بات الاتفاق بين مجلس النواب والبيت الأبيض في الولايات المتحدة على رفع سقف الدين العام قريباً. بالطبع هناك تنازلات من جانب إدارة الرئيس جون بايدن، لكن النقطة الأهم من كل هذا هو أن يُعتمد هذا السقف قبل نهاية الشهر الجاري.
ففي بداية الشهر المقبل، سوف تتخلف الولايات المتحدة لأول مرة في تاريخها، إذا لم يتمكن الديمقراطيون من إقناع الجمهوريين بتمرير الموازنة العامة.
واشنطن لا يمكن أن تتحمل هذا الوضع، وحتى الاقتصاد العالمي سوف يشهد اضطراباً في حال تخلف أكبر اقتصاد قاطبة عن السداد، بما في ذلك الإنفاق على الخدمات وصرف رواتب الموظفين، بل هناك مخاطر ستحوم حول الأمن القومي الأميركي، في مثل هذه الحالة.
بالطبع ينقل الجمهوريون هذه المسألة إلى آخر مدى، للحصول على تنازلات تتعلق بخفض الإنفاق. فهذا شرطهم الوحيد لتمرير الميزانية العامة.
والاتفاق المتوقع سوف يتضمن بالضرورة كبح الإنفاق على معظم البنود، ما عدا الجيش والمحاربين القدامى.
فعادة لا يمكن لأي إدارة الاقتراب من هذه الساحة في مراجعتها لحجم الإنفاق العام. ويبلغ الحد الأقصى للدين الأميركي المسموح به تشريعياً 31.4 تريليون دولار بداية العام الجاري.
وتمكنت إدارة بايدن من اتخاذ تدابير لتأمين الأموال خلال النصف الأول من هذا العام. لكن المشكلة ستفجر في بداية النصف الثاني، وهذا ما يسعى البيت الأبيض لتجنبه بأي ثمن، حتى لو اضطر إلى تنازلات تضمن له سقف دين لمدة عامين على الأقل.
وسط هذه المناوشات السياسية المحلية، والتهديدات الكلامية والاتهامات المتبادلة، تشهد البورصة الأميركية هبوطاً تلو الآخر، بسبب عدم الوصول إلى اتفاق بين الكونجرس والبيت الأبيض.
وتعرضت الأسهم إلى ضغوط عنيفة في الأيام الماضية، ما يؤكد حساسية الموقف ليس فقط على الاقتصاد الوطني، بل على مسار السوق الأميركية ككل.
ويعود السبب الرئيسي لهذه التراجعات، إلى أجواء الخوف في أوساط المستثمرين من حدوث ما لا يمكن تصوره بتعثر الولايات المتحدة عن السداد.
فهذا التعثر «كما يعرف الجميع» سيؤدي حتماً إلى أزمة مالية واقتصادية عالمية، في وقت حرج يمر به الاقتصاد الدولي.
كل الجهات تنتظر بقلق إلى المفاوضات، والتي وصفت من قبل بعض السياسيين بأنها «مثمرة»، ولا بد من أن تنجح. وقانون رفع سقف الدين، سيظل رهينة مجلس النواب، على الرغم من أن الجمهوريين يسيطرون عليه بأغلبية ليست كبيرة، لكنها كافية لتعطيل أي قانون، قبل أن يصل إلى مجلس الشيوخ.
ويبدو واضحاً أن التنازلات ستكون الأداة المتوافرة الوحيدة في مسألة باتت مسرحية مكررة كل عام تقريباً. فبدلاً من تعهد البيت الأبيض بخفض الإنفاق على مدى عشر سنوات، سيقوم بذلك لمدة عامين، وهي مساحة زمنية ليست طويلة، لعودة المواجهات على صعيد سقف الإنفاق بين المؤسستين الأهم في الولايات المتحدة. مع ضرورة الإشارة إلى أن الجمهوريين لا يرغبون بالطبع بأن يكونوا سبباً في تخلف بلادهم عن السداد لأول مرة منذ تأسيسها.