حسونة الطيب (أبوظبي)

للحماس الذي يرتبط بظهورها وسهولة قيادتها، تشهد السيارات الكهربائية إقبالاً كبيراً من الناس لاقتنائها. ورغم انخفاض تكلفة البطاريات، ومن ثم أسعار السيارات، لكن لا يعني التحول لتبني هذا النوع من السيارات، مجرد المتعة والإثارة. ومن بين كل ألف سيارة، توجد واحدة تعمل بالكهرباء.
وإذا كان قطاع النقل العالمي، مسؤولاً عن 25% من انبعاثات الكربون، فإن السيارات التي تجوب طرقات العالم، تستحوذ على 75% من هذه النسبة. وفي حال تطلع العالم لتحقيق نسبة الصفر من الانبعاثات بحلول 2050، فمن الضروري وعلى الفور، أن تحل السيارات التي تعمل بالكهرباء محل نظيراتها العاملة بالوقود التقليدي، بحسب ذا إيكونيميست.

انبعاثات الكربون 
عدد الذين قاموا بشراء سيارات كهربائية في 2021 والمقدر بنحو 6 ملايين، لا يتعدى سوى 8% من إجمالي شراء السيارات، الرقم الذي ينبغي أن يشكل أكثر من 65% بحلول 2030 وما لا يقل عن 100% عند العام 2050، لتحقيق النسبة المستهدفة من انبعاثات الكربون عند الصفر. وتعبر القيمة السوقية الضخمة لشركة تسلا وللقادمين الجدد مثل، ريفيان التي تعمل في تصنيع الشاحنات الكهربائية والشركات الصينية المتخصصة في صناعة أنواع راقية من هذه السيارات، عن ثقة تعانق السماء في هذا القطاع. كما لا تقل الشركات العاملة في تصنيع البطاريات حماساً ونمواً.
وبصرف النظر، عن أناقة هذه السيارات وما تتزود به من أخر التقنيات الإلكترونية التي تشهد على ثورة السيارات الكهربائية المقبلة، يشكل شح محطات الشحن الكهربائي، مطباً عنيداً في طريق انطلاق هذه السيارات. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة، يحتاج العالم بنهاية العقد الحالي، لنحو 40 مليون محطة شحن، باستثمارات تقدر بنحو 90 مليار دولار سنوياً حتى عام 2030. ولتحقيق نسبة الصفر المستهدفة من الانبعاثات، ينبغي توفير ما لا يقل عن 200 مليون نقطة شحن بحلول 2050.
من الواضح، أن الالتزامات الحكومية الحالية بالتخلي عن سيارات الاحتراق الداخلي، والتحول نحو تبني السيارات الكهربائية، تعني أن المبيعات التي تتسق مع تحقيق هدف صفر من الانبعاثات، غير مرجحة. 

البنية التحتية
وحتى في حال، تهدئة موجة إنتاج السيارات الكهربائية، فإن العالم في حاجة لإنفاق مبالغ طائلة، لإرساء البنية التحتية المطلوبة لنقاط الشحن. وفي حال بلوغ المبيعات دون 35% من إجمالي مبيعات كافة السيارات الأخرى، بحلول 2030، لا يزال القطاع يتطلب استثمارات بنحو 600 مليار دولار تقريباً، بحلول 2040. أما في حال تحقيق صفر من الانبعاثات عند 2050، ينبغي حشد ما لا يقل عن 1.6 تريليون دولار من كافة أنواع الاستثمارات المطلوبة في القطاع.
لا تقتصر مشكلة السيارات الكهربائية، على شح نقاط الشحن وحدها، بل يضاف إليها عدم الخبرة الكافية في مجال التشغيل في قطاع محطات الشحن. وعلى الورق، تتجاوز نقاط الشحن عدد السيارات. وتقول المفوضية الأوروبية مثلاً، إن كل 10 سيارات تتطلب نقطة شحن واحدة، بينما تتوفر الآن نقطة واحدة لكل 5 سيارات في دول الاتحاد الأوروبي والصين و9 في أميركا، بحسب مجموعة بوسطن الاستشارية. 
وفي بحث أجرته مؤسسة أليكس بارتنرز الاستشارية، في 7 دول تشكل 85% من المبيعات العالمية للسيارات الكهربائية، تحل تكلفة السيارة في الترتيب الثالث، في قائمة الأسباب التي تحول دون التحول لاقتناء هذا النوع من السيارات، بينما تتعلق بقية الأسباب بنقاط الشحن. 
من بين الفوائد التي تصب في مصلحة السيارات الكهربائية، إمكانية شحنها في مقرات العمل والسكن. وفي أميركا مثلاً، 70% من المنازل تتوفر لديها مواقف بجانب الطرقات، بعضها مزودة بنقاط شحن، النسبة التي تقل في أوروبا والصين. ووفقاً لمجموعة بوسطن، شكل طلب الطاقة لأغراض الشحن في المنازل وأماكن العمل، ما قارب 75% من الطلب الكلي في أميركا في 2020، ونحو 70% في أوروبا و60% في الصين.
وعادة ما تكون الموديلات الحالية، مزودة ببطاريات لقطع مسافة قدرها 250 ميلاً (400 كيلو متر)، بينما تسير أخرى لمسافة أبعد تصل لنحو 400 ميلاً. وفي حين تقدر المسافة اليومية التي يقطعها الأميركي بنحو 30 ميلاً، ودون ذلك بالنسبة لكل من الأوروبي والصيني، يبدو أن نوعين من أجهزة الشحن، منسابان لتزويد السيارات سواء في دور العمل أو السكن. هذه الأجهزة صغيرة الحجم ويمكن حملها في الجيب وقليلة التكلفة ومدعومة من قبل الحكومات.

3 أنواع من نقاط الشحن 
يوجد 3 أنواع من نقاط الشحن، على مواقف الطرقات، وفي المرافق العامة مثل، مراكز التسوق والمطاعم ودور الترفيه وغيرها، وعلى الطرقات الرئيسية والسريعة. تتراوح تكلفة محطة الشحن بالنسبة للنوعين الأولين، بين 2 إلى 10 آلاف دولار، بينما يناهز النوع الثالث وهو الشحن السريع، 100 ألف دولار. 
كما يوجد 3 أنواع من الشركات التي تسيطر على سوق شحن السيارات الكهربائية في الوقت الراهن، تشمل الكبيرة مثل تسلا، التي تملك شبكة سوبرتشارجر بنقاط تصل لنحو 30 ألف موزعة حول العالم. وكذلك بي أم دبليو وفورد ومرسيدس بنز، التي أنشأت شبكة زيونتي بالشراكة مع فولكس فاجن، بعدد محطات يتراوح بين 1.5 إلى 7 آلاف بحلول 2025. كما تخطط جنرال موتورز، لإنفاق 75 مليون دولار، بغرض إنشاء 40 ألف محطة شحن. 
وتشكل المؤسسات الخاصة النوع الثاني مثل تشارد بوينت، التي ربما تصل قيمتها السوقية لنحو 7 مليارات دولار. وتستحوذ هذه المؤسسة، على %44 من سوق نقاط الشحن العامة في أميركا. وكذلك إي في بوكس الهولندية، التي تملك 30 ألف محطة شحن حول العالم. 
وبتخوفها من فقدان نشاطها في محطات الوقود، تمثل شركات النفط، النوع الثالث عبر إنشاء مشاريع طموحة. وتخطط شل، بعد استحواذها على يوبيترسيتي الأوروبية، لبناء 500 ألف نقطة شحن حول العالم بحلول 2025. وتعكف كل من بي بي وتوتال في الوقت الحالي، على شراء مؤسسات شحن أيضاً.
تحيط بعض الشكوك بالسرعة المطلوبة لطرح هذه المحطات. وبدلاً من 40 مليون محطة شحن عامة يحتاجها العالم بحلول 2030، حتى يتمكن القطاع من بلوغ نسبة الصفر المستهدفة من الانبعاثات بحلول 2050، لا يتعدى عدد نقاط الشحن في كل من أميركا وأوروبا والصين، التي تمثل السوق الرئيسة للسيارات الكهربائية، سوى 6.5 مليون فقط. وعلى صعيد الحكومات، رصدت أميركا 7.5 مليار دولار لبناء 500 ألف محطة عامة بحلول 2030. وتطال الحكومة البريطانية، مقرات العمل والسكن والمرافق العامة، بإنشاء نقاط شحن، ما يسفر عن إضافة 145 ألف محطة سنوياً. 
لا يزال الرقم متواضعاً، بالمقارنة مع شبكات الشحن الكثيرة التي يحتاجها العالم حالياً. كما يحتاج العالم، للمزيد من الأموال لتحديث شبكات الكهرباء، بُغية توزيع الكهرباء لهذا المصدر الجديد من الطلب. لكن ما يدعو للتفاؤل، عمليات التحسين في البطاريات التي تدعم زيادة المسافة التي تقطعها السيارات، ما يقلل عدد الزيارات لنقاط الشحن. ستكون البطاريات الجديدة، قادرة على الشحن بسرعة أكثر، فضلاً عن سرعة شحن المحطات نفسها.