حسونة الطيب (أبوظبي)
يمر قطاع الطاقة الكهرومائية العالمي حالياً، بأزمة كبيرة، زاد الاحتباس الحراري، من حدتها.
ومن كاليفورنيا إلى ألمانيا والصين، أدت موجات الحرارة والجفاف، لانحسار مستويات مياه الأنهار، التي تغذي محطات توليد الطاقة الكهرومائية.
وانخفض إنتاج الكهرباء المُولدة بالطاقة المائية، بنحو 75 تيراواط في الساعة في أوروبا، خلال 2022 حتى شهر سبتمبر، ما يزيد على الاستهلاك السنوي لليونان، وبنحو 30% في الصين.
وفي الولايات المتحدة الأميركية، انخفض مستوى التوليد، لأدنى حد له منذ 6 سنوات، بحسب بلومبيرغ.
من المفارقة، أن تعيد المرافق التفكير في الدور التقليدي للطاقة الكهرومائية، كمصدر رئيس ومباشر للطاقة الخضراء. وتعتبر السدود، أكبر مصدر للطاقة النظيفة في العالم، إلا أن حالة السوء الشديدة التي يمر بها الطقس، يجعلها أقل فاعلية في التصدي لقضية التغير المناخي. ويعتبر سد الممرات الثلاثة، الذي يقع في نهر يانغتسي في الصين، الأكبر لتوليد الطاقة النظيفة وواحداً من أكبر المشاريع الهندسية في العالم. لكن ونتيجة لموجة الجفاف وارتفاع درجات الحرارة، بدأت مياه السد في الانحسار، ما حدّ من مقدرة المحطة على توليد الكهرباء في الآونة الأخيرة.
قلة الخيارات
وتكمُن المشكلة، في قلة الخيارات التي توفر طاقة خضراء تتميز بالمرونة والوفرة.
وتستحوذ الطاقة الكهرومائية، على القدر الأكبر في توليد الكهرباء حول العالم، تتجاوز ما تنتجه الطاقة النووية، والشمسية والرياح مجتمعتين. وفي دول مثل النرويج والبرازيل، تنتج السدود، ما يزيد على نصف كهرباء البلاد.
علاوة على ذلك، ظل الاعتماد الأكبر، على السدود الضخمة لفترة طويلة من الوقت، حيث تستحوذ على 42% من إنتاج الكهرباء العالمية، بالمقارنة مع، 12% للشمسية و25% للرياح. يؤدي الجفاف كجزء من حالة التغير المناخي، للحد من وفرة الاحتياطات المائية وإمكانية انتشارها وتقليص السعة في مناطق مثل، جنوب غرب الصين وغرب الولايات المتحدة الأميركية. ويوثر ذلك، على نسبة توليد السدود للكهرباء، وعلى الشبكات التي تعتمد عليها في الإمدادات.
ويعني أسوأ جفاف شهدته منطقة غرب أميركا منذ 1.2 ألف سنة، حصول ولاية كاليفورنيا، على 50% فقط من نسبة توليد الطاقة الكهرومائية، ما يهدد بحدوث قطوعات في التيار الكهربائي.
سعة التوليد
وتراجعت سعة التوليد في قطاع الطاقة الكهرومائية في البلاد، لنحو 17.06 تيراواط في الساعة خلال شهر سبتمبر من عام 2022، مسجلة أدنى مستوى لها منذ سبتمبر 2016، بحسب إدارة معلومات الطاقة.
وفي أوروبا، ونتيجة لجفاف بعض الأنهار، انخفض معدل التوليد، لأقل مستوى له منذ 2015. نجم عن ذلك، عودة المرافق للاعتماد على استخدام الفحم والغاز في توليد الكهرباء، ما يؤدي لاستهلاك المخزون الذي تدخره القارة لمجابهة مخاطر شح الوقود، الناتج عن الحرب الروسية الأوكرانية.
أما في البرازيل، التي عادة ما تعتمد على الطاقة الكهرومائية، لتوليد أكثر من 60% من الكهرباء، فأدت موجة الجفاف التي تعرضت لها البلاد في السنة الماضية، لفرض إجراءات ترشيد الاستهلاك واللجوء لاستيراد الطاقة من الدول المجاورة مثل، الأورجواي والأرجنتين، أو شراء الوقود الأحفوري لسد النقص.
لا يوجد بلد في العالم، قام ببناء سدود أكثر من الصين، حيث أرغم أسوأ جفاف منذ أكثر من 60 سنة، مقاطعة سيشوان، على خفض توليد الكهرباء بنسبة قدرها 50% في شهر أغسطس من العام الماضي، لمقابلة الطلب الذي زاد لمجابهة موجة الحر. كما تم قطع الإمداد الكهربائي عن عدد من المصانع لمدة أسبوعين على الأقل، ما أسفر عن تعطيل الإنتاج في شركات كبيرة تضمنت، تيسلا وأبل وغيرها. ولتعويض النقص، اتجهت الصين، لمزيد من الاعتماد على الفحم والغاز، رغم ارتفاع أسعارهما ونسبة التلوث فيهما.
إمدادات الطاقة
ودون العودة لاستخدام المزيد من الفحم والغاز، يمكن للدول التي تعاني في الحصول على إمدادات كافية من الطاقة الكهرومائية، الاستثمار في الطاقة النووية أو بطاريات تخزين طاقة الرياح والشمسية. كما يمكنها، زيادة خطوط الكهرباء، لتوزيع الحمولة على أكثر من مصدر توليد واحد في مناطق مختلفة، بجانب نشر الألواح الشمسية العائمة، عند سطوع أشعة الشمس وقلة التبخر.
ومع ذلك، يمكن للظروف المناخية السيئة، التأثير على كافة مصادر الطاقة النظيفة، حيث يخلف دخان حرائق الغابات والأتربة الناتجة عن العواصف، طبقة على الألواح الشمسية، فضلاً عن تجمد توربينات الرياح، عند انخفاض درجة الحرارة. وفي أوروبا، انخفض معدل إنتاج المحطات العاملة بالطاقة النووية، نتيجة لتبريدها من الأنهار التي أصابها الجفاف.
يزيد القلق حول درجة الاعتماد على السدود في ظل ارتفاع درجات الحرارة، من معارضة الناس لإنشاء مشاريع جديدة للطاقة الكهرومائية في العديد من البلدان حول العالم.
ويعتبر البعض، السدود مسؤولة عن اضطراب النظام البيئي، وتلاشي المساحات الرطبة، فضلاً عن انقراض بعض فصائل الكائنات البحرية. كما تضطر السلطات في بعض الأحيان، لتهجير السكان، عند إنشاء مثل هذه السدود.
نمو سعة التوليد
تؤكد هذه المشاكل، عدم تولي الطاقة الكهرومائية، زمام ريادة الطاقة النظيفة، لمزيد من السنوات المقبلة.
ويتوقع بعض خبراء القطاع، نمو سعة الطاقة الكهرومائية العالمية، بنحو %18، في الفترة بين الآن وحتى 2050، بالمقارنة مع أكثر من 8 أضعاف للطاقة الشمسية و3 أضعاف للرياح.
وربما يعود قطاع المائية للعب دوره القديم، في تخزين المياه للمضخات، حيث يتم ضخ المياه في المخزون، عند وجود فائض في التوليد، وضخها في التوربينات عند الحاجة لمزيد من الكهرباء. ويمكن دعم هذه التقنية، بالطاقة الشمسية والرياح عند توفرهما، لضمان وجود كهرباء على مدار الساعة. ولعمل نظام المضخات في حلقة مغلقة، فإنه لا يتأثر كثيراً بعوامل الجفاف.
تخطط الصين، لإنشاء مثل هذه المشاريع، بسعة تصل لنحو 270 جيجاواط بحلول عام 2025، بالمقارنة مع 60 جيجاواط للطاقة الكهرومائية، في الفترة نفسها.
وتؤكد معاناة قطاع الطاقة الكهرومائية، صعوبة بناء شبكة قوية للطاقة المتجددة، تملك المقدرة على استبدال الوقود الأحفوري، خاصة في الدول النامية، التي ينبغي عليها التعامل مع ارتفاع الطلب على الكهرباء، في ظل ارتفاع مستوى استهلاك الفرد. وفي الوقت ذاته، تؤكد قضايا الجفاف، الحاجة المُلحة لتكثيف الجهود المبذولة للحد من ارتفاع درجة الحرارة، في الوقت الذي تزيد فيه تكلفة تحويل الطاقة.