مصطفى عبد العظيم (دبي)

نجح اقتصاد دولة الإمارات خلال عام 2021، في ترسيخ مسار تعافيه من آثار جائحة «كوفيد-19»، والعودة السريعة باتجاه الانتعاش المتوقع خلال عام 2022، والذي من المرجح أن يتراوح متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي خلاله ما بين %4.6 و%6.5، وفقاً لتقديرات مؤسسات اقتصادية ومالية دولية.
وبشهادة هذه المؤسسات، تمكن اقتصاد الإمارات في تحقيق المعادلة الصعبة، مستفيداً من قاعدة التنويع الاقتصادي التي يتمتع بها مقارنة من العديد من الاقتصادات النفطية، والتي ساهمت بشكل كبير في دفع عجلة التعافي، خاصة خلال الفترة التي سبقت الارتفاعات الأخيرة في أسعار النفط والتي قادت إلى تحسن العائدات النفطية. ووفقاً لتقارير المؤسسات الدولية، أسهمت القطاعات غير النفطية في دولة الإمارات في تعزيز النمو الكلي  بشكل لافت خلال عام 2021، خاصة في ضوء النجاح الكبير الذي يحققه «إكسبو 2020 دبي» والذي جذب إليه ملايين الزوار في الأشهر الثلاثة الأولى من انطلاقه، وانعكاسه القوي على القطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، وفي مقدمتها قطاعات السفر والضيافة والتجزئة والتجارة والاستثمار.
أجمعت تقارير هذه المؤسسات على قدرة الاقتصاد الإماراتي على مواصلة النمو، منوهة بالنجاح الذي حققته الإمارات في احتواء «الجائحة»، وبرنامج التطعيم الذي يُعد بين الأوسع انتشاراً في العالم والأكبر على مستوى المنطقة، وكذلك بحزم التحفيز التي قادتها الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية، والتحسينات التشريعية والتنظيمية التي تم اتخاذها لتسهيل الأعمال، وترسيخ جاذبية الدولة للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

ثمار التنويع
وتوقع البنك الدولي في تقرير «المستجدات الاقتصاديّة لمنطقة الخليج» الذي أصدره مطلع الشهر الجاري، تسارع وتيرة انتعاش اقتصاد دولة الإمارات اعتباراً من عام 2021 الذي من المرجح أن يصل معدل النمو خلاله إلى 2.7%، قبل أن يقفز إلى 4.6% في العام المقبل.
وأرجع التقرير التعافي القوي للاقتصاد الإماراتي، إلى الانتعاش الذي يشهد القطاع غير النفطي مع ارتفاع الطلب على السياحة والسفر واستضافة «إكسبو 2020 دبي»، مما أسهم في ارتفاع نسبة إشغال الفنادق من 54% في 2020 إلى 62% في الربع الثالث 2021، وذلك إلى جانب ارتفاع مستويات الاستهلاك ثقة المستثمرين، بالتوازي مع ارتفاع أسعار النفط التي يتوقع أن تستمر ليتراوح متوسط سعر برميل النفط بين 74 دولاراً للبرميل في 2022، و65 دولاراً في 2023.
كما توقع التقرير أن يسجل اقتصاد دولة الإمارات في عام 2023 نمواً قدره 2.9%، وذلك اتساقاً مع مستويات النمو العالمية والإقليمية التي تشير إلى احتمالية عودة النمو في الاقتصادات العالمية إلى مستوياتها الطبيعية.
وتوقع البنك الدولي أن تحقق دولة الإمارات هذا العام فائضاً في الحسابات الجارية للدولة يصل إلى 7.7% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع 6.5% في العام الماضي، وأن يرتفع في العام المقبل إلى 9.1% من الناتج.
ورجح البنك كذلك أن يتحول رصيد المالية العامة الكلي إلى تحقيق فائض في عام 2023، بنسبة 0.5% من الناتج المحلي الإجمالي، وذلك مقارنة مع عجز مقدر بنسبة 1.3% هذا العام ونحو 1.0% في عام 2022، انخفاضاً من عجز مقدر في عام 2020 بنحو 7.1%.
وأشار التقرير إلى أن دولة الإمارات تشكل النموذج الأفضل للتنويع الاقتصادي في المنطقة خلال العقدين الماضيين، حيث يشكل الاقتصاد غير النفطي جزء كبير من الاقتصاد، بالإضافة إلى اعتبار دولة الإمارات تعتبر مثالاً حياً على فعالية الإصلاحات وتحويل الرؤى إلى واقع يتحقق. 

زخم الانتعاش
وفي السياق ذاته، توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد غير النفطي في الإمارات بنسبة 3% خلال العام الجاري بدعم السياسات المحفزة للاقتصاد الكلي وانتعاش السياحة والأنشطة المرتبطة بـ«إكسبو 2020»، والاستجابة الصحية المبكرة والقوية لدولة الإمارات العربية المتحدة، مشيراً إلى أن الانتعاش الاقتصادي  في الإمارات اكتسب زخماً قوياً خلال 2021.
وتوقع صندوق النقد الدولي ارتفاع إجمالي الإيرادات الحكومية لدولة الإمارات العربية المتحدة إلى 29.5% من إجمالي الناتج المحلي خلال العام الجاري، مقارنة مع 24.6% من الناتج في عام 2020، بزيادة تصل إلى 4.9%، وأن يتراوح إجمالي الإيرادات بين 28.9% و28.1% خلال الفترة من 2022 وحتى 2026.
وأفادت بيانات صندوق النقد الدولي التي جاءت ضمن تقرير الراصد المالي، بأن عجز الموازنة الأولية العامة للدولة، سيبدأ في الانحسار تدريجياً بشكل كبير خلال العام الجاري ليصل إلى 0.7%- من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع عجز مقدر خلال العام الماضي شكل 6.9- % من الناتج، متوقعاً استمرار تراجع العجز ليصل إلى 0.4-% في عام 2022 وإلى 0.2-% في عام 2023، قبل أن تتحول الموازنة إلى تحقيق فائض بداية من عام 2024 بما يعادل 0.2% من الناتج يرتفع إلى 0.6% في 2025 وإلى 1.0% في عام 2026.
وأظهرت بيانات حديثة لصندوق النقد الدولي أن الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لدولة الإمارات سيرتفع هذا العام إلى 1.5 تريليون درهم مقارنة مع 1.31 تريليون درهم في عام 2020، مرجحاً أن يصل إلى 1.84 تريليون درهم في عام 2026.
وتوقعت البيانات أن يسجل اقتصاد الإمارات نمواً هذا العام بمقدار 2.2%، وأن يصل إلى 3.3% حتى عام 2026، وأن يرتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 43.5 ألف دولار، مقارنة مع 38.6 ألف دولار في العام الماضي. 
ووفقاً للبيانات، قدر  صندوق النقد إجمالي الدين الحكومي العام بنحو 37.3% من الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لهذا العام، مقارنة مع نسبة بلغت 39.4% من ناتج عام 2020، مقدراً أن يبلغ نحو 37% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2026.
قوة التصنيف  وفي شهر نوفمبر الماضي، أعلنت وكالة فيتش تثبيت التصنيف الائتماني السيادي لدولة الإمارات عند مستوى «AA-» مع نظرة مستقبلية مستقرة، مؤكدة أن التصنيف يعكس  الوضع القوي لصافي الأصول الخارجية، وارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. 
وتتوقع «فيتش» أن يتوسع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.8% في عام 2021 بعد انكماش بنسبة 6.1%، بالتزامن مع  توقعات نمو  القطاعات غير النفطية بنسبة 3.5%، مشيرة إلى أن دعم الإصلاحات الهيكلية إمكانات النمو على المدى الطويل، بما يشمل فتح بعض القطاعات للملكية الأجنبية بنسبة 100%، وتخفيف قواعد الحصول على التأشيرة، مما قد يؤدي أيضاً إلى رفع مستوى سوق العقارات.

القوة الاقتصادية
أكدت وكالة «موديز» أن دولة الإمارات تتمتع بتصنيف قوي للقوة الاقتصادية عند مستوى «aa3»، مما يعكس مستوى الدخل المرتفع واحتياطات النفط الوفيرة وكلفة استخراجه المنخفضة، واقتصادها غير النفطي المتنوع وبنيتها التحتية المتطورة.
وبحسب بيانات «موديز»، بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في الإمارات 63.590 دولاراً، وهو ما يعتبر أحد أعلى المعدلات بين الدول التي تصنفها «موديز»، كما أن اقتصاد دولة الإمارات كبير نسبياً من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، حيث بلغ 354 مليار دولار في عام 2020، لتكون في الربع الأعلى في ترتيب الجهات السيادية التي تصنفها  الوكالة، مما يشير إلى مرونتها الأعلى من المتوسطة في التعامل مع الصدمات المالية.

التعافي السريع
توقع  معهد التمويل الدولي  نمو اقتصاد الإمارات خلال عام 2020 بنحو 4.9%، وذلك بعد أن أشار المعهد في تقرير الأحدث حول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بعنوان «السعي إلى تعافٍ مُستمر في بيئة هشة»، إلى أن اقتصاد الإمارات يتعافى سريعاً من تداعيات «الجائحة». 
وعزا المعهد في تقريره انتعاش النمو في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للإمارات من نسبة 2.2% في 2021، إلى 4.9 في 2022، إلى ريادة دولة الإمارات عالمياً وإقليمياً في معدلات التطعيم باللقاحات المُضادة لـ«كوفيد-19»، وانتعاش إنتاج النفط وتعافي السياحة والأنشطة المرتبطة بمعرض «إكسبو 2020 دبي»، وكذلك  بدعم الرؤية الاستراتيجية التي جرى الإعلان عنها مؤخراً.
كما توقع المعهد أن تشهد تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الإمارات مزيداً من الارتفاع، في 2022 لتبلغ 22 مليار دولار، بالمقارنة مع 20 مليار دولار في 2020، وذلك بفضل البيئة المواتية للأعمال التجارية والبنية التحتية المتميزة و الاستقرار السياسي.

نمو الاقتصاد
وفيما تراوحت توقعات المؤسسات السابقة لنمو اقتصاد الإمارات بين 4 إلى 4.9%، رسمت مؤسسة أوكسفورد ايكونوميكس صورة أكثر تفاؤلاً لنمو الاقتصاد الوطني، بتوقعها أن يبلغ معدل النمو في العام المقبل نحو 6.5% مقارنة مع نمو متوقع للعام 2021 بحدود 1.7% فقط.
وأرجعت المؤسسة البريطانية هذه القفزة إلى نجاح «إكسبو 2020 دبي»، وانعكاساته الإيجابية المباشرة وغير المباشرة على عائدات قطاع السياحة والسفر، الذي يستأثر وحده بنحو 16% من الناتج المحلي الإجمالي للإمارات، الأمر الذي يسهم في منح القطاع غير النفطي قوة دفعة استثنائية لتسجيل نمو العام الجاري بنحو 3.8% وأن يصل إلى 4.1% في عام 2022.