حسام عبدالنبي (دبي)
يتزايد الاهتمام العالمي بالاستثمار في العملات الرقمية يوماً بعد يوم، حتى إنه بات من المعتاد أن يشهد أي تجمع من الأفراد نقاشات حادة حول عملة «بيتكوين» بين فريق مؤيد بشدة ومستثمر أو راغب في الاستثمار، وبين فريق آخر رافض تماماً لفكرة العملات الرقمية ويرى أنها وهم كبير ومصيدة لأموال المستثمرين إلى جانب كونها تشكل فقاعة وخطراً على النظام المالي العالمي بسبب استخدامها في أغراض مشبوهة ومخالفة للقوانين.
ورغم أن ال «بيتكوين» تحديداً باعتبارها أول عملة رقمية يتم إصدارها والأشهر في عالم العملات الرقمية، تشهد خطوات نحو الاعتراف بها في بعض الدول، إلا أن الرافضين لها مازالوا يعترضون على وجودها بسبب عدم معرفتهم ببعض التفاصيل مثل ماهي «بيتكوين» وكيف نشأت؟، وكيف يتم تداولها والاستثمار فيها؟، ماهي مزاياها والاعتراضات عليها؟، ماذا يقصد بتعدين «بيتكوين»؟ ومن أين تستمد تلك العملة «الافتراضية» قوتها؟، وماهي الأسس التي يتم بناء عليها تحديد سعرها؟، وماهو نظام التشفير والبلوكتشين؟ وبماذا ينصح الخبراء الراغبون في التداول والمستثمرون المبتدئون بشكل عام؟ وهي تساؤلات مشروعة نجيب عنها من خلال التقرير التالي:
«بيتكوين»، أول عملة رقمية يتم إصدارها في عالم العملات الرقمية، وتم إطلاقها في عام 2009 بوساطة رجل يلقب باسم ساتوشي ناكاموتو وكان هدفه تفادي مشكلات النظام المالي القديم ولا أحد يعرف هوية هذا الشخص حتى الآن.
ولعملة «بيتكوين» خصائص مثلها مثل العملات المشفرة أو العملات الافتراضية وأبرزها أن وجودها افتراضياً وعبر شبكة الإنترنت فقط حيث لا يتم التداول إلا من خلال شاشات الكمبيوتر من دون وجود مادي كالعملات النقدية، والاحتفاظ بعملة «بيتكوين» يتم من خلال محفظة إلكترونية يكون لها مفتاح شخصي وكلمة سر لا يعرفها سوى صاحب المحفظة.
و«بيتكوين» تتميز بأنها عملة لامركزية أي أنه لا توجد سلطة أو جهة حكومية أو بنك مركزي يقوم بإصدارها أو التحكم في قيمتها ووضع السياسات الخاصة بها. وتتسم المعاملات الرقمية عبر «بيتكوين» أو غيرها من العملات الرقمية بأنها أكثر سهولة من المعاملات المالية الأخرى، والتي يتخللها وسطاء يرفعون ثمن خدمة تحويل الأموال. ويتم تحويل الأموال والتعامل الرقمي أيضاً بطريقة تتلاءم مع سمات عصرنا الحالي من حيث توفير الوقت والمجهود والسرعة في تنفيذ المعاملة. كما توفر تكنولوجيا التشفير ميزة عدم إمكانية تتبع المعاملات التامة بين شخصين مما يحفظ سريتها وخصوصيتها.
وتقدم عملة «بيتكوين» معاملات أقل تكلفة من المعاملات المالية بالطرق التقليدية، ولهذا تحظى بشعبية كبيرة بين المتابعين سواء المطورين لهذا المجال أو المستثمرين أو القائمين بعمليات التعدين حول العالم.
تجدر الإشارة إلى أن كل معاملة من خلال «بيتكوين» يتم الاحتفاظ بها في كتلة من سلاسل الكتل، حيث يتم تسجيل نوع وتاريخ المعاملة، ولا يمكن لأي أحد التلاعب في معلومة تخص المعاملات المكتملة أو يخدع هذا النظام. وهناك بعض الدول التي تسمح لأي شخص ليس لديه حساب بنكي أن يتعامل بعملة «بيتكوين» كبديل سريع وأمن لتحويل الأموال إلى أي مكان في العالم.
التعدين
أصبح مصطلح تعدين البيتكوين من المصطلحات المتداولة ويعني ببساطة العملية المسؤولة عن إصدار العملات من «بيتكوين» حيث يقوم الشخص القائم بالتعدين بحل ومعالجة عمليات حسابية معقدة بوساطة أجهزة كمبيوتر متقدمة ولها مواصفات معينة، وكنتيجة لهذه العملية يحصل من يقوم بالتعدين على البيتكوين، ولكن هذا لايعني الحصول على «بيتكوين» إلى ما لانهاية إذ أنه كل 4 سنوات يتم خفض مكافأة التعدين إلى النصف وذلك بهدف الحفاظ على قيمة العملة وقوتها وقدرتها على شراء السلع والخدمات المختلفة.
الاستثمار
يتم شراء عملة «بيتكوين» من منصات رقمية موثوقة وعمل محفظة رقمية للاحتفاظ برصيد العملات فيها، وعموماً المستثمر لا يقوم بالشراء فقط وإنما يختار الوقت المناسب لشراء العملة بأقل سعر محتمل لها في المرحلة التي يتم التداول فيها، ومن ثم ينتظر حتى يرتفع سعرها وتصل إلى مستوى مقاومة فيبيعها بالسعر المرتفع محققاً استفادة من فارق السعر بين عمليتي الشراء والبيع.
ويمكن للأفراد الاستثمار من خلال عقود الفروقات وهي وسيلة للتداول والاستثمار تتم خارج إطار البورصات حيث يتم التداول وإجراء صفقات البيع والشراء على منصات إلكترونية في أي وقت وفي أي مكان وفقاً للتحركات السعرية الحادثة في الأصل المالي وذلك دون امتلاك الأصل بشكل حقيقي.
ويتم الاستثمار من خلال عقود الفروقات من خلال الاشتراك مع شركة تداول تقدم خدمات التداول للمستثمرين ومن ثم يتم عقد الصفقات بناء على التغير في أسعار «بيتكوين» مقابل الدولار الأميركي والعملات الأخرى.
مصادر القوة
تستمد «بيتكوين» قوتها من العرض والطلب فكلما تزايد عدد المشترين، كلما ارتفعت الأسعار والعكس. وأيضاً يمكن القول إن الندرة النسبية هي أهم مصادر القوة حيث لا يمكن الحصول على «بيتكوين» بسهولة، وهناك عدد محدود من العملات الموجودة في السوق والمتاحة للتبادل مما ينظم عددها ويحكم مدى توافرها أو ندرتها. ويرى الخبراء أن «بيتكوين» والعملات المشفرة بشكل عام تعتبر من الوسائل السهلة لانتقال الأموال، وذلك يسهم في زيادة الطلب عليها مما يرفع من قيمتها فكلما زاد استخدامها كلما زادت أهمية وجودها في السوق وكلما أسهمت في حل مشكلات تواجه الأفراد في العصر الحالي وتالياً أصبح لها قيمة أعلى.
التشفير
يعتمد «بيتكوين» في التعاملات التي يكون طرفاً فيها على تكنولوجيا التشفير، ولذا يطلق البعض على العملات الرقمية مصطلح «العملات المشفرة» حيث يتم تبادل العملات الرقمية من مستخدم إلى آخر ولا يكون هناك أي طرف ثالث ينظم أو يكون وسيط في هذه المعاملات. ويتم تسجيل جميع المعلومات المتعلقة بالمعاملات المالية فيما يسمى بسلسلة الكتل أو البلوكتشين ويقصد بها قاعدة بيانات ضخمة ومعقدة لا يمكن التلاعب في بياناتها أو اختراق المعلومات المحفوظة بداخلها.
اعتراضات
رغم اتخاذ «بيتكوين» مكانة عالمية وانتشار واسع بين أوساط المهتمين بقطاع الاقتصاد والقطاع المالي، إلا أن هناك العديد من الاعتراضات التي تواجه استخدام «بيتكوين» وغيرها من العملات الرقمية، ومنها عدم وجود سلطة أو رقابة تنظم سلوكها بشكل عام، ما أدى إلى مخاوف حول استعمالها في نقل أموال غير مشروعة أو تمويل صفقات تتضمن أعمالاً غير قانونية، ولذلك جرمت العديد من الدول التعامل بالعملات الرقمية أو تعدينها.
ومن الاعتراضات أيضاً أن العملات الرقمية قد تشكل خطراً على النظام المالي القديم، وقد تسحب البساط عبر تحويل جميع المعاملات إلى تعاملات رقمية، ولكن في حقيقة الأمر فإن العملات المشفرة قد تكون هي البديل الطبيعي للعملات الورقية في المستقبل.
ونظراً لأن العملات الرقمية تشهد تحركات سعرية حادة وفجائية، فإن هناك اعتراضات على «بيتكوين» من ناحية استقرارها وكونها مخزناً للقيمة وذلك الأمر يجب الانتباه له عند إجراء الصفقات المختلفة، كما أن تعدين «بيتكوين» يحتاج إلى أجهزة بمواصفات جيدة ووحدات معالجة ورقائق إلكترونية أكثر تطوراً، ما يستهلك الكثير من الكهرباء ولا يتناسب ذلك مع الراغبين في دخول هذا المجال.
نصائح
ياسمين العلي، المستشارة المالية والخبيرة الاستثمارية، تنصح بعدد من النصائح قبل التداول على عقود فروقات «بيتكوين»، وأولها اختيار شركة تداول مرخصة ومراقبة من قبل الجهات التنظيمية المعروفة وتقدم خدمات جيدة.
وقالت، إنه من الضروري عدم التداول خلال الأوقات غير المستقرة، وبالنسبة للمتداولين الجدد فينصح بعدم التداول على «بيتكوين» قبل التدريب على حساب تجريبي لفترة لا تقل عن 6 أشهر. وأضافت أنه من المهم أيضاً اختيار منصة تداول سهلة الاستخدام مع التدريب على جميع أوامرها لاستغلالها الاستغلال الأمثل أثناء عقد الصفقات، مشيرة إلى ضرورة متابعة السوق بشكل جيد مع قراءة ومتابعة الأخبار المتعلقة بسوق العملات الرقمية، والثبات على استراتيجية معينة يتم من خلالها التعامل بشكل أفضل مع السوق وإتمام الصفقات وفق هذه الاستراتيجية.
وأوصت العلي، الراغبين في التداول، بإجراء عملية التحليل الفني بشكل دقيق، وعدم استخدام الكثير من الأدوات التي قد تعمل على تشتيت الانتباه، إذ أنه كلما كان التحليل بسيطاً كلما كان ذلك أفضل، موضحة أنه بوجه عام يمكن القول إن عقود الفروقات تعتمد على اختلاف الأسعار والتحركات التي قد تختلف من وقت لآخر.
واختتمت العلي، بالإشارة إلى أن الجهات الرقابية دائماً ما تحذر من الدخول إلى هذا المجال من الاستثمار من دون فهم ودراسة متأنية وواعية لاسيما وأن هناك بعض المخاوف من فقدان اهتمام المستثمرين بالعملات الرقمية لأي سبب أو وجود بديل تكنولوجي أخر مما يفقد العملات الرقمية بشكل عام قيمتها وتنخفض أسعارها بشكل كبير.
القبول
تخطو العملات الرقمية خطوات نحو الاعتراف بها واستخدامها في التعاملات اليومية، وهناك بعض الدول التي تصالحت مع العملات الرقمية مثل «بيتكوين» وتعاملت معها باعتبارها النقود المستقبلية. وقد انتشرت في العديد من الدول أجهزة الصراف الألي التي بإمكانها توفير «بيتكوين» حيث يمكن لأي شخص أن يشتري«بيتكوين» بوساطة العملات النقدية العادية أو بوساطة بطاقات الائتمان، وذلك بالإضافة إلى أن العديد من المتاجر والشركات في العالم تعترف بقيمة العملات الرقمية وتقبلها كنوع من وسائل الدفع المتاحة لديها.