القاهرة (رويترز) - في مجمع صوامع بمدينة بنها المصرية في دلتا النيل، يتابع أحمد ناصر شاحنة تلو أخرى وهي تُفرغ حنطة تم حصدها توا.
فمع غياب معظم القمح القادم من البحر الأسود نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا، تبذل مصر -ثاني أكبر دولة مستوردة للقمح بالعالم- قصارى جهدها للحصول على كل ما يسعها جمعه من المحصول المحلي الذي هو في أوجه الآن.
وتوفر الحكومة خبزا مدعوما بقوة لأكثر من 70 مليون نسمة، وقد وضعت هدفا طموحا لشراء ستة ملايين طن من القمح المحلي، أي ما يزيد عن ثلثي ما كانت تشتريه في أي من العامين الماضيين. ويبلغ عدد سكان مصر حوالي 103 ملايين نسمة.
وعمال الصوامع من أمثال ناصر يعملون ساعات إضافية.
المحصول جيد
وبعد بداية بطيئة، يقول المزارعون والمسؤولون إن المحصول جيد، لكن الزراع والحكومة كليهما ما زالا يواجهان ضغوطا كبيرة.
فبرنامج الدعم الغذائي في مصر يستلزم توافر حوالي تسعة ملايين طن من القمح سنويا. وفي السنة الماضية استوردت الحكومة 4.7 مليون طن، معظمها من روسيا وأوكرانيا، واشترت حوالي 1.9 مليون طن من الخارج للشحن في عام 2022. وهناك نحو 300 ألف طن عالقة في أوكرانيا، في حين تغلّف أجواء الضبابية الأسعار والإمدادات المستقبلية.
وبينما تسعى الحكومة لتعزيز احتياطيات القمح، تقول إن الزراع يجب أن يزودوا الدولة بما لا يقل عن 60% من محصولهم، ارتفاعا من 40% العام الماضي.
وتهدف القواعد إلى منع الزراع من حجب المزيد من محاصيلهم لاستخدامها علفا للحيوان ومنع التجار من بيع القمح في السوق المفتوحة.
من جانب آخر رفعت الحكومة سعر شرائها القمح بنسبة 22% مقارنة العام الماضي إلى ما بين 311.23 و318.40 دولار للطن، رغم أن هذا لا يزال أقل كثيرا من الأسعار في الأسواق العالمية، ويقول بعض المزارعين إن هذه الزيادة غير كافية.
وفي بنها إلى الشمال من القاهرة، قال المزارع أحمد سمير (59 عاما) إنه زرع هذا العام قمحا أقل في أرضه التي تبلغ مساحتها ثلاثة أفدنة بسبب ارتفاع أسعار العمالة وتكاليف أخرى.
وهو يعتزم بيع حوالي ثلثي قمحه للحكومة والاحتفاظ بالباقي للاستهلاك الخاص.
عائد مضمون
ويرى مزارعون مميزات في البيع للحكومة منها الحصول على عائد مضمون لمن هم مدينون أو يحتاجون لأموال عاجلة. واشترت الحكومة حتى يوم الخميس ثلاثة ملايين طن من المحصول المحلي في موسم الحصاد الذي يستمر حتى يوليو.
وربما كان التحدي الأكبر للحكومة هو التجارة مع طرف ثالث، وهو ما تحاول تقييده من خلال مطالبة الزراع بالحصول على تصريح لبيع القمح في السوق بعد الوفاء بحصصهم.
وارتفعت أسعار القمح العالمية التي عادة ما تكون أقل من أسعار القمح المصري إلى حوالي 450 دولارا للطن في أحدث مناقصة طرحتها مصر في أبريل، مما حفّز التجار على شراء القمح المحلي.
وقال اثنان من تجار القطاع الخاص إن بعض المطاحن الخاصة تعرض سبعة آلاف جنيه مصري (377 دولارا) لطن القمح المحلي بزيادة حوالي 1100 جنيه (59 دولارا) عما تقدمه الحكومة، لكن هذا يظل أقل بكثير من السعر العالمي.
ارتفاع التكاليف
وفي الأسابيع الأخيرة، تواترت تقارير إخبارية عن مصادرة الحكومة مئات الأطنان من القمح الذي تتاجر فيه مطاحن خاصة بشكل غير قانوني.
ومعاناة المزارعين من ارتفاع التكاليف ومنها تكاليف الأسمدة والعمالة تثير تساؤلات حول مسعى قديم لاستخدام الأراضي الصالحة للزراعة والمياه النادرة في توسيع رقعة الأراضي المزروعة بالقمح وتعزيز الاكتفاء الذاتي.
يقول حمادة، وهو مزارع عمره 45 عاما من محافظة المنيا الواقعة على بعد 220 كيلومترا جنوبي القاهرة، إنه زرع مساحات أكبر بالقمح هذا العام بعدما تشجع بارتفاع سعر الشراء. لكنه سرعان ما أدرك أن الأمر له تكلفته.