عبدالله بن طوق المري
تجاوزت دولة الإمارات ودولة إسرائيل التوقعات للمرة الثانية في عامين، بالتوقيع على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة. وتعكس هذه الاتفاقية المهمة إيماننا العميق بأن مستقبل السلام والازدهار والاستقرار في الشرق الأوسط لا يمكن تحقيقه إلا عبر التعاون وتنفيذ المشاريع بشكل مختلف.
وكخطوة جديدة تعقب الاتفاق الإبراهيمي للسلام، ستؤسس اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل نموذجاً جديداً من التعاون البناء للمنطقة ككل، وستسرّع النمو، في ظل تخطي البلدين لجائحة كوفيد19- وتطلعهما إلى المرحلة التالية من النمو.
لا شك في أنه بعد زيادة التجارة البينية غير النفطية إلى مستوى قياسي بلغ 1.4 مليار دولار عام 2021، يمكن لهذه الاتفاقية أن تحفز التبادل التجاري بين دولة الإمارات ودولة إسرائيل ليتجاوز 5 مليارات دولار خلال العام الجاري ومضاعفة هذا الرقم في غضون خمس سنوات أخرى. كما تسهم هذه الاتفاقية في الوصول إلى هدف مضاعفة الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول عام 2030، بالتوازي مع خطط تحفيز نمو الاقتصاد الوطني وفقاً لمبادرات ومشاريع الخمسين.
وتوفر الاتفاقية العديد من الفرص الاقتصادية التي تتمحور حول تيسير حركة البضائع والاقتصاد الرقمي والتجارة الإلكترونية والأمن الغذائي والمائي وتعزيز أمن الطاقة في المنطقة، كما توفر الاتفاقية فرصاً لرجال الأعمال للاستثمار وفتح آفاق جديدة للنمو وتحقيق وصول أسرع وأسهل إلى الأسواق. ومن جانب آخر، ستحرر الاتفاقية الإمكانات غير المستغلة فيما يتعلق بتدفق البيانات عبر الحدود، وتوطين المعرفة، وتعزيز استخدام البلوك تشين وتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة. حيث إن هذه الاتفاقية لم يتم تصميمها وفقاً لاحتياجات الحاضر فقط، إنما لتلبي احتياجات الأجيال القادمة في منطقة الشرق الأوسط أيضاً.
وإدراكاً لقوة الاقتصاد الرقمي في البلدين، تمت صياغة الاتفاقية بعناية لضمان استفادة الطرفين من توسيع نطاق التكنولوجيا الجديدة في العقود المقبلة.
وتُركز الاتفاقية على الاستفادة من الأفكار الخلاقة والابتكار، خصوصاً في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر، والفضاء والتكنولوجيا والقطاعات الرقمية، إضافة إلى تعزيز سلاسل التوريد. بهدف بناء اقتصادات أكثر استدامة وخلق بيئة آمنة للتجارة الرقمية تضمن نموها وازدهارها.
لقد احتضنت الدولتان مجموعة من أنجح الشركات المليارية التكنولوجية في المنطقة، ومنها تطبيقا كريم وويز اللذان استحوذت عليهما أوبر وغوغل على التوالي. من المعروف أن دولة إسرائيل يُطلق عليها موطن المشاريع الناشئة (Start-up nation)، كما أن دولة الإمارات هي موطن لنمو الشركات الناشئة في المنطقة (Scale-up nation)، وقد شهدنا بالفعل عدداً من الشركات الإسرائيلية التي اختارت الانطلاق والتوسع من دولة الإمارات إلى العالم، منها شركات متخصصة في قطاعات تكنولوجية متقدمة. 
ولذلك فإن هذه الاتفاقية تم تأسيسها على نقاط القوة المشتركة بيننا، بصفتنا مركزين رائدين للشركات الناشئة في العالم خارج منطقة وادي السيليكون. سيوفر التعاون بين الدولتين منصة انطلاق للشركات المبتكرة، واستقطاب رؤوس أموال جديدة وفتح آفاق جديدة في مجالات العلوم والتكنولوجيا وريادة الأعمال، وإنتاج المزيد من الشركات المليارية التكنولوجية خلال السنوات المقبلة.
كما ستساهم الاتفاقية في تنمية قطاعات اقتصاد المستقبل ومن أبرزها اقتصاد الفضاء، وقد أعلنا مسبقاً عن خطط للتعاون في مهمة «بيرشيت 2» التي ستضع الخبرات المتراكمة في قطاع الفضاء بالبلدين جنباً إلى جنب للوصول إلى سطح القمر، بالإضافة إلى العديد من الفرص الأخرى للتعاون في هذا القطاع الحيوي.
وكونها ثاني اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة توقعها دولة الإمارات، فإنها ستوفر منافع اقتصادية كبيرة لكلا البلدين. وبفضل إلغائها للرسوم الجمركية على البضائع أو خفضها بنسبة تصل إلى 96%، فإنها ستحسن النفاذ إلى الأسواق بشكل كبير، وستعزز التدفقات الاستثمارية بشكل يُماثل اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة الموقعة مع جمهورية الهند. وستساعد الاتفاقية كذلك على تعزيز التعافي الاقتصادي وإضافة 1.9 مليار دولار إلى الناتج المحلي الإجمالي لدولة الإمارات بحلول العام 2030. 
وفي ظل التحديات التي تفرضها السياسات الحمائية والأحادية على استقرار التجارة العالمية، ستعمل دولة الإمارات ودولة إسرائيل معاً على تنسيق الجهود لاستعادة الثقة في إطار متعدد الأطراف يتحلى بالشفافية وقائم على قواعد محددة من أجل تحقيق الرخاء المتبادل، وتدرك الدولتان أن ترسيخ أواصر التعاون الاقتصادي لم يكن أبداً بمثل هذه الأهمية لاستقرار المنطقة. 
وفي ظل احتضان منطقة الشرق الأوسط لأكثر من 100 مليون نسمة من الشباب، فإن هذه المنطقة تتمتع بأكبر شريحة ديموغرافية شابة في تاريخها. لذا فمن الأهمية الاضطلاع بسياسة حكيمة وعملية لضمان حصول الأجيال القادمة التي تشكل نصف حجم سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، على فرصة للنجاح والازدهار. 
وتنبع أهمية هذه الاتفاقية من أنها اتفاقية للمستقبل، وتخدم مصلحة الشباب، هي اتفاقية الأمل والفرص، اتفاقية تمنح الشركات الناشئة ورواد الأعمال وأصحاب المشاريع والموظفين والمهنيين الثقة بأن مستقبلهم سيكون أفضل وبأن أحلامهم يمكن تحقيقها. ونتطلع إلى هذه الاتفاقية لتُساهم في خلق مسار جديد من الاستقرار والازدهار يعود بمنافع إيجابية كبيرة على المنطقة والعالم.
وزير الاقتصاد