يوسف البستنجي (أبوظبي)

تخطو الإمارات باستراتيجيات ورؤى مبتكرة في صناعة المستقبل لتعزيز مكانتها مركزاً اقتصادياً عالمياً قائماً على اقتصاد مستدام وشراكة اقتصادية شاملة تستهدف في مرحلتها الأولى 8 دول يشكل عدد سكانها نحو 26% من إجمالي سكان العالم، مدشنة بذلك مرحلة جديدة من التعاون الاستراتيجي مع هذه الدول. ويأتي توجه الإمارات نحو إبرام اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة مع هذه المجموعة المختارة من الأسواق ذات الأهمية الاستراتيجية إقليمياً وعالمياً تنفيذاً لبرنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية المعلن في سبتمبر الماضي ضمن «مشاريع الخمسين» التي تشمل حزمة مشاريع ومبادرات استراتيجية للخمسين عاماً المقبلة. وتستهدف اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة المساهمة في تعزيز النمو المستدام للاقتصاد الوطني ومضاعفته من 1.4 تريليون درهم إلى 3 تريليونات درهم بحلول 2030، ورفع التبادل التجاري مع هذه الأسواق والذي يبلغ 257 مليار درهم بمقدار 40 مليار درهم سنوياً. وتحقق هذه الشراكات المستهدفة مع الدول المختارة -ومنها، الهند، إندونيسيا، إسرائيل، جورجيا، كولومبيا، الفلبين، وتركيا- النفاذ إلى الأسواق العالمية واستقطاب الاستثمارات وخلق المزيد من الفرص الجديدة للنمو، كما تشكل هذه الاتفاقيات جسوراً من الشراكة الاستراتيجية مع العالم استناداً للمكانة المرموقة التي اكتسبتها الدولة خلال العقود الماضية ما يوفر مستقبلاً واعداً للاقتصاد والتجارة والاستثمار. ويستهدف برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية ترسيخ مكانة الإمارات بوابة رئيسة للتجارة والاستثمار في العالم ومضاعفة الاقتصاد الوطني وترسيخ نموه المستدام عبر إبرام شراكات اقتصادية مع أسواق واعدة. وتم تحديد قائمة الدول ذات الأولوية لبدء التفاوض معها خلال عام 2021، وفقاً لدراسات الجدوى الاقتصادية التي أعدتها وزارة الاقتصاد، وجرى تشكيل اللجنة العليا للشراكات الاقتصادية العالمية التي تهدف إلى العمل على تنفيذ برنامج الاتفاقيات الاقتصادية العالمية وصياغة المواقف التفاوضية للدولة لعقد الشراكات الاقتصادية الجديدة بما يسهم في تعزيز الانفتاح على الأسواق العالمية وتنمية التجارة الخارجية.

صناديق الثروة السيادية
تلعب صناديق الثروة السيادية دوراً حاسماً في تحقيق الاستقرار في القطاع المالي في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث تم تصنيف صناديق الثروة السيادية في الإمارات، بما في ذلك جهاز الإمارات للاستثمار، من بين أفضل صناديق الثروة السيادية في المنطقة من قبل معهد صناديق الثروة السيادية. 

اقتصاد تنافسي متنوع
أحرزت الإمارات تقدماً هائلاً في تقليل اعتمادها على النفط والتحول نحو اقتصاد تنافسي قائم على المعرفة والابتكار، وذلك بفضل الجهود الحثيثة والمتواصلة التي تبذلها الحكومة على صعيد التنويع الاقتصادي، حيث تسهم القطاعات غير النفطية بأكثر من 70% من الناتج المحلي الإجمالي.

التجارة الخارجية.. رقم قياسي جديد
حققت التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات العربية المتحدة رقماً قياسياً جديداً خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2022، حيث نما حجم التجارة الخارجية غير النفطية للإمارات بنسبة 18.9% على أساس سنوي في أول تسعة أشهر من 2022 محققة 1.637 تريليون درهم، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي 2021.
وجاء النمو الكبير في التجارة الخارجية لدولة الإمارات، على رغم توقعات منظمة التجارة العالمية أن يفقد نمو التجارة العالمي زخمه ليصل 3.5% هذا العام، إلا أن الإمارات شكلت استثناء بنمو بلغ 19% في الأشهر التسعة الأولى، وتوقعات بأن يصل إجمالي حجم تجارة الدولة الخارجية 2.2 تريليون درهم مع نهاية 2022، مقارنة بـ1.9 تريليون العام السابق.
ومن هذا المنظور تعتبر دولة الإمارات استثناء في التجارة العالمية والاقتصاد، وفي الخدمات والبنية التحتية. 
ووفقاً لتقرير وزارة الاقتصاد حول مؤشرات ونتائج التجارة الخارجية غير النفطية للدولة عن الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري، فقد حققت الصادرات الوطنية غير النفطية خلال هذه الفترة أداءً قوياً، مسجلة 275 مليار درهم، وبنسبة نمو 9%، مقارنة بالفترة ذاتها من 2021.

توقعات البنك الدولي
رفع البنك الدولي توقعاته لنمو إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للدولة إلى 5.9% في نهاية العام الجاري 2022، وذلك مقابل نمو بنسبة 4.7% في توقعاته السابقة الصادرة في مايو الماضي، فيما قدر أن يصل النمو إلى 4.1% في العام القادم 2023. وأضاف البنك الدولي، في أحدث تقرير عن المستجدات الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة الإمارات من المتوقع أن ينمو بنسبة 1.7% في 2022 و2.1% في 2023. وتوقع التقرير أن يرتفع رصيد حساب المعاملات الجارية (يشمل ميزان التجارة الخارجية وحساب الخدمات) في الإمارات إلى 11.2% في 2022، و11.9% في 2023، صعوداً من 10.5% في 2021، كما توقع التقرير تحسن أرصدة المالية العامة حيث من المتوقع أن تحقق الإمارات فوائض مالية بنسبة 4.4% في 2022، وبنسبة 5% في 2023.
وأشار التقرير إلى أن اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ستنمو بنسبة 5.5% في 2022، لتسجل أسرع معدل نمو منذ عام 2016، على أن تصل وتيرة النمو إلى 3.5% في عام 2023، فيما من المقدر أن يتسارع النمو في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 6.9% في 2022، مدفوعاً بصادرات الهيدروكربونات، على أن يبلغ النمو نسبة 3.7% في 2023.

الرؤية الاستشرافية.. ريادة السياسات والمبادرات
تؤكد المؤشرات والنتائج القياسية التي تحققها التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات بشكل متواصل، ريادة السياسات والمبادرات التجارية والاقتصادية التي تبنتها الدولة، والقائمة على تعزيز الانفتاح على العالم كأحد أهم مكونات العلاقات الاقتصادية الدولية، وهذا من شأنه ترسيخ مكانة الإمارات كمركز تجاري رائد للتجارة والأعمال والاستثمار على المستويين الإقليمي والعالمي.
وأسهمت تطورات البيئة الاقتصادية في تعزيز أداء التجارة الخارجية للدولة من خلال تسريع وتيرة الاتفاقيات التجارية وتنمية الشراكات مع الأسواق العالمية خلال المرحلة الماضية، فضلاً عن الموقع الاستراتيجي للدولة كبوابة لوجستية نشطة تتيح نفاذ المنتجات إلى أسواق المنطقة والعالم.
وتعد هذه التطورات المهمة، إنجازاً جديداً يضاف لقطاع التجارة الخارجية في دولة الإمارات، ويدعم مكانتها وسمعتها المرموقة على خريطة التجارة العالمية، حيث حققت الدولة نمواً متواصلاً ومعدلات قياسية في المبادلات التجارية والصادرات الوطنية غير النفطية منذ بداية العام الجاري 2022، وذلك بفضل سياسات تجارية مرنة ذات كفاءة عالية ومقومات تنموية مستدامة، وتوسيع وتنويع الشراكات مع الأسواق العالمية.

التصنيف الائتماني العالمي.. مراكز متقدمة
تحقق الإمارات مراكز متقدمة في التصنيف الائتماني لمؤسسات دولية رائدة، وتعكس تلك التصنيفات الائتمانية العالية الجدارة الائتمانية لمؤسسات الحكومة الاتحادية، حيث ترتبط نقاط القوة الائتمانية لدولة الإمارات بارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، والعلاقات الدولية القوية والواسعة، وصياغة السياسات المبتكرة التي تدعم خطط التنمية المستدامة بالإضافة إلى عوامل القوة الأخرى التي تدعم قدرة الدولة ومرونتها في التعامل مع الأزمات والتحديات الاقتصادية والمالية.
ومنحت وكالة الائتمان العالمية «فيتش» تصنيفاً سيادياً (AA-) مع نظرة مستقبلية مستقرة في عام 2022، كما منحت وكالة التصنيف الدولية «موديز» تصنيف (AA2) مع نظرة مستقبلية مستقرة أيضاً لعام 2022.

زيادة التجارة الخارجية غير النفطية
حققت التجارة الخارجية غير النفطية أكثر من 583 مليار درهم خلال الربع الثالث من 2022، بنمو نسبته 23%، مقارنة بالربع الثالث من 2021، وشهد الربع الثالث 2022، مواصلة الصادرات الإماراتية أداءها القوي لتسجل نحو 100 مليار درهم، بنسبة نمو 12%، مقارنة بالربع الثالث من 2021، فيما بلغت عمليات إعادة التصدير 160 مليار درهم بنسبة نمو بلغت 17%، مقارنة بالفترة ذاتها من 2021.
أما واردات الإمارات، فقد بلغت 326 مليار درهم بنسبة نمو 13%، مقارنة بالربع الثاني 2022، وكذلك نمواً بنسبة 29%، مقارنة بالربع الثالث 2021.
وبالنسبة لأهم شركاء الإمارات التجاريين، أوضح التقرير أن جمهورية الصين ما زالت على رأس قائمة الشركاء التجاريين للدولة، تليها في المركز الثاني الهند، والمركز الثالث السعودية، والمركز الرابع الولايات المتحدة، والمركز الخامس العراق، وفي المركز السادس تركيا.
وجاءت الهند والسعودية وسويسرا وتركيا وهونغ كونغ وعُمان ضمن أهم المستوردين للسلع غير النفطية من دولة الإمارات خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022.
أما بالنسبة للدول التي تستورد منها دولة الإمارات، فقد حلت كل من الصين والهند والولايات المتحدة واليابان وتركيا والسعودية على رأس القائمة.
وعلى مستوى التكتلات الاقتصادية العالمية، أوضح التقرير أن الدول الآسيوية غير العربية هي الشريك الرئيس والأول في التجارة غير النفطية لدولة الإمارات خلال أول 9 شهور من 2022، التي تستحوذ على 39% من التجارة غير النفطية للدولة و38% من صادراتها و29% من إعادة التصدير كما تستأثر بنسبة 44.4% من واردات الإمارات غير النفطية.
وجاءت الدول الأوروبية في المركز الثاني، تليها دول مجلس التعاون الخليجي، ثم الدول الأفريقية غير العربية، ثم الدول العربية.

رؤى استراتيجية وأرقام قياسية
وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الاقتصاد، فإن الصادرات غير النفطية للدولة، كانت قد سجلت رقماً قياسياً غير مسبوق خلال النصف الأول من عام 2022، محققة نحو 180 مليار درهم لأول مرة في تاريخها، وبنسبة نمو بلغت 8% مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021، وبارتفاع نسبته 53% بالمقارنة بالنصف الأول من عام 2020، 
وواصلت التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات مسارها الصاعد مسجلة رقماً قياسياً جديداً في النصف الأول من العام الجاري، بلغ تريليوناً و53 مليار درهم، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، وبنسبة نمو بلغت 17% مقارنةً بالنصف الأول من عام 2021، وبارتفاع نسبته 25%، و35% مقارنةً بالفترة نفسها من عامي 2020 و2019 على التوالي.
ويأتي تخطي التجارة الخارجية غير النفطية لدولة الإمارات في النصف الأول من عام 2022، لحاجز التريليون درهم ليؤكد نجاح التوجهات والرؤى الاستراتيجية في تسريع التعافي الكامل والعودة للانتعاش الاقتصادي المرجو، بعد تخطي الدولة لتداعيات انتشار جائحة «كوفيد-19» السلبية على التجارة الدولية بشكل عام. 
وتسعى الإمارات إلى توسيع شبكة شركائها التجاريين، وترسيخ مكانتها بوابة رئيسة لتدفق التجارة بين أرجاء العالم، في حين جاءت هذه الأرقام القياسية غير المسبوقة بالتزامن مع مواصلة الإمارات تعزيز شراكاتها الدولية مع الأسواق الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم، بما يرسخ مكانة الدولة بوابة رئيسة لتدفق التجارة والخدمات اللوجستية.
ويُعد توقيع اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة، ركيزة أساسية ضمن مشاريع الخمسين، التي تقود المرحلة المقبلة من النمو والتنمية المستدامة في الدولة خلال الـ50 عاماً المقبلة، وتشمل عدداً من الأسواق ذات الأهمية الاستراتيجية عالمياً وإقليمياً.

إعادة التصدير.. نتائج إيجابية 
تظهر بيانات التجارة الخارجية، أن القيمة الإجمالية لإعادة التصدير بلغت 456 مليار درهم، خلال الأشهر التسعة الأولى من 2022، محققة نمواً بنسبة 19%، مقارنة بالفترة ذاتها في 2021، وبنسبة 54%، مقابل الفترة نفسها من 2020، في حين تجاوزت الواردات 906 مليارات درهم بنسبة نمو بلغت 22.2%، مقارنة بالفترة ذاتها من 2021.
وأشار التقرير إلى أن نشاط إعادة تصدير السلع أسهم في تحقيق نتائج إيجابية عززت مكانة الإمارات على خريطة التجارة العالمية، كونها أحد أهم أقطاب المراكز التجارية الداعمة لانسيابية السلع من وإلى الأسواق العالمية.
وكانت عمليات إعادة التصدير، سجلت أرقاماً قياسية غير مسبوقة بدءاً من النصف الأول من عام 2022، باقترابها من حاجز 300 مليار درهم، لأول مرة في تاريخها، وبنسب نمو مرتفعة، بلغت 20%، مقارنة مع الفترة المقابلة من عام 2021.