إلى 208 مليارات دولار، ما يعكس الإقبال الكبير على منتجاتها من السلع والمعادن الهامة. 
وفي المقابل، خسرت روسيا، نحو 19 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية، نظراً لانسحاب النشاطات التجارية من البلاد، بسبب الأزمة القائمة بينها وأوكرانيا.