ليس واضحاً عند المشرعين الأوروبيين كيف يمكن السيطرة على الأسعار المرتفعة للطاقة، التي بلغت حدوداً، أظهرت بوضوح كيف أن القارة الأوروبية بدولها المتقدمة، كانت تفتقر بالفعل لـ«أمن الطاقة». توجيه أسعار الطاقة في وقت الأزمات يكاد يكون مستحيلاً، خصوصاً مع ارتفاعها وسط مؤشرات تدل كل يوم على أن الحرب في أوكرانيا، التي أنتجت أزمة، ذكرت العالم بما حدث في سبعينيات القرن الماضي، سوف تتواصل، مع غياب أي أداة للحل في المستقبل المنظور.
وهذه الحرب (الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية)، دفعت أسعار الطاقة (بكل أنواعها) إلى مستويات، أجبرت الحكومات الأوروبية على طرح موازنات طارئة الواحدة تلو الأخرى لاستيعاب الزيادات التي يبدو أنها لن تتوقف، وسط مخاوف متصاعدة أن تستمر حتى حلول موسم الشتاء المقبل الذي يرتفع فيه الطلب.
المفوضية الأوروبية تريد القيام بعمل يبدو صعباً للغاية، يتعلق بتعديل طريقة حسابها المرتبطة حالياً بمؤشر سعر الغاز، ضمن سياق محاولاتها السيطرة على ارتفاع أسعار الطاقة، ولاسيما الكهربائية منها. فهي تعتقد أن هذا الربط كان جيداً عندما كانت فروقات الأسعار بين مختلف مصادر الطاقة معقولاً.
أما اليوم، فالأمر تغير، بحيث قفزت تكاليف الطاقة في منطقة اليورو بنسبة 41.9%، متأثرة بالطبع من ارتفاع أسعار الغاز بسبب الحرب المشار إليها. لماذا؟ لأن ثلث الإمدادات الأوروبية من الغاز الذي يستخدم لتوليد خمس الكهرباء في القارة، تأتي من روسيا، ما رفع بالتالي أسعار الكهرباء، وأضاف ضغوطاً أخرى جديداً على السكان الذين يعانون من واحدة من أكثر موجات التضخم عنفاً.
الدراسة التي تنوي المفوضية الأوروبية التوصل إلى استنتاجات واقعية من خلالها، تطرح مسألة القدرة على حساب الفروقات بين أسعار الغاز والطاقات الأخرى، بشكل مختلفة عما هو متبع الآن. ولعل الدافع الأهم لمثل هذه الدراسة، هي القناعة السائدة حالياً، بأن الحرب ستتواصل دون وجود أفق لها في المستقبل المنظور على الأقل.
ماذا يعني ذلك؟ يعني أن العمل يستهدف تجنب الارتفاع الكبير في أسعار الغاز، وتجنب أيضاً زيادة تكاليف كل من الطاقة المائية والشمسية والرياح، والمواءمة ما بين الحفاظ على أسعار طاقة مقبولة، وما بين ضمان المسار الأوروبي نحو بلوغ الحياد الكربوني بحلول العام 2050.
لكن يبدو واضحاً أن هذا الحراك لا يزال في مرحلته النظرية، وسط متغيرات تكاد تكون يومية. بينما لا توجد مؤشرات على إمكانية تحقيق نتائج فاعلة بهذا الصدد بحلول العام الجاري. وكلنا شهدنا في الآونة الأخيرة، كيف أن الفحم «المنبوذ» في القارة العجوز صار مقبولاً، بفعل نقص الإمدادات وارتفاع الأسعار، وزيادة الطلب.
في النهاية، هل يمكن فصل تعرفة الكهرباء في أوروبا عن سعر الغاز؟ من الصعب جداً أن يتم ذلك في هذه المرحلة بالتحديد. فالتطورات السلبية على صعيد الطاقة في منطقة اليورو، هي الأكثر حضوراً حالياً، وستبقى كذلك إلى أن يتمكن الأوروبيون من تكريس مفهوم «أمن الطاقة» في أوقات الحروب وفي أزمنة السلام.