*بقلم: معالي فلاح محمد الأحبابي 
رئيس دائرة البلديات والنقل

 

تتبنى حكومات العالم في الفترة الأخيرة الرقمنة بهدف توفير خدمات حكومية سهلة الاستخدام لسكان المدن والأعمال التجارية، وفي نفس الوقت؛ تخفيض التكاليف والوقت المستخدم لجميع الأطراف، وقد أسفرت عوامل مختلفة عن تسريع عملية التحول الرقمي، ومنها، التوقعات العالية للمستخدمين للوصول السريع والسلس إلى الخدمات الحكومية، والحاجة المتزايدة لإدارة تكاليف الخدمات، وأبرز عامل خلال العامين الماضيين، هو عدم القدرة على توفير الخدمات بكفاءة من خلال القنوات التقليدية.وجدنا في السنوات الأخيرة أن الأساليب التقليدية لا تلبي طلبات السكان وتوقعاتهم، وبالتالي واجهت المؤسسات الحكومية تحديات عديدة، خصوصاً في جائحة COVID-19 التي أجبرت الحكومات، والشركات، وحتى السكان منذ 2020 على إعادة هيكلة نمط الحياة اليومية، وكانت هناك تحديات أخرى تحول تحركات السكان، وميزانيات غير مؤكدة بسبب الجائحة، كل هذه التحديات كانت حلولها واضحة، والتغلب عليها يبدأ في رقمنة العمليات الحكومية.
والسؤال المطروح الآن، ماذا ستقدم لنا رقمنة الإجراءات والخدمات الحكومية؟ بفضل الخدمات الرقمية، يمكن للمؤسسات الحكومية تقديم المعلومات والخدمات على أي جهاز أو منصة متى وأينما دعت الحاجة إليها، ما يساهم في ضمان عمليات مستدامة وآمنة أثناء أي أزمة وضمان توفير الخدمات للسكان واستمرارية الحياة.


التحول الرقمي  
ومن خلال إدارة التحول الرقمي بكفاءة وبناء مدن ذكية ومستدامة، يمكن للحكومات أن توفر لسكانها جودة حياة عالية بمستوى رفاهية غير مسبوق، وكسب ثقة جميع فئات المجتمع، وزيادة القدرة التنافسية لمجتمعاتهم في القطاعات الحيوية والاقتصادية، ونتيجة لذلك، سيكونون أكثر استعداداً للتعامل مع أي تحديات في المستقبل مهما كانت صعوبتها.
 السرعة في تقديم الخدمات أصبحت ضرورة وليست رفاهية
بعد إتاحة خيارات خدمية متعددة ومبتكرة هامة جداً ضمن إجراءات التحول الرقمي، ليستطيع من خلالها المستخدم أن يصل للخدمة بسلاسة، وأن ينهي رحلته الرقمية بأسرع وقت ممكن وعبر ضغطة زر واحدة، على سبيل المثال، خدمة توفير الدفع الرقمي عبر الإنترنت التي تسمح للسكان بدفع رسوم أي خدمة دون الحاجة لزيارة مركز، أو خدمات التراخيص التي يمكن التقديم عليها على الفور إلكترونياً ومعالجتها بأسرع وقت ممكن.
عبر إتاحة الخدمات بشكل أفضل للجميع، نتمكن من تحقيق مرونة في المجتمعات، ونضمن من خلال ذلك استمرارية الأعمال عن طريق حفظ السجلات والمستندات رقمياً في السحابة (Cloud Storage) بدلاً من الخادم المحلي أو حفظها ورقياً.
وبشكل عام، تهدف الخدمات الرقمية إلى إتاحة كافة الخدمات الحكومية وسهولة الوصول إليها، وبالتالي زيادة الكفاءة، والإنتاجية، وتوفير التكاليف.

وبالتزامن مع التحول الرقمي، تعمل المؤسسات الحكومية على تحسين العمليات والميزانيات والخدمات بشكل كبير من خلال وقف العمليات الورقية والبرامج القديمة ذات الاستخدام الفردي، والاستثمار بدلاً من ذلك في نظام أساسي موحد قائم على السحابة (Cloud-based).
 
البيانات ودورها في تطوير السياسات
يمكن أن تكون البيانات رصيداً استراتيجياً أساسياً لتوليد القيمة العامة في تطوير السياسة العامة وتنفيذها ومراقبتها، ويجب على المؤسسات الحكومية استخدام عمليات صنع القرار المستندة على البيانات لتحقيق الأهداف الاستراتيجية لتحقيق نتائج أفضل، وتحسين الكفاءة، وزيادة الاستجابة.
تمتلك النُهج القائمة على البيانات القدرة على بناء قدرات مجتمعية ذاتية الحكم من أجل المرونة والتكيف، وستؤدي المؤسسات الحكومية التي تتخذ خطوات في هذا الاتجاه إلى نجاح مستدام للجميع، كما أن الحوكمة القائمة على البيانات مفيدة بشكل متزايد في تمكين المجتمعات وبناء القدرات.
 
العمل المشترك لتحقيق أهداف التنمية المستدامة
يوفر إنشاء بنية تحتية رقمية مرتبطة بإنترنت الأشياء (IoT) فرصاً فريدة لمعالجة الصعوبات المتعلقة بأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (SDGs) بشكل منهجي إنشاء مجتمع عادل ومستدام بيئياً وصحياً.
يمكن أن يكون تطوير ونشر التقنيات الذكية مثل الذكاء الاصطناعي وتقنيات التعلم الآلي أمراً بالغ الأهمية لضمان النمو الاقتصادي المستدام وتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وهذا ما ناقشته حكومة أبوظبي مؤخراً ضمن المنتدى الحضري العالمي بنسخته الحادية عشرة في مدينة كاتوفيتسه البولندية، بالإضافة إلى الدور الإماراتي الكبير التي سجلته ضمن جدول أعمال الدورة السادسة والعشرين لمؤتمر الأطراف COP26 في غلاسكو والتجهيزات الكبيرة التي تعمل عليها حكومة دولة الإمارات لوضع أهداف التنمية المستدامة في كافة العمليات تحضيراً لاستضافتها للدورة للنسخة القادمة من مؤتمر الأطراف (COP28) في 2023.
 
بنية تحتية ذكية لمدن المستقبل
وفي مرحلة متقدمة ستشكل المركبات المستقلة والمشتركة وإشارات المرور الذكية، حلولاً تعتمد البيانات والتكنولوجيا، لبناء تنقل ذكي لمدن المستقبل، وبالتالي سيترتب على ذلك تقليل الازدحام المروري، وضمان السلامة على الطرق، وحماية البيئة، وتحسين إمكانية الوصول إلى وسائل نقل بتكاليف أقل، ما يساهم في تعزيز النمو الاقتصادي مع تحسين نوعية حياة السكان.
وكان لاستضافة دائرة البلديات والنقل قمة أبوظبي للمدن الذكية في نسختها الثانية في عام 2021 أثر مهم لإعادة تشكيل رؤى المدن الذكية المستقبلية، وتعزيز تجربة أبوظبي الرائدة في توقع التطورات في المدينة، وجمعت القمة المسؤولين الحكوميين وصناع السياسات ورواد المدن الذكية والتكنولوجيا لمناقشة أفضل الممارسات الخاصة بتطوير المدن الذكية وأهم التحديات التي تواجهها عالمياً، كما يسهم في إثراء معرفة المشاركين ووضع خطط عمل تساهم في تنفيذ أفضل الحلول الذكية.
ولا شك بأن تطوير المدن الذكية يعد أمراً أساسياً لنقل المدن والمجتمعات نحو مستقبل مستدام، يركز على حاجات وتطلعات السكان بأفضل طريقة ممكنة، وذلك عبر جهود تعاونية ما بين القطاع العام والخاص، وكذلك التعاون ما بين الجهات الحكومية المختلفة.
لذا تركز حكومة أبوظبي على دمج البنية التحتية للتوافق مع الخدمات الذكية، بما يضمن الانتقال إلى مدن المستقبل بسلاسة تامة، ودن أي تأثير سلبي على المستخدمين في أي قطاع، ونحن مستمرون في التعاون مع كافة جهات القطاعيين الحكومي والخاص، بالإضافة إلى المؤسسات المجتمعية، لتحويل مخرجات قمة أبوظبي للمدن الذكية إلى نتائج على أرض الواقع.
 
خريطة الطريق للمستقبل
لتلبية احتياجات السكان ورفع جودة الحياة، عملت حكومة أبوظبي، من خلال دائرة البلديات والنقل على نطاق واسع، لتحويل كافة الخدمات الخاصة بالبلديات والقطاع العقاري، والنمو العمراني، وشبكة النقل إلى خدمات رقمية، بما يتماشى مع رؤية أبوظبي لتحسين الخدمات والاستجابة لاحتياجات التنمية المستدامة من خلال تقديم خدمات حديثة لتلبية توقعات المتعاملين.
ومن خلال رقمنة الخدمات، نضمن جودة وكفاءة خدماتنا وتحسين جودة حياة سكان إمارة أبوظبي، وتعزيز العلاقات المجتمعية، وتوفير بيئة عمل تتبنى الابتكار كمنهج، وزيادة الأداء والتنسيق بين كافة القطاعات الرئيسية، وتطوير قدرات دراسة النتائج والعمل على أساس البيانات الضخمة أو ما يعرف بـالبيانات الكبيرة (Big Data).
وتماشياً مع الرؤية المستقبلية، نقلت دائرة البلديات والنقل، والجهات التابعة لها مؤخراً جميع خدماتها الرقمية إلى نظام حكومة أبوظبي الموحد «تم»، الذي تديره وتشرف عليه هيئة أبوظبي الرقمية، بجهود جبارة لفريق العمل التقني في كل من منظومة «تم» ودائرة البلديات والنقل، الذي كان له الدور البارز من خلال العمل الدؤوب والشغف الكبير، لتسهيل وتحسين وصول المجتمع لخدمات دائرة البلديات والنقل - أبوظبي، ما يحقق استجابة سريعة تلبي توقعات المستخدمين.تقدم منصة «تــم» خدمات حكومية للمستخدمين من سكان وضيوف إمارة أبوظبي، أسرع وأكثر كفاءة تتصف بالجودة العالية مع تقليل الوقت والجهد اللازمين لإجراء المعاملات، وتم نقل الخدمات من قطاعات مختلفة في الدائرة والجهات التابعة، بما في ذلك النقل المتكامل، والعقارات، والخدمات البلدية، والتخطيط الحضري، والبنية التحتية، مما يسهل على المستخدمين الوصول إلى هذه الخدمات.
وتساهم مشاريعنا التي نستعرضها في جيتكس 2022، في رسم معالم مدن المستقبل ورفع جودة الحياة للسكان، مثل «مشروع التوأمة الرقمية»، الذي يوفر التفاصيل والأبعاد الكاملة للإمارة وتحديث البيانات بشكل لحظي، ما يُسهل ويدعم اتخاذ القرارات عبر استخدام تقنية الواقع المعزز ثلاثي الأبعاد. بالإضافة إلى ذلك، سيمكن المشروع الذكي من تحسين الاستجابة لحالات الطوارئ والتعافي منها، وتعزيز البنية التحتية والتنقل والسلامة في المناطق العامة، وتعزيز مرونة وقدرة الإمارة على التعامل مع التحديات المستقبلية.
ونستعرض في الحدث العالمي الأكبر للتكنولوجيا، نظام تنقل فعال ومستدام بتقنية القيادة الذاتية باستخدام الذكاء الاصطناعي، وهو عبارة عن مركبة المراقبة الذكية التي تساعد في الكشف عن تشوهات المدينة، والحفاظ على جودة الطريق، واللوحات الإرشادية، ونظافة المدن.
تعد تجربة حكومة أبوظبي الرائدة في مجال التحول الرقمي نموذجاً مؤثراً شهد تطورات انعكست بشكل واضح على المجتمع المحلي من خلال تحسين الخدمات والإجراءات الحكومية. ولتعزيز اقتصاد معرفي ومستدام على الحكومات حول العالم بناء المهارات الرقمية ودفع أجندة التحول الرقمي، وتحسين منصات الخدمات الرقمية بشكل مستمر، إلى جانب إدخال منصات فعالة من حيث التكلفة لقابلية التوسع في المستقبل. إذ يساعد تنفيذ هذه الإجراءات الحكومات على تقديم خدمات عالية الجودة تجذب الشركات والاستثمارات الدولية، بالإضافة إلى تجهيز المدن لمواجهة المستقبل، بما يخدم الأجيال القادمة ويضمن رفاهية الشعوب.