يوسف البستنجي (أبوظبي) لم تكن غالبية الناس لتهتم أو تسأل ما هو «سويفت» لولا أنه تحول إلى أداة للصراع في العالم المعاصر، بل أداة خطيرة تهدد اقتصادات الدول، وسلاح يمكن أن يلحق أشد الأذى بالدول المستهدفة.

إن فصل أو تجميد عضوية إحدى الدول في نظام «سويفت» من شأنه أن يحاصر الدولة المستهدفة اقتصادياً ويعيدها إلى عصر التبادل التجاري البدائي، بشكل كامل دون الحاجة لإغلاق حدودها الجغرافية، أو تحريك جندي واحد من قواعده.

وتحركت الولايات المتحدة وحلفاؤها، أمس الأول، لمنع بنوك روسية معينة من الدخول على نظام سويفت العالمي للمدفوعات المالية بين البنوك، في إطار عقوبات جديدة على روسيا التي تواصل هجومها العسكري على أوكرانيا.

فما هو «سويفت»؟

بدايةً، تعتبر كلمة «سويفت» أو (SWIFT) هي اختصار للمسمى الرسمي الكامل لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، وهي جمعية غير ربحية تم تأسيسها عام 1973 مقرها في بروكسل ببلجيكا، مملوكة لأعضائها من البنوك والشركات المالية والمؤسسات التي تنطبق عليها شروط العضوية وعددها يتجاوز 11 ألف مؤسسة، وتعمل في 200 دولة ومنطقة حول العالم.

لقد قامت هذه الجمعية بإنشاء قناة الاتصالات الأساسية للمؤسسات المالية العاملة في مجال البنوك المراسلة في جميع أنحاء العالم، عام 1977 لتقدم الطريقة الأكثر أماناً وفعالية من حيث التكلفة والموثوقية لنقل الرسائل المالية المتعلقة بالمدفوعات والأوراق المالية والخزينة والتجارة، لتحل محل تقنية التلكس (نصف اليدوية) التي كانت تستخدمها البنوك على نطاق واسع لتوصيل التعليمات المتعلقة بالتحويلات عبر الحدود.

ولأن نظام «سويفت» هو نظام إلكتروني بالكامل آمن وموثوق، مجرب على مدى عدة عقود، ويفي بمتطلبات ومعايير التحويلات المالية المطلوبة للبنوك والشركات المالية، ويصعب اختراقه، أصبح العمود الفقري للاتصالات المالية العالمية، ولنظام المدفوعات بين البنوك والأسواق العالمية الضرورية لتسديد وتحويل الأموال اللازمة للتجارة والاستثمار.

إن أهم ما يميز سويفت أنه النظام الوحيد الشامل الآمن بالكامل، على مستوى العالم القادر على تحويل مدفوعات وأموال، مهما بلغت قيمتها، خلال وقت قصير جداً وبدون تكلفة تذكر، حتى لو كانت بمئات الملايين من الدولارات.

الأنظمة البديلة لـ «سويفت»

هناك أنظمة إلكترونية تستخدم اليوم في التجارة الإلكترونية والمدفوعات في النظام الاقتصادي الدولي، منها ما هو عالمي ومنها ما هو محلي يستخدم داخل حدود أسواق معينة فقط، ومن هذه الأنظمة المعروفة عالمياً اليوم، على سبيل المثال: (pay pal) و(google pay) و(apple pay) وغيرها الكثير من الأنظمة والمنصات الإلكترونية والرقمية التي يمكن من خلالها تنفيذ المدفوعات والحوالات المالية، لكن جميع هذه الأنظمة والمنصات محدودة من حيث قدرتها على استيعاب الحوالات والدفعات المالية الكبيرة، التي تحتاجها حركة التجارة والاستثمار الدولية، ومعظم هذه الأنظمة تقتصر تعاملاتها على الحوالات والمدفوعات التي لا تتجاوز عدة آلاف من الدولارات فقط.

العملات المشفرة

تظهر في هذه الأثناء أهمية الدفع بوساطة العملات الافتراضية، مثل بتكوين، والتي تبدو للوهلة الأولى، حلاً مقبولاً نسبياً ليحل محل الـ «سويفت» ولاسيما بعد ارتفاع سعر العملة المشفرة إلى 60 ألف دولار في نوفمبر الماضي، وعلى سبيل المثال يبلغ سعرها بحدود 37 ألف دولار، ولذا فإن تحويل 10 وحدات من بتكوين يساوي 370 ألف دولار، ويعتبر هذا المبلغ مقبولاً نسبياً لتغطية حصة كبيرة من المدفوعات اللازمة للتبادل التجاري عبر الحدود، لكن مشكلة هذا الأداة أن أسعارها غير مستقرة وهامش حركتها واسع جداً، بحيث يصعب على التجارة الدولية تحمل فرق التذبذبات في هذا السعر.

نظام سي آي بي إس الصيني

Chinas international payments system CIPS وهو نظام للمدفوعات والحوالات النقدية أسسته الصين في 2012 وبدأ العمل به عام 2015، ومع أن الصين تستخدم نظام «سويفت»، إلا أنها لجأت لتأسيس نظام مدفوعات عابر للحدود خاص بها كخطوة احترازية بعد بدء ظهور بوادر على إمكانية استخدام الدولة الغربية نظام سويفت للضغط عليها. وتظهر الإحصائيات الصادرة عن بنك الشعب الصيني أن نظام (سي آي بي إس) يحقق نمواً باستمرار منذ إطلاقه، حيث وصلت قيمة الحوالات والمدفوعات بين البنوك العابرة للحدود من خلال هذا النظام نحو 300 مليار يوان يومياً. ويشار إلى أن الكثير من البنوك الروسية هي عضو بهذا النظام الصيني منذ عدة سنوات، لكن عدد البنوك والشركات المالية المشتركة في هذا النظام تضاعف في العامين الأخيرين. ومع أن هذا النظام مرشح حالياً للنمو بشكل كبير في ظل العقوبات الغربية التي فرضت على غالبية البنوك الروسية عبر تجميد عضويتها في سويفت، إلا أن النظام الصيني مازال محدوداً من حيث الانتشار الجغرافي، وتشير بعض البيانات المتوفرة إلى انتشار جزئي لهذا النظام في شرق آسيا وعدد من البنوك الهندية. نظام التلكس هو النظام القديم الذي كانت تستخدمه البنوك في التحويلات المالية العابرة للحدود قبل بدء استخدام نظام سويفت، وهو نظام نصف يدوي ومعرض للأخطاء، كما أنه بطيء وعقيم، ورغم ذلك إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى متوفرة للتحويلات العابرة للحدود بين البنوك، فإن هذا النظام ما زال متاحاً ويمكن استخدامه لحل المشكلة جزئياً.

نظام سويفت في الإمارات

يبلغ عدد أعضاء شبكة سويفت في دولة الإمارات 180 عضواً، هم البنوك والشركات المالية وشركات الصيرفة وبعض الشركات الحكومية والشركات العامة والمؤسسات الكبرى، التي تنطبق عليها شروط العضوية في سويفت، وهي في جوهرها بشكل عام أقرب إلى البنوك. وتعتبر الإمارات الدولة الأولى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من حيث عدد البنوك والشركات الأعضاء في سويفت، وكذلك من حيث حجم وقيمة التحويلات المالية العابرة للحدود. كما تعتبر دولة الإمارات الوحيدة في المنطقة التي لديها لجنة وطنية لـ «سويفت».