حسونة الطيب (أبوظبي)

مع أنه شكل عنصراً أساسياً، في الثورة الصناعية في أوروبا وفي قيام إمبراطورياتها، إلا أن الوقود الأحفوري بات يقض مضجع العالم بأسره، لما له من آثار بيئية كارثية.
وبينما تخلف انبعاثاته العديد من الأمراض، تزايدت المخاوف في الوقت الحاضر، من تداعياته على التغير المناخي.
وفي المقابل، بدأت اقتصادات الدول الكبرى، البحث عن بدائل بعيداً عن مصادر الوقود الأحفوري، في محاولة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. لكن ربما، يجعل ذلك، العديد من الدول النامية، في مواجهة خيار، الاعتماد على الفحم أو البحث عن موارد طاقة متجددة، لتعزيز نموها الاقتصادي، خلال الـ 10 سنوات المقبلة. 

النمو الاقتصادي
وفي حين يرى بعض خبراء القطاع، أن الدول النامية، يمكنها تحقيق النمو دون اللجوء لاستخدام الفحم، يعتقد البعض غير ذلك. ومنذ الحقبة الصناعية، لم تدر عجلة النمو الاقتصادي، دون تزويدها بالطاقة. 
وفي الدول النامية، التي تستهلك قدراً يسيراً من الطاقة في الوقت الحالي، يعتمد تقدمها وازدهارها، على كميات أكبر من الطاقة بأسعار معقولة، خلال السنوات القليلة المقبلة. 
ومن المتوقع، أن يجيء ما يزيد على 65% من نمو طلب الطاقة العالمي، من الدول النامية بحلول العام 2050، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة.
وظل الفحم ولعشرات السنين، المصدر الرئيس للطاقة في الدول النامية. ويقدر عدد المحطات العاملة بالفحم، بنحو 9 آلاف حول العالم، 75% منها في الدول النامية، بحسب وول ستريت جورنال.

مخاطر التغير 
وفي عالم يعاني من مخاطر التغير المناخي، يمكن لموارد الطاقة النظيفة، تلبية طلب الدول النامية من الطاقة، دون التضحية بمستويات كبيرة من النمو الاقتصادي. 
وتعتبر مصادر الطاقة المتجددة، الخيار الأسهل في معظم أرجاء العالم، والأقل تكلفة حتى من الفحم، فضلاً عن إمكانية توسيع دائرة مواردها. 
ورغم أن 60% من أفضل مصادر الطاقة الشمسية تتركز في أفريقيا، إلا أن إنتاجها لا يتعدى 10% من إنتاج أميركا، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة. 
لا شك في أن الطاقة الشمسية والرياح، على العكس من الفحم، لا يتميزان بالاستمرارية، لكن ومع تراجع تكلفة التخزين خلال الـ 10 سنوات الماضية، توصل المطورون لطرق مبتكرة لتخزين الطاقة. 
وفي ظل الجهود المبذولة للتخلي عن الفحم، بدأت مصادر أخرى مثل، الطاقة النووية والغاز الطبيعي والهيدروجين واحتجاز الكربون، تلعب دوراً مهما في مجال الطاقة.
وبالتزام الدول، بما ورد في اتفاقية باريس للمناخ، تتوقع الوكالة، أن يشكل الغاز الطبيعي، نحو 20% من نمو طلب الطاقة في الدول النامية، من الآن وحتى حلول العام 2030، وفقدان الفحم لمعظم أراضيه في قارة آسيا.

تكلفة الإنتاج
من المؤكد، أن التخلص تماماً من الفحم، ليس بالمهمة السهلة، بيد أنه بإمكان الدول النامية، تحقيق النمو الاقتصادي من دونه. 
وفي الهند، ثاني أكبر بلد لاستهلاك الفحم في العالم، من المنتظر مساواة تكلفة الفحم مع الطاقة الشمسية في غضون سنة واحدة، حيث تستمر بعدها، تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية في التراجع، بينما ترتفع تكلفة وحدة التوليد في المحطات العاملة بالفحم.
وربما تستفيد عمليات التطوير التي تجري في الهند حالياً، من ما تملكه البلاد من موارد ضخمة من طاقتي الرياح والشمسية. وفي الصين، أكبر مستهلك للفحم في العالم، من الممكن تحقيق نمو اقتصادي، في الوقت الذي تسعى البلاد للاستغناء عن الفحم. 
وفي فترة الـ 10 سنوات التي انتهت في 2019، قلصت الصين، استهلاك الفحم بنسبة قدرها 99%، رغم ارتفاع ناتجها المحلي الإجمالي، بما يزيد على الضعف.

استثمارات ضخمة
ويتطلب التخلي عن الفحم في الدول النامية، استثمارات ضخمة، تصل في مجموعها لأكثر من 500 مليار دولار، بحلول العام 2030، إذا أرادت هذه الدول، الإيفاء ببنود اتفاقية باريس للمناخ، وزيادة هذا المبلغ بنحو الضعف لتحقيق نسبة الصفر من الانبعاثات بحلول 2050. 
وللتخلي عن محطات التوليد العاملة بالفحم، من الضروري توفير آليات مالية مبتكرة، بدءاً من السماح باسترداد رأس المال بشكل أسرع، إلى إمكانية تمويل الحكومات لتكلفة إغلاق هذه المحطات.
 وفي العام الماضي، 2022، تمكنت مبادرة الشراكة العادلة لتحول الطاقة، وهي تعاون بين القطاعين العام والخاص، من حشد 28.5 مليار دولار، بغرض مساعدة جنوب أفريقيا وإندونيسيا، للتخلص السريع من هذا النوع من المحطات.
وبالانخفاض السريع في التكلفة، يمكن للدول ذات الدخل المنخفض، تخصيص استثمارات أكبر من كلا القطاعين الحكومي والخاص، لجعل الطاقة النظيفة جزءاً من استراتيجية النمو، لتحقيق مستويات أقوى من النمو الاقتصادي وتقليل التلوث في ذات الوقت، وذلك عبر تقليص استخدام الفحم.