مصطفى عبد العظيم (دبي)

شهدت البنية التشريعية الاقتصادية في دولة الإمارات العربية المتحدة خلال الفترة الماضية، مرحلة استثنائية من التطوير والتحديث التشريعي من خلال إجراء تغييرات قانونية نوعية ترسخ المكانة الاقتصادية للدولة، وتعزز مكانتها وتنافسيتها وموقعها على خريطة اقتصاد المستقبل، وتلبى تطلعاتها بإحداث تطورات جوهرية في نموذجها الاقتصادي ليكون أكثر مرونة واستدامة وتنوعاً، وبنهج استباقي واستراتيجيات متكاملة وطويلة المدى تستوفي شروط النمو المستدام وفق محددات مئوية الإمارات 2071.
وحظيت القطاعات الاقتصادية المختلفة بنصيب الأسد من التحديثات التشريعية التي اعتمدها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة (حفظه الله) تزامناً مع احتفالات الدولة باليوبيل الذهبي لقيام الاتحاد، والتي جاءت ضمن أكثر من 40 قانوناً والتي مثلت التطوير الأكبر من نوعه في البيئة التشريعية، لتكون دولة الإمارات في مستهل الخمسين الجديدة الأفضل في بيئة الأعمال، والأفضل في التشريعات الاقتصادية، والأفضل في جاذبيتها للشركات والمستثمرين ورواد الأعمال والمواهب من مختلف أنحاء العالم وفي مختلف القطاعات الحيوية والاستراتيجية.
وتضمنت التعديلات تطوير بنية تشريعية تشمل قوانين ذات علاقة بالقطاعات الاستثمارية والتجارية والصناعية، وقوانين الشركات التجارية، وتنظيم وحماية الملكية الصناعية، وحقوق المؤلف، والعلامات التجارية، والسجل التجاري، والمعاملات الإلكترونية وخدمات الثقة، والتخصيم، وقانون دخول وإقامة الأجانب وقانون القواعد العامة الموحدة للعمل، بالإضافة إلى القوانين ذات العلاقة بالمجتمع وأمن أفراده.
وأشرفت وزارة الاقتصاد على 5 تشريعات من أصل الـ 40 قانوناً، شملت المرسوم بقانون اتحادي رقم 32 لسنة 2021 في شأن الشركات التجارية، والمرسوم بقانون اتحادي رقم 37 لسنة 2021 في شأن السجل التجاري، وقوانين منظومة الملكية الفكرية التي تضمنت: المرسوم بقانون اتحادي رقم 26 لسنة 2021 في شأن العلامات التجارية، والمرسوم بقانون رقم 38 لسنة 2021 في شأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، إلى جانب القانون الاتحادي رقم 11 لسنة 2021 في شأن تنظيم وحماية حقوق الملكية الصناعية.

  • علي الزرعوني

تطورات تشريعية استثنائية
قال المحامي علي إسماعيل الزرعوني، المدير الشريك في مكتب هورايزونز للمحاماة، إن البيئة التشريعية في دولة الإمارات بوجه عام، شهدت خلال السنوات الثلاث الأخيرة تطورات غير مسبوقة خلال مسيرة الخمسين عاماً الأولى من عمر الاتحاد، بالنظر إلى التعديلات والقوانين الجديدة التي تم إصدارها خلال هذه الفترة القصيرة، مشيراً إلى أن رؤية القيادة الرشيدة للمستقبل، كانت واضحة بشأن أهمية العمل على تطوير وتحديث المنظومة التشريعية في الدولة وخاصة المتعلقة بالاقتصاد والتجارة والاستثمار والتحول الرقمي، وذلك لمواكبة المستقبل ببنية تحتية تشريعية الأكثر تطوراً وحداثة على مستوى العالم.
وأوضح الزرعوني، أن التعديلات والقوانين الجديدة التي تم إصدارها، تهدف جميعها لمواكبة التطور الاقتصادي والرقمي والمعرفي، الحاصل في العالم، خاصة في مجال الأعمال الرقمية والعملات المشفرة والابتكار وحقوق الملكية، والمعاملات الإلكترونية، لافتاً إلى أن التعديلات التي تم إدخالها كذلك على قوانين الهجرة، التي، ورغم أن لا علاقة لها مباشرة بالتجارة، إلا أنها عامل مؤثر في تحفيز المنظومة الاقتصادية، فنظام الإقامة للأجانب سيؤسس لبيئة اقتصاد جيدة من خلال الإقامات الطويلة والذهبية، مما يشجع على جذب المبتكرين ورؤوس الأموال والمستثمرين وعائلاتهم للإقامة في الإمارات، متوقعاً أن تشكل القوانين الجديدة محركاً رئيسياً لنمو اقتصاد المعرفة والابتكار والتكنولوجيا خلال المرحلة المقبلة، وتعزيز ممكنات التنويع الاقتصادي ومرونة وتنافسية بيئة الأعمال واستقطاب المواهب.

تعزيز القدرات التنافسية
وأشار الزرعوني، إلى أن تطوير المنظومة التشريعية الاقتصادية، ضمن تشريعات الخمسين لم تكن وليدة اللحظة، وإنما كانت بتوجيهات القيادة الرشيدة منذ عدة سنوات، لافتاً إلى أن صدورها جاء في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي والإقليمي منافسة قوية لجذب الاستثمارات الأجنبية ورؤوس الأموال والشركات لتسريع تعافي الاقتصاد من تداعيات جائحة كوفيد-19، الأمر الذي مكن دولة الإمارات من تعزيز قدراتها التنافسية الاقتصادية وأن تأتي في صدارة الاقتصادات الأسرع تعافياً، وهو ما تعكسه التدفقات الاستثمارية الضخمة والنمو الكبير في المستثمرين ورواد الأعمال والمبتكرين.
وأوضح الزرعوني أن التعديلات والتشريعات الجديدة من شأنها أن تسهم في الارتقاء بموقع الدولة في العديد من مؤشرات التنافسية العالمية الصادرة عن المؤسسات الدولية، خاصة المؤشرات المتعلقة بالتشريعات وإنفاذ القانون وحماية المستثمرين وسهولة الأعمال، لافتاً إلى أن توفير البيئة المواتية للأعمال والمعززة ببنية تشريعية مرنة ومتطورة تتسم بالوضوح والشفافية، يأتي في مقدمة أولويات المستثمرين.

تسريع الدورة التشريعية
وأوضح الزرعوني أن الدورة التشريعية في الإمارات شهدت تطوراً كبيراً في سرعة إنجاز التشريعات والقوانين، بعد أن تم إلغاء العديد من الحواجز التشريعية ومعالجة كافة الأمور الإجرائية التي كانت تطيل فترة إصدار القوانين، مشيراً إلى أنه في السابق كانت دورة التشريع بطيئة جداً، وأن إصدار قانون أو تغييره كان يستغرق سنوات عديدة بداية من صياغة المسودة، وصولاً إلى إقراره والموافقة عليه لإصداره.
ولفت إلى أنه في السابق كانت الوزارة المعنية هي التي تقوم بصياغة مسودة القانون من دون مشاورات كثيرة مع القطاع الخاص والأطراف ذات الصلة، وكان يعرض فقط على بعض الجهات الحكومية لإبداء الرأي، ثم ينتقل إلى مجلس الوزراء ثم إلى المجلس الوطني، الذي يقوم بدوره التشريعي من خلال التعرف على آراء القطاع الخاص في القانون المقترح، والذي بدوره يبدي ملاحظات جوهرية كثيرة على مثل هذه القوانين، فتعود الدورة مرة أخرى إلى الوزارة.

إشراك ذوي المصلحة 
وأضاف الزرعوني أن الوضع تغير الآن، حيث لا يتم عرض مسودة قانون على المجلس الوطني إلا بعد أن تتم مناقشته وتمحيصه من أصحاب المصلحة وجميع الأطراف ذات الصلة، لهذا عند وصول القانون للمجلس الوطني يكون شبه خالٍ من العيوب، بالتالي لا يستغرق المجلس وقتاً طويلاً في مناقشته في ظل عدم وجود تعديلات جوهرية، الأمر الذي ساهم في اختصار الدورة التشريعية لكثير من القوانين إلى أقل ثلاثة أشهر.
وأشار الزرعوني إلى أن القوانين الجديدة كان وراءها عمل جبار من كل الوزارات والجهات المعنية، حيث تمت مشاركة جميع القطاعات الاقتصادية في صياغتها، من خلال لجان مختلفة شملت رجال القانون في التشريع والمحامين والقضاة والتجار وممثلي القطاع الخاص والشركات الوطنية والأجنبية لأخذ الآراء تضمنت التجار ورجال قانون في التشريع ومحامين وقضاة والقطاع الخاص والشركات الوطنية والأجنبية، وذلك لإبداء الرأي لإعطاء الرأي، مشيداً بالدور الكبير لمجلس الوزراء والمجلس الوطني الذي يعمل بشكل متواصل حتى خلال فترة العطلة البرلمانية لضمان سرعة إنجاز القوانين، خاصة تلك التي تتعلق بترسيخ مكانة الدولة وتعزيز قدراتها التنافسية والاقتصادية والاستثمارية.

نوعية ومرونة التشريعات
وأشار الزرعوني إلى أن أهم ما يميز المنظومة التشريعية في دولة الإمارات حالياً هو مرونتها في إصدار قوانين وحجم ونوعية هذه القوانين، فالكثير من التشريعات الجديدة في دولة الإمارات ليست متوفرة في دول أخرى متقدمة، مثل القوانين المرتبطة بالمعلومات والتكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي، والفضاء.
وأضاف أن المرونة التشريعية انعكست كذلك في اختصار بعض القوانين ودمجها في قانون واحد، كما حدث في قانون الاستثمار الأجنبي الذي تم الاستغناء عنه بتعديلات جوهرية في قانون الشركات، مؤكداً أن البيئة التشريعية في دولة الإمارات انتقلت من مرحلة توفر البيئة التشريعية الكاملة إلى مرحلة البيئة التشريعية الفعالة والمدمجة، مشيراً إلى أن التغيرات المتسارعة في العالم في العصر الراهن، قد تفرض في كثير من الأحيان إدخال تعديلات على قوانين ربما لم يمر على صدورها سنة واحدة، لهذا فإن فكرة وجود قوانين تصلح للعمل بها لعقود طويلة قد تغيرت إلى حد بعيد.

محرك رئيس لاقتصاد المعرفة
تزامناً مع احتفالات الدولة باليوبيل الذهبي وتدشين مسيرة الخمسين الجديدة، يتوقع أن يكون للقوانين الجديدة دور محوري في تحقيق نقلة نوعية في بيئة التشريعات الاقتصادية في الدولة تستند إلى أهداف ومبادئ الخمسين، حيث تم تطويرها وتحديثها بتوجيهات القيادة الرشيدة وانسجاماً مع رؤيتها للمستقبل، وبما يراعي أفضل النماذج والدراسات المقارنة وبالتعاون بين مختلف الجهات الحكومية المعنية مع القطاع الخاص والمؤسسات الأكاديمية والشركاء العالميين. وستكون القوانين الجديدة محركاً رئيسياً لدفع مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في الدولة خلال المرحلة المقبلة، والقائمة على المعرفة والابتكار والتكنولوجيا والمواهب، وتعزيز ممكنات التنويع الاقتصادي ومرونة وجاذبية بيئة الأعمال وتنافسيتها العالمية.