انطلاقاً من جوهر التسامح والتعايش الإنساني، وتعزيز مفاهيمه باعتباره تقاربًا إنسانيًا عالميًا يدعو إلى الأخوة والانسجام واحتضان الأديان والثقافات مع بعضها البعض، بما يعزز فضيلة ثقافة السلام البشري من خلال تجسير المسافات الفكرية والعقائدية المختلفة.
ومن الثابت أنه تجسدت ملحمة الأخوة الإنسانية في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ نشأتها، نابعة من فكر وأصالة وقيم شعبها وترجمة الآباء المؤسسين رحمهم الله. إنه انعكاس لحقيقة أن المفاهيم الإنسانية التي تغذيها المعرفة والانفتاح والتواصل وحرية الرأي متجذرة بعمق في دلالاتها مع الثقافات المختلفة، وتشكل جزءًا من النسيج الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وكانت ولا تزال عنصرًا ساهم في نهضتها الكلية.
لذلك، وكسياق لأسس سياساتها وأجندتها واستراتيجياتها وأهدافها التنموية الوطنية بما يخدم مكانتها ومركزها، وكحاضنة للازدهار والمسؤولية، وكمجتمع ينضح بفضيلة السلام وغني بالثقافات والتنوع البشري، فلم تستثن أي  من حاضنات التنمية البشرية بأبعادها وتطورها، والتي اهتمت بها الدولة، إيمانا منها بأن الإنسان هو العنصر الأساسي في أي عملية تنموية، وأن التسامح والتعايش وانخراط الآخرين هو ما يخلق بيئة سلمية وحيوية تؤسس للولاء والانتماء والثناء، وتعزز مقومات الإنتاجية والتصنيع وريادة الأعمال.
وتؤكد دراسات التطور التاريخي للمجتمعات، والاقتصاد التطوري، وعمليات التنمية، والتطور البيولوجي، ورواد الليبرالية بوضوح، مدى حدوث تغييرات إيجابية طويلة المدى في مجتمع متعدد الثقافات من حيث كمية وتدفق الابتكارات والاختراعات وتعدد الأفكار وسلاسة انتقالها، وتطور أساليب الإنتاج وتعدد العمليات التنافسية وما ينتج عنها من ازدهار للثروة وجاذبيتها الاقتصادية والتجارية ووفرة الفكر واستقراره. وبالتالي، لم يكن هذا ممكناً لولا ثقافة السلام والتكامل الخاضعة للتسامح والتعايش وديناميات تأثيرها على التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
وتجدر الإشارة إلى أن النسيج المتنوع يخلق تنوعاً في المعرفة العامة والقدرات الابتكارية المتعددة، مما يزيد من النهُج السلوكية المختلفة لإشعال القدرة التنافسية بين قطاعات الأعمال وتعدد مناورات صنع القرار القائمة على التفكير التعددي الناتج عن هذا التجانس. بالمعنى المجازي، لن يصبح الاختراع ابتكاراً إذا لم تسد العوامل الإيجابية في بيئة متجانسة. هذا التجانس يدفع القطاعات إلى توليد الأفكار وخلق مجال تنافسي إيجابي قائم على البحث والتطوير وهيمنة عوامل الابتكار، وهذا لن يحدث طالما لا توجد معرفة عامة ومفتوحة مشتركة بين النسيج الاجتماعي المتعدد داخلياً وخارجياً.
وهكذا، وكإسقاط لفضيلة السلام، تبنت الدولة الانسجام الفكري والأيديولوجي لدمج التعددية القائمة على سمو الأخوة الإنسانية. ويؤكد أن لهذا التنوع دوراً إيجابياً في التنمية البشرية، بما في ذلك الابتكارات والمعرفة المؤسسية والتكنولوجيا والإدارية والتجارية وغيرها في سياق تطوير أنظمة بأكملها.