نيويورك (د ب أ) 

في محاولة لإيجاد وسيلة للخروج من التداعيات الاقتصادية والصحية لجائحة فيروس كورونا نشرت وكالة بلومبرج للأنباء تحليلاً اقتصادياً للخبير الاقتصادي العالمي الدكتور محمد العريان، يستعرض فيه المخاطر التي تهدد التعافي الاقتصادي العالمي، بسبب جوانب الغموض في أزمة كورونا.
وفي هذا التحليل يقول الدكتور محمد العريان: جاء الانتشار السريع للسلالة دلتا المتحورة لفيروس كورونا في مختلف أنحاء العالم ليثير المخاوف بشأن قوة التعافي الاقتصادي العالمي المتعثر وغير المؤكد بالفعل. والحقيقة أن نطاق هذا القلق يشمل البعدين الطبي والاقتصادي للأزمة، ويتعامل البعدان مع عوامل يبدو أننا نعرف الكثير عنها ومع عوامل أخرى ما زالت غير معروفة لنا رغم مضي 18 شهراً على بدء الجائحة.
والسبيل الوحيد لتقليل المخاطر الناجمة عن الجوانب غير المعروفة للأزمة هو تقدمنا بسرعة نحو التعامل مع ما نعرفه منها.
لنبدأ بالأمرين اللذين يتفق عليهما أغلب الناس، الأول هو أن السلالة دلتا أسرع انتشاراً من السلالات السابقة، والثاني هو أن معدلات الوفاة أو الدخول إلى المستشفيات نتيجة الإصابة بكورونا تتراجع، في الدول التي حققت تقدماً كبيراً في برامج تطعيم سكانها ضد الفيروس.
ونحن نعلم أن خطر السلالات الجديدة من فيروس كورونا سيستمر إذا استمرت دول العالم في تبني نهج تسلسلي وغير مرتبط في محاربة الفيروس. والنهج التسلسلي يعني أنه لا توجد دولة في العالم قادرة على تحقيق النصر على جبهات الحرب الثلاث ضد الفيروس، وهي إبقاء معدلات العدوى عند حدودها الدنيا، والوصول إلى تطعيم الكتلة الحرجة من السكان وامتلاك وسائل وقاية قوية ضد السلالات الجديدة.
أما النهج غير المرتبط فيتمثل في حقيقة أن كل دول العالم موجودة بدرجة أو بأخرى على هذه المقاييس الكمية الثلاثة بدءاً من أستراليا التي تحقق فاعلية كبيرة في السيطرة على العدوى، لكنها متعثرة في برامج التطعيم وحتى بريطانيا التي تحقق تقدماً كبيراً في برامج التطعيم لكنها متعثرة في السيطرة على العدوى، وصولاً إلى جنوب أفريقيا التي تعاني من ضعف السيطرة على العدوى وبطء التطعيم وضعف وسائل التصدي للسلالات الجديدة.
في المقابل، فإننا لا نعرف سوى القليل عن قوة العلاقة بين الحصول على التطعيم والقدرة على مقاومة تداعيات الإصابة بفيروس كورونا المستجد أو الوفاة نتيجة الإصابة. ففي حين ما زالت نسبة دخول المستشفيات نتيجة الإصابة بالفيروس منخفضة في الدول ذات معدلات التطعيم المرتفعة مثل بريطانيا، هناك حالات لأشخاص تم تطعيمهم ومع ذلك استدعت حالتهم الصحية نقلهم إلى المستشفيات عند الإصابة بالفيروس. كما أننا لا نعرف سوى القليل عن المخاطر المحتملة لـ«كورونا طويلة المدى» التي يواجهها المتعافون من الفيروس، وهل سيحتاجون إلى دخول المستشفيات أم لا. كما أننا لا نعرف ما يكفي عن الطفرات التي يمكن أن تحدث في البيئات ذات معدلات العدوى العالية، بما في ذلك التأثير على فاعلية اللقاحات.
هذه العوامل ستحدد إلى أي مدى يمكن أن نتعايش مع فيروس كورونا، وكيفية هذا التعايش، وتأثير ذلك على السياسات الاقتصادية. وبشكل أكثر تحديداً يمكن القول إن فاعلية الإجراءات التي تتخذها الحكومات والبنوك المركزية تتوقف على حدود معرفتنا بما هو مجهول لنا حالياً في هذه القضية. وكلما قلّت العلاقة بين العدوى والمخاطر الصحية الجسيمة، اتسع نطاق السياسات للتحرك على محورين حيويين لكي يكون النمو الاقتصادي المرتفع الذي تدعمه هذه السياسات مستداماً ومفيداً لكل فئات المجتمع.
ويشمل المحور الأول الاعتماد بصورة أقل على شراء البنوك المركزية للأصول المالية بصورة واسعة ويمكن التنبؤ بها، مع الاعتماد بصورة أكبر على السياسات المالية والهيكلية التي يقودها النمو. والمحور الثاني يشمل التحول من إجراءات التحفيز الرامية إلى تخفيف حدة تداعيات الأزمة، إلى إجراءات أكثر تركيزاً على تحسين الحياة الفعلية للبشر والبنية التحتية الخاصة بهم.
أما إذا تأكد استمرار قوة العلاقة بين العدوى والمخاطر الصحية، سيجد صناع السياسة النقدية والمالية أنفسهم مضطرين للتعامل مع مشكلات العرض والطلب التي يمكن أن تؤدي في النهاية إلى ضغوط الركود التضخمي وهو الموقف الأسوأ الذي يمكن للسياسة النقدية مواجهته، والأكثر صعوبة بالنسبة لتقييمات أغلب الأصول.
وإذا تزايدت احتمالات حدوث هذا الموقف، سيكون على الحكومات والبنوك المركزية التحرك بقوة لتحقيق أمرين في وقت واحد، الأول، على جانب الطلب بمحاولة التصدي لأي انخفاض حاد في الطلب الخاص سواء بالنسبة للطلب الاستهلاكي للأسر أو لاستثمارات الشركات، والثاني على جانب العرض بمحاولة منع حدوث المزيد من الاختناقات في مستلزمات الإنتاج أو نقص العمالة والتي يمكن أن تؤدي إلى استمرار الضغوط التضخمية رغم تراجع الطلب.
أخيراً، يرغب الجميع في إعلان انتهاء الجائحة والاستمتاع بفترة من النمو الاقتصادي القوي والمستدام والشامل. وأصبح من الواضح الآن أن ذلك يعتمد على مجموعتين من الأسئلة، الأولى لا نعرف إجابات لها حتى الآن وتبدأ بمدى فاعلية اللقاحات مع السلالات الجديدة من فيروس كورونا. والثانية، نعرف إجاباتها وتشمل الحاجة إلى التحول بسرعة أكبر نحو نهج طبي أكثر تزامناً وشمولاً على مستوى العالم بما في ذلك تسهيل حصول الدول المتعثرة على ما يكفي من لقاحات، مع تسريع وتيرة تحرك محاور السياسة الاقتصادية.