حسونة الطيب (أبوظبي)
كثيراً ما تتسبب الرياح الشديدة والعواصف، في حدوث الدمار والخراب، لكن عندما هدأت وتيرتها في منطقة بحر الشمال، حيث تستغل لتدوير توربينات الرياح لتوليد الكهرباء، قفزت أسعار الطاقة لتسجل أرقاماً قياسية في أوروبا. وما أدى لتفاقم هذه المشكلة، الاعتماد الكبير على طاقة الرياح، فضلاً عن النقص الذي تعاني منه أوروبا في إمدادات الغاز.
وانعكست أثار البطء المفاجئ في إنتاج الكهرباء المولدة بالرياح في المناطق التي تقع قبالة ساحل المملكة المتحدة، على الأسواق الإقليمية للكهرباء، لتتم الاستعانة بالمحطات العاملة بالفحم والغاز لتعويض هذا النقص.
التعافي من تداعيات الجائحة
وارتفعت أسعار الغاز الطبيعي لمستويات غير مسبوقة، نتيجة للتعافي من تداعيات جائحة «كوفيد- 19» وشح الوقود في المستودعات والناقلات. وبعد تراجع طويل ناتجة عن ما يبثه من كربون، انتفضت أسعار الفحم، حيث لجأت المرافق لاستخدام مصادر دعم الطاقة الأخرى.
وقفزت أسعار الكهرباء تسليم اليوم التالي، إلى 285 جنيهاً إسترليني (395 دولاراً) للميجاواط ساعة في المملكة المتحدة، عندما هدأت وتيرة الرياح في الآونة الأخيرة. وعند ذروتها، قاربت أسعار الكهرباء في المملكة المتحدة الضعف خلال شهر سبتمبر، بينما ارتفعت بنحو 7 مرات، بالمقارنة مع ذات الفترة من عام 2020. كما ارتفعت أيضاً في كل من فرنسا وهولندا وألمانيا، بحسب وول ستريت جورنال.
صدمة أسعار الكهرباء
ويؤكد هذا الوضع، الحالة التي تعيشها أسواق الطاقة في المنطقة وهي تستقبل فصل الشتاء الطويل. وتعتبر صدمة أسعار الكهرباء، أكثر حدة في المملكة المتحدة، التي تعتمد على مزارع طاقة الرياح، للقضاء على انبعاثات الكربون بحلول 2050. كما أن أسعار ائتمانات الكربون، التي يحتاجها منتجو الكهرباء عند حرق الوقود الأحفوري، هي الأخرى في ارتفاع قياسي.
وفي أسواق الكهرباء، يتم تحديد السعر بالنسبة للجميع، وفقاً لتكلفة التوليد عند أكثر الموردين غلاءً. ويعني ذلك، أنه عندما تقوم البلدان بتوليد الكهرباء عبر المحطات الحرارية، التي تتميز بارتفاع تكلفتها، ترتفع التكلفة تلقائياً في السوق ككل. وارتفعت تكلفة التشغيل في المحطات العاملة بالوقود الأحفوري في الوقت الحالي، في أعقاب زيادة مستمرة في أسعار الغاز والفحم وأذونات الكربون.
وربما تشهد الأسواق المزيد من الارتفاع في أسعار الطاقة، في حال تسببت البرودة الزائدة، في توقف إعادة تخزين الغاز، قبيل فترة ذروة الطلب في فصل الشتاء. ولدى أسواق الكهرباء والغاز والفحم والكربون، طريقة تغذي، من خلالها، بعضها بعضاً.
أذونات الانبعاثات
ودفع ارتفاع أسعار الغاز، المرافق لحرق المزيد من الفحم، ما جعلها تقوم بشراء المزيد من أذونات الانبعاثات. وتسبب غلاء أذونات الكربون، في لجوء شركات الطاقة لاستخدام الغاز، الذي ارتفعت أسعاره مجدداً، نتيجة لشح إمداداته. وتُعد أسواق الطاقة، واحدة من بين القوى الأساسية التي تدفع بعجلة التضخم.
وشكلت طاقة الرياح، 25% من كهرباء المملكة المتحدة عام 2020، بحسب الشبكة القومية في البلاد. وبعد انخفاض وتيرة الرياح في شهر سبتمبر، طلبت المملكة المتحدة من فرنسا، تشغيل محطة «ويست بورتون أيه» العاملة بالفحم، الشيء غير ممكن في المستقبل، حيث تنوي فرنسا إغلاق جميع المحطات العاملة بالفحم بحلول 2024.
وفي حقيقة الأمر، ساهمت وفرة الكهرباء المولدة عبر محطات الرياح في بعض الأحيان، في تراجع الأسعار بنسبة كبيرة. لكن يبلغ إنتاج محطات التوليد بطاقة الرياح في المملكة المتحدة في بعض الأيام، دون جيجاواط في الساعة، في حين تقدر السعة الكاملة بنحو 24 جيجاواط.
المصدرون يربحون
ومن بين الخاسرين جراء ارتفاع أسعار الكهرباء، الشركات التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة والمؤسسات التي لم تضع احتياطياتها المتعلقة بفواتير الكهرباء. وفي المقابل، تشمل قائمة الرابحين، الشركات الأميركية والروسية التي تقوم بتصدير الغار لأوروبا، بالإضافة للشركات التي تنتج الكهرباء من الطاقة المتجددة، والتي تكون تكلفة التشغيل لديها قريبة من الصفر.
ويعكس ارتفاع الأسعار، الحاجة لتوفر إمدادات داعمة، عندما تحجب الشمس أشعتها وتأبى الرياح أن تهب، فعندها تتضمن الخيارات ضرورة وجود محطات احتياطية تعمل بالطاقة الحرارية أو بطاريات للتخزين أو كابلات لاستيراد الكهرباء من أسواق أخرى.