مصطفى عبد العظيم (الشارقة)

بين فضاءات الشارقة الشاسعة، وفي ليل شتائها الدافئ، يأخذ «مهرجان أضواء الشارقة 2023»، مئات الآلاف من زواره في رحلة ليلية مجانية ساحرة، لاستكشاف معالم الإمارة، وهي تتشكل في لوحات فنية مبدعة، لتكتسي حُلَلاً من ضياء، تنشر البهجة في الأرجاء، وكأنها تتحدث إلى الجميع في صمت وإجلال لتروي قصصاً آسرة وحكايات مشوقة، عنوانها «السعي وراء الأمل والنجاح».
ومنذ 12 عاماً اختارت هيئة الإنماء السياحي والتجاري في الشارقة أن تحلق منفردة في فضاءات الإبداع وتنويع عوامل الجذب السياحي، بإطلاق «مهرجان أضواء الشارقة» الذي سرعان ما تحول إلى حدث سنوي يترقبه أهل الشارقة وزوارها من الأسر والعائلات من مختلف إمارات الدولة والسياح من الخارج، ويجذب أكثر من مليون وثلاثمائة ألف زائر في دورة العام 2019 التي سبقت جائحة كوفيد-19، ليصبح اليوم أيقونة الأحداث في قلب أجندة المهرجانات والفعاليات المتنوعة التي تزخر بها الإمارة على مدار العام.
وبالتزامن مع النجاحات المتسارعة التي حققها المهرجان داخلياً ومنذ انطلاق الدورة الأولى في العام 2011، استطاعت «سياحة الشارقة» أن ترسخ موقعها في قلب أجندة مهرجانات الأضواء العالمية، ومنافسة العديد من مدن العالم التي لها تاريخ عريق يمتد لعقود طويلة، على غرار مهرجان مدينة ليون الفرنسية الذي يعود إلى القرن الـ 19 وتحديداً في عام 1852، والذي يستقطب اليوم أكثر من 3 ملايين سائح، وكذلك مهرجان مهرجان «نابانا نو ساتو» وهو أكبر مهرجان أضواء في اليابان، ومهرجانات الأضواء الأخرى في تايلاند وتايون وسيدني وأمستردام ولندن ومكاو، وغيرها من المهرجانات الأخرى حول العالم.
ولم تكن لتلك النجاحات أن تتحقق إلا من خلال توافر كافة المقومات التي تتطلبها البنية التحتية المطلوبة لمثل هذا المهرجان من مبانٍ ومعالم سياحية وثقافية ودينية ذات تصاميم هندسية متنوعة، تمكن الفنانين من تحويل واجهتها إلى متاحف للفنون الجميلة، وأن تشكل جداريات كبرى تتزين بأجمل حللها الضوئية لجلب الزوار والسياح، وهو الأمر الذي مكن سياحة الشارقة من وضع الإمارة لبصماتها الخاصة التي تمزج بين أصالة المواقع المختارة، وأبعادها الثقافية والعلمية والسياحية، وبين جماليات وتقنيات الضوء وأساليب العرض والرسائل التي تحملها العروض الضوئية، التي يقف أمامها الزائر متأملاً عبر تلك الخطوط والأشكال والأبعاد الهندسية المرتدة من جدران المباني التراثية والمعالم السياحة وواجهات الحصون والجبال، كيف يمكن للضوء أن يتقاطع مع الليل والحجر ليرسم أجمل لوحة يمكن أن تراها العين في أجواء مبهجة واستثنائية؟

البهجة والتأمل
وخلال جولات في المواقع المختلفة لمهرجان أضواء الشارقة في دورته الثانية عشرة والتي ضمت، قاعة المدينة الجامعية، قرية الأضواء، مسجد النور، كورنيش بحيرة خالد، مسجد الشارقة، واجهة المجاز المائية، وحصن الشارقة، ومبنى بلدية الحمرية، وحصن الذيد، إلى جانب سد الرفيصة في خورفكان، وبرج الساعة في كلباء، ومسجد الشيخ راشد بن أحمد القاسمي في دبا الحصن، وكذلك مبنى المقر الرئيسي لشركة «بيئة»، رصدت «الاتحاد» تلاقي بهجة الأضواء مع تأملات أعداد غفيرة من الأسر والعائلات التي انغمست بفكرها لتعيش لحظات استثنائية لا تنسى، ما يؤكد المكانة التي بلغها المهرجان في وقت قصير، بعد أن أصبح حدثاً هاماً تترقبهُ الجماهيرَ في كل عام، لتحتفي معه بذكرياتٍ تُخلدها الصور الخاصة وآلافُ المنشوراتِ على مُختلف منصات التواصل الاجتماعي، التي تسافرُ عبر الحدود لترسمَ البسمةَ والفرحةَ على وجوهِ الملايين من المتابعين.

إضاءات ليزرية في عام الاستدامة
وتميز مهرجان أضواء الشارقة في دورته الثانية عشرة باستخدامه أنظمة الإضاءات الليزرية في تشكيل لوحات فنية مبهرة وأكثر وضوحاً بنسبة تزيد على 150% مقارنة مع أنظمة النيون بروجكتور، واستخدامه لتقنيات إضاءة عالية الجودة تستهلك أقل نسبة ممكنة من الطاقة، ما يعكس حرص هيئة الإنماء التجاري والسياحي بالشارقة على نشر الوعي حول مفاهيم الاستدامة، عبر استخدام تقنيات توفير الطاقة الحديثة، لاسيما وأن هذه العروض يرافقها إطفاء أنوار الشوارع المحيطة بمواقع المهرجان لتوفير استهلاك الطاقة.
وجاء اختيار المقر الرئيسي لشركة «بيئة» ضمن مواقع المهرجان ليجسد عرضاً ضوئياً يحمل عنوان «الانسجام مع الطبيعة»، ترجمةً فعلية لرؤية المهرجان في ترسيخ مفهوم الاستدامة والتناغم مع الطبيعة، حيث أظهر العرض بجلاء عمق التفاعل والانسجام بين الأنماط العضوية الطبيعية مثل قطعان المها، وتغريد الطيور، وأسراب الأسماك، وأمواج المحيط، وغيرها من العناصر الطبيعية الأخرى. إذ يحتفل العرض بالمكونات الرئيسية للطبيعة الأم، وبالانسجام والتناغم معها ومع أهم عناصرها مثل الدفء والنور المستمدّين من الشمس، بالإضافة إلى قوة الرياح ونعمة الماء وجمال الرمال.

تقاطع السياحة والليل
ونجح المهرجان في دورته الثانية عشرة، التي تختم اليوم، في أن يحلق بعيداً عبر إعادة تصور المباني والمواقع السياحية المتميزة في الإمارة، وإظهارها بطريقة تبرز ما تتمتع به من إبداع معماري وتراث فريد، بعد أن جلب الضوء تجربة غامرة لتقاطع السياحة والليل، باعتباره البعد الرابع للهندسة المعمارية، حيث تلعب الإضاءة الآن دوراً أكبر في التأثير على مشهد المدينة والاحتفاء بأيقوناتها المعمارية في مشاهد يكون الظلام فيها هو النور والضوء هو المستقبل.
وجاءت عروض وفعاليات المهرجان هذا العام بحلة متجددة، عكست القدرات الإبداعية للمنظمين ونجاحهم في ابتكار تصاميم جديدة جسدت الطابع العمراني لإمارة الشارقة، وهويتها الثقافية العريقة التي عززت مكانتها كوجهة جاذبة للسياح والزوار من كل مكان، من خلال لوحات ضوئية وفنية مميزة زينت مباني ووجهات الموقع المختارة في إمارة الشارقة، بمشاركة 7 فنانين عالميين، ومجموعة مبدعة من الفنانين الناشئين على مدار 12 ليلة متواصلة.
الحصون المضيئةيأخذ المهرجان زواره في رحلة استثنائية لإعادة اكتشاف الواجهات الخارجية لحصن الشارقة وحصن الذيد، بعروض ضوئية خلابة تروي القيمة الحضارية والتاريخية للحصنين اللذين طالما شكلا رمزاً للشموخ والعزة، في رحلة فريدة من نوعها تُعرف الزوار على تاريخ الإمارات وإرثها العريق، وليكون شاهداً حياً على معاني البطولة والشجاعة لرجال صنعوا تاريخاً مجيداً، ما يجعل الأمل ينبض من جديد.
ومن أبرز المواقع التي جذبت العديد من الأسر والعائلات «قاعة المدينة الجامعية» التي جسد العرض الضوئي فيها، مفاهيم الأمل والعزيمة والإصرار على تحقيق الأهداف، من خلال مشهد مميز للتمسك بالأحلام والسعي لتحقيقها من خلال العثور على الطاقات الكامنة في الإنسان، كل ذلك عبر قصة طفلة صغيرة في رحلة بحثها عن الأمل والسعي لتحقيق حلم عاشت لأجله، فأصبحت بذلك رمزاً ملهماً ومنارة تُضيء دروب الأجيال. 
وبجوار قاعة المدينة الجامعية برز موقع آخر للمهرجان وهو «قرية الأضواء»، والتي تمتد على مساحة إجمالية تتجاوز 19 ألف متر مربع، وتُقدم للزوار تجربة سياحية متكاملة مليئة بالمتعة والترفيه لكافة أفراد العائلة، حيث يستمتع الجميع بالمأكولات اللذيذة التي يقدمها 41 مشروعاً من المطاعم والمقاهي التي تلبي مختلف الأذواق، بدءاً بالمأكولات والحلويات والمشروبات الشهية ووصولاً إلى الخلطات المتميزة والأكثر من رائعة، سواء كانت من المأكولات الشعبية والتراثية أو الأنواع الجديدة والمعاصرة، أو حتى بعض النكهات الجديدة المفضلة.

6 أشهر للإعداد
بينما يستمتع زوار المهرجان في مواقعه المختلفة بروعة المشاهد واللوحات الفنية التي ترسمها الأضواء، يتواجد أكثر من 600 شخص خلف الكواليس ويعملون بدأب، ضمن فريق واحد استعد لأكثر من 6 أشهر، بأفكاره وابتكاراته ومساهماته الفاعلة، لإخراج ذلك المهرجان في أجمل حلة ووضعه في قائمة أشهر وأكثر مهرجانات الأضواء انتشاراً في المنطقة والعالم.

الفن المعماري لمساجد الإمارة
خلال المهرجان تألقت مجموعة من أهم المساجد في إمارة الشارقة بعروض الأضواء المبهرة، والتي أظهرت جماليات التفاصيل المعمارية والزخارف التي تتمتع به هذه المساجد على واجهاتها، حيث شكل مسجد النور أحد أجمل أيقونات فن العمارة الإسلامية الشاهدة على ثقافة وهوية إمارة الشارقة وجمال تصاميم معالمها، فيما جسد مسجد الشارقة فن العمارة الإسلامية في أبهى وأجمل صورها، وهذا ما اعتمد عليه الفنانون في العرض الضوئي على هذا الموقع، والذي سلط الضوء على واجهاته الخارجية لإبراز كل ما تتميز به من روعة التفاصيل والزخارف التي تعود لتنبض بالحياة من جديد، فضلاً عن النقوش الخطية التي تم إبرازها بتسليط الإضاءة البلورية عليها فغدت تخطف الأبصار وتأسر القلوب.