فرانكفورت (أ ف ب) تلقي الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها على اجتماع يعقده البنك المركزي الأوروبي اليوم الخميس ويتوقع أن يقر خلاله نهجاً أكثر لونية في استراتيجيته النقدية، آخذا بصدمة التضخم والخطر على النمو. وستكون تبعات الحرب التي شنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على الدولة المجاورة في صلب مناقشات مجلس حكام المؤسسة المالية الأوروبية. وبلبلت هذه الأزمة الكبرى الرسالة التي أصدرها البنك المركزي الأوروبي في فبراير، حين مهّد للعودة إلى سياسته الطبيعية بعد عامين قدّم خلالهما دعماً كثيفاً للاقتصاد بمواجهة وباء كوفيد-19. وكان المحللون يتوقعون أن يعمد البنك الذي يتخذ من فرانكفورت مقرّا، في نهاية العام إلى زيادة معدلات فائدته الرئيسية التي لا تزال بأدنى مستوياتها التاريخية. غير أن الحرب على أبواب أوروبا والعقوبات الغربية المفروضة على موسكو ستنعكس على اقتصادات منطقة اليورو.
ركود تضخمي
وأوضح الخبير الاقتصادي في شركة آي إن جي (ING) للخدمات المالية كارستن بجيسكي أن مخاطر حدوث ركود تضخمي «ازدادت بشكل واضح». وتسارع ارتفاع التضخم بشكل مخيف في فبراير ليصل إلى مستوى قياسي قدره 5,8% في منطقة اليورو.
ومع الزيادة الجديدة في تكلفة المواد الأولية المرتبطة بالنزاع في أوكرانيا، رأى وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أن أزمة الطاقة «مشابهة» للصدمة النفطية عام 1973. ووصول سعر المحروقات إلى 2,20 يورو للتر وزيادة أسعار المواد الغذائية، ومن المتوقع أن تنعكس على النشاط الاقتصادي، لا سيما في ظل البلبلة المتواصلة في سلاسل الإمداد وتراجع الثقة.
التبعات الاقتصادية
غير أن خبير الاقتصاد الكلي كارستن بجيسكي يرى في المقابل أن «لا أحد قادر فعليا في الوقت الحاضر على تقدير التبعات الاقتصادية بالأرقام في منطقة اليورو». وسعياً لتبديد الغموض المخيم، يصدر البنك المركزي الأوروبي اليوم الخميس توقعات جديدة للاقتصاد الكلي تأخذ بالتبعات المرتقبة للنزاع في أوكرانيا.
واكتفت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد في الوقت الحاضر بإبداء «الاستعداد لاتخاذ أي إجراء ضروري» لضمان استقرار الأسعار، بدون إعطاء المزيد من المؤشرات حول نواياها. ولن يعمد البنك المركزي الأوروبي برأي فرانك ديكسمير المسؤول في شركة «أليانز دي آي»، إلى «إعادة النظر في تصميمه على تطبيع سياسة نقدية لا تزال متساهلة للغاية». لكن الخبير رجح أن «يتصرف بليونة» في ظل الغموض المحيط.
مشتريات السندات
ومن المتوقع أن يقر البنك وضع حد لـ«برنامج مشتريات السندات الطارئة للديون في ظل الجائحة»، وهو برنامج بقيمة 1850 مليار يورو باشره لمكافحة الانكماش الاقتصادي الناتج عن تفشي وباء كوفيد-19، في وقت يبدو الوضع الصحي الآن تحت السيطرة. في المقابل، من المتوقع أن يواصل البنك المركزي الأوروبي بوتيرة أبطأ برنامجه الثاني لدعم النمو الاقتصادي المعروف بـ«التيسير الكمّي» والقاضي بشراء سندات عامة وخاصة، «طالما أن ذلك يبقى ضروريا»، وفق ما أعلن في الأشهر الماضية.
برنامج جديد
لكن من المستبعد أن تؤكد لاجارد خلافاً لما فعلت حتى الآن، أن وقف البرنامجين سيليه تلقائياً رفع معدلات الفائدة الرئيسية لأول مرة منذ 2011. غير أنه من المتوقع أن تبدي لاجارد تصميم مؤسستها على الاحتفاظ بمرونة، مؤكدة في الوقت نفسه عزمها على مكافحة التضخم، في وقت يبدو الاحتياطي الفيدرالي الأميركي وبنك إنجلترا المركزي أكثر تصميما بكثير. وفي مواجهة توقعات للنمو تتخطى بشكل ثابت هدف 2% الذي حدده البنك المركزي الأوروبي، من المرتقب أن تتصاعد حدة الجدل بين حكام المصارف المركزية في منطقة اليورو.
ودعا بعضهم مؤخراً إلى «الحذر»، على غرار الإيطالي فابيو بانيتا العضو في مجلس حكام البنك المركزي الأوروبي، فيما يؤكد آخرون وفي طليعتهم رئيس البنك المركزي الأوروبي يواكيم ناجل المتمسك بنهج الصرامة المالية، على وجوب «مراقبة» الجدول الزمني لتشديد شروط الإقراض. ويرى ديكسمير أن البنك المركزي الأوروبي «لن يحيد عن قاعدة دعم الاقتصاد والأسواق في وضع أزمة»، وهو ما أثبته حتى الآن. ويمضي الخبير الاقتصادي في مصرف «يونيكريديت» إريك نيلسن أبعد من ذلك متوقعاً أن يبدأ في درس «برنامج مشتريات طارئة للديون في ظل الحرب»، بهدف احتواء مخاطر ارتفاع معدلات الفائدة على قروض دول منطقة اليورو.