حسام عبدالنبي (دبي)

تقود دولة الإمارات وتحفز الاستثمار في القطاعات الجديدة عالمياً مثل التكنولوجيا، والذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا الحيوية، وعلم الجينوم، والتكنولوجيا الزراعية، والرعاية الصحية المتقدمة، حسب أرنود لوكليرك، العضو المنتدب ورئيس أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا والأسواق الجديدة لدى بنك لومبارد أودييه، أحد أقدم بنوك الخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الثروات عالمياً. 
وقال لوكليرك لـ «الاتحاد»: إن ريادة الإمارات للاستثمار في «القطاعات الجديدة» ظهر بوضوح من خلال دخول شركات تابعة لهذه القطاعات إلى السوق عبر اكتتابات أولية عامة، تمثل اليوم حراكاً قوياً ومثار إعجاب عالمي.
وأضاف أنه عند النظر إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة في دولة الإمارات نستطيع رؤية القوة والعمق الذي تتميز به هذه القطاعات، ومن بينها قطاع الطاقة (التقليدية والمتجددة) والبتروكيماويات، والصناعات الثانوية، والخدمات المالية، واللوجستية، والملاحة الجوية، والسياحة، والخدمات المتخصصة، مؤكداً أن دولة الإمارات تطرح اليوم أمام المستثمرين ثروة واسعة من الخيارات المتنوعة على مستوى القطاعات الاقتصادية القديمة والحديثة على حد سواء، وهي تقدم بذلك مزيجاً من القيمة والنمو والمخاطرة بحسب ما يسعى إليه المستثمر.
وذكر لوكليرك، أن اقتصاد دولة الإمارات أثبت على مدى الـ 12 شهراً الماضية، صلابة وقوة كاقتصاد «عالي الأداء» مرن وله وزنه على ساحة الاقتصاد الكلي عالمياً، متوقعاً استمرار زخم النمو على مستوى الاقتصاد النفطي وغير النفطي على حد سواء في العام 2023. وأضاف أن أبوظبي تتمتع بملاءة مالية وسيولة عالية، وتشهد الإمارة زخماً قوياً في أنشطة الأعمال بفضل الطلب القوي على الهيدروكربونات وقوة الأسس الاقتصادية الحصينة.

وأشار إلى أن دبي تواصل الازدهار والنمو على مستوى قطاعاتها الاقتصادية المختلفة والمتنوعة، لافتاً إلى أنه رغم التباطؤ العالمي في مناطق أخرى من العالم، إلا أن دولة الإمارات استحقت أن ينظر لها المستثمرون اليوم باعتبارها «ملاذ آمن متسق» ويتمتع بدرجة عالية من الاستقرار، ومعرباً في الوقت ذاته عن تفاؤل البنك للغاية، حيث يرى أن الأداء الأخير لاقتصاد كل من أبوظبي ودبي يشير إلى حدوث تغيير هيكلي إيجابي للغاية على مستوى التوقعات المستقبلية لكليهما ومكانتهما العالمية.
وأوضح لوكليرك أن ما يميز اقتصاد أبوظبي، ودولة الإمارات، حقاً ويصنع نجاحهما هو الالتزام والتركيز الكامل على التخطيط طويل الأجل للاستفادة من أوجه قوتهما الطبيعية ولتحقيق التنمية، مشدداً على أن هذه الحكمة والرؤية بعيدة المدى كانت العلامة الفارقة في نهج قيادات دولة الإمارات من مرحلة التأسيس وإلى يومنا هذا.
وعن افتتاح بنك «لومبارد أودييه» مؤخراً فرعاً في سوق أبوظبي العالمي، أفاد لوكليرك، بأن البنك الذي تأسس في جينيف عام 1796، يفخر بكونه أول بنك سويسري ينضم إلى سوق أبوظبي العالمي. 
وقال: إن البنك قام بتوسعة تواجده وتعزيز فرق العمل لدية في أبوظبي ودبي وفي المنطقة، خلال الأعوام القليلة الماضية، لتلبية الطلب المتنامي على الخدمات التي يوفرها من حلول واستشارات إدارة الثروات الخاصة المتميزة عالية الجودة والتي تراعي أدق التفاصيل، كاشفاً عن أن هذا النمو في الطلب يأتي من الأجيال الجديدة من الشركات العائلية في الإمارات، ومن رواد الأعمال، وكذلك من الوافدين الجدد الذين يتطلعون للاستقرار في الإمارات على المدى الطويل، والذين زادوا بصورة قوية ولافتة مؤخراً بفضل الكفاءة العالية التي أثبتتها الدولة في التعامل مع الجائحة، فضلاً عن الجاذبية المتنامية لدولة الإمارات كوجهة عالمية جديدة للاستثمار والإقامة طويلة الأجل.
وأعلن لوكليرك، أن الطلب على استثمار أكثر استدامة سيتيح فرصاً استثمارية غير مسبوقة للعملاء، لذلك نواصل الاستثمار في فرقنا البحثية والاستثمارية الرائدة في السوق وتوسيع نطاقها مع تطوير استراتيجيات استثمار جديدة نشطة وقائمة على العلم للاستفادة من التحولات المرتبطة بالبيئة والطاقة. وأشار إلى أن البنك يقدم أيضاً لعملائنا في دولة الإمارات حلولاً استثمارية تتماشى مع مبادئ التمويل الإسلامي، تقوم على أسس أخلاقية تهدف إلى حماية المستثمرين من المضاربات والمخاطر المفرطة، لافتاً إلى ارتفاع الطلب المحلي على المزيد من التفويضات التي يمنح العميل بموجبها للبنك مزيداً من حرية التصرف للقيام بالاستثمارات نيابة عنه.

فرص سانحة
ويرى أرنود لوكليرك، أن هناك الآن فرصة فريدة سانحة أمام أبوظبي ودولة الإمارات للتأسيس لصناعة ولبنوك خاصة بهما للخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الثروات، لاسيما في ظل تغير طرفي المعادلة من عرض وطلب، حيث تم إرساء بيئة تشريعية قوية، خاصة في الوجهات سريعة النمو والتطور، مثل سوق أبوظبي العالمي ومركز دبي المالي العالمي، كما يوجد خبراء مصرفيون على درجة كبيرة من الخبرة والدراية بمجال الخدمات المصرفية الخاصة، مشيراً إلى وجود نمو متسارع في حجم الطلب على الخدمات محلية التركيز، وفهم أكبر لمتطلبات العملاء المحليين الخاصة بتفاصيلها الدقيقة، وهناك رغبة تقودها سياسات واضحة للاحتفاظ بجزء كبير من رأس المال المحلي داخل المنطقة. 
وأفاد لوكليرك، بأن كل هذه العوامل التفضيلية على مستوى العرض والطلب تعني أن الوقت اليوم هو الأنسب لقيام دولة الإمارات بتعزيز قطاع الخدمات المصرفية الخاصة المحلي والبنوك المتخصصة في المجال، مبيناً أن قطاع الخدمات المالية بات أكثر عالمية بكثير على مدى العشرين عاماً الماضية، كما أن المراكز القديمة للخدمات المصرفية الخاصة، مثل سويسرا ولندن وحتى سنغافورة، لم يعد لديها نفس الجاذبية والمكانة المرموقة والقدرة على احتكار أصحاب الخبرات الاستثمارية، كما كان الحال سابقاً، ما يعني أن المجال بات أكثر رحابة لاستقبال اللاعبين الجدد.

تعزيز الاقتصاد
وعن المميزات التي يقدمها تطوير صناعة خدمات مصرفية خاصة مستدامة، في دولة الإمارات، أجاب لوكليرك، بأنه لم يعد بإمكان أي دولة اليوم أن تحافظ على استقرارها على المدى الطويل عبر إرسال رؤوس أموالها إلى الخارج. 
وقال: إنه من هذا المنطلق، فإن الفرصة مهمة والنفع الذي يمكن أن يعود على دولة الإمارات، وعلى مدينة عالمية كأبوظبي كبير، إذ سيكون هناك مجال لبقاء ثروات الشركات العائلية والمؤسسات المحلية والإقليمية داخل الدولة والمنطقة لتخلق قاعدة رسملة محلية يمكن توظيفها في التنمية، وتعزيز الاقتصاد والبنية التحتية محلياً.
وتابع: «وكذلك فإن تطوير صناعة خدمات مصرفية خاصة وإدارة ثروات بروح متجددة وبرسملة عالية، سيخلق قيمة حقيقية ويوفر فرص عمل، وسيدعم الوظائف في مجالات مثل المخاطر والعمليات والوصاية وإدارة الصناديق والتكنولوجيا المتقدمة وغيرها الكثير، علاوة على إمكانية أن تعزز هذه الصناعة «محلية الصنع» خبراتها في مجالات أخرى مثل خدمات التمويل الإسلامي وفي جوانب جديدة، مثل الخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الثروات المستدامة، مؤكداً أن تلك الفرصة بلا شك تعد مهمة وجذابة، وليس فقط لأبوظبي ولدولة الإمارات، وإنما لصناعة الخدمات المصرفية الخاصة العالمية وللاعبين العالميين الذين سيرغبون في الاستفادة من هذه المبادرة مضمونة النجاح».
وأشار لوكليرك إلى أن تطوير قطاع خدمات مصرفية خاصة محلي شامل سيسهم في الحفاظ على جزء كبير من السيولة والثروات محلياً، كما من شأنه كذلك أن يدعم حجم سوق الخدمات المصرفية وإدارة الثروات الخاصة، وأن يخلق المزيد من المنافسة، ويطرح نطاقاً أوسع من الخيارات والخدمات، ما سيعزز قوة القطاع ليأخذ مكانته المستحقة على الساحة العالمية، مختتماً بالتأكيد على أن جل ما يتطلبه الأمر في هذه المرحلة هو وجود النية ورأس المال، ومن المهم كذلك أن يتم إرساء منظومة داعمة وسلسلة قيمة لإدارة الثروات، مع أهمية استفادة أبوظبي من أفضل الممارسات العالمية لتعزيز خبراتها المحلية، كما فعلت مع بقية قطاعاتها الأخرى.