حسونة الطيب (أبوظبي)

في ظل تلبية الأعمال التجارية للطلب الذي يشهد انتعاشاً في كل شيء تقريباً، من الحديد الصلب إلى طعام الحيوانات الأليفة، ربما تعتلي الولايات المتحدة الأميركية، صدارة القائمة العالمية كوجهة للاستثمارات الأجنبية المباشرة، سواء خلال العام الجاري أو الذي يليه. وما يسهم في ذلك، التعافي السريع والمستدام في إنفاق المستهلك، فضلاً عن الخطط التي تقوم بإعدادها إدارة الرئيس جو بايدن، لتطوير البنية التحتية بمليارات الدولارات. 
ووفقاً لآخر الأرقام التي نشرتها الأمم المتحدة، تراجعت استثمارات الأعمال بين الدول حول العالم، بنسبة تقارب 35% في 2020، بالمقارنة مع 2019. كما سجلت أميركا، انخفاضاً في الاستثمارات بنحو 40%، بيد أنها حافظت على موقعها كأفضل وجهة للاستثمارات الأجنبية متقدمة على الصين.
وترجح الأمم المتحدة، تعضيد أميركا لموقعها الريادي خلال عامي 2021 و2022، تليها الصين، في الوقت الذي يعمل فيه المستثمرون الأجانب، على زيادة سعة استثماراتهم لمقابلة الارتفاع الكبير في طلب ما بعد «كوفيد - 19».
ويتوقع الاحتياطي الفيدرالي، تحقيق الاقتصاد الأميركي، لنمو بنحو 7% خلال العام الجاري، مدعوماً بما يقارب 6 تريليونات دولار في شكل برنامج إنفاق تمت الموافقة عليه بالفعل ونحو 2.6 تريليون دولار أخرى، كمدخرات إضافية، تراكمت لدى المستهلك إبان فترة الإغلاق، بحسب وول ستريت جورنال.
في ظل وتيرة التعافي السريعة للاقتصاد الأميركي والعالمي، على العكس من توقعات الكثيرين عند بداية العام الحالي، ترجح الأمم المتحدة، ارتفاع معدل الاستثمارات الأجنبية للأعمال حول العالم، بنسبة تتراوح بين 10 إلى 15% خلال هذا العام وبنحو ما بين 20 إلى 30% في 2022. 
وعلى هذا الغرار، تتجاوز الاستثمارات الأجنبية، مستويات ما قبل «الجائحة». لكن مع ذلك، لا يبدو أن تدفقات هذه الاستثمارات، ستتجاوز الارتفاع الذي كانت عليه قبيل الأزمة المالية العالمية في وقت قريب. 
وارتفعت تدفقات الاستثمارات الأجنبية الجديدة، خلال فترة العولمة السريعة، التي جرت بداية ثمانينيات القرن الماضي وحتى اندلاع الأزمة المالية العالمية، لتسجل رقماً قياسياً بنحو 1.8 تريليون دولار في 2007. وفي حين، أدى بطء النمو في البلدان الغنية وبخاصة أوروبا، لتقلص الاستثمارات خلال السنوات التي تلت، إلا أنها سجلت رقماً قياسياً جديداً قدره 2 تريليون دولار في 2015. ويعتبر الرقم المسجل في السنة الماضية عند 1 تريليون دولار، الأقل منذ 15 سنة.
وبينما تتوقع شركات أميركية، مستقبلاً أكثر إشراقاً، مثل بلوسكوب العاملة في صناعة الحديد الصلب، تسعى شركات أوروبية من ضمنها، نستله بيرينا لطعام الحيوانات الأليفة، لزيادة حضورها في أميركا. وارتفعت مبيعات الحلويات وأطعمة الحيوانات الأليفة، بما يقارب 10% خلال السنة الماضية إلى 42 مليار دولار، مع توقعات بارتفاعها بنحو 5% هذا العام، وذلك بسبب إجراءات الإغلاق. وتخطط شركة أسترا زينيكا البريطانية، للاستحواذ على أليكسيون الأميركية للأدوية في بوسطن بولاية ماساشوستس، مقابل 39 مليار دولار نقداً، لتحصل بموجبها على موطئ قدم في مجال عقاقير الأمراض النادرة.
كما استثمرت كلاس جي أم بي أتش الألمانية لصناعة المعدات الزراعية، لزيادة سعة مصنعها في أوماها بولاية نبراسكا، بنسبة 20% في العام الماضي، حيث شجعت برامج التحفيز الحكومية، المزارعين على تطوير معداتهم. وارتفع معدل إنتاج الشركة، 20% في 2020.
من ضمن العقبات على المدى القريب، إصلاح القوانين الضريبية للشركات العالمية، والتي يجري الحوار بشأنها بين 135 دولة. 
وتظل الصين المستثمر الأكبر في العالم، وذلك نسبياً بفضل عمليات النمو المستمر للبنية التحتية لمشروع الحزام والطريق، إبان فترة الوباء. لكن بدأت بعض الدول الأوروبية، في قطع الطريق على الصين للمشاركة في اقتصاداتها. وألغت بعض الحكومات من بحر البلطيق إلى البحر الأدرياتيكي، المناقصات العامة التي كانت الشركات الصينية المملوكة للدولة على وشك الفوز بها، أو تحركت لحظر الشركات الصينية من الاستثمار أو التعاقد في بلدانها.
كما تسعى حكومات أخرى، لتشجيع شركاتها على الاستثمار في الداخل وأن من الأفضل لهذه الشركات إنتاج بعض السلع مثل، الإمدادات الطبية الضرورية في الداخل، بدلاً من الاعتماد على الموردين الأجانب. 
واستمرت الشركات الأجنبية الكبيرة، في الاستثمار بقوة في الصين، بصرف النظر عن التوترات بينها ودول الغرب، مدفوعة بالقوة الشرائية المتصاعدة والبنية التحتية المتميزة، فضلاً عن المناخ الاستثماري الملائم. ومن المتوقع، تحويل بعض هذه الشركات، لإنتاجها خارج الصين لدول جنوب شرق آسيا، نتيجة لتراجع تكلفة العمالة والجهود التي تبذلها هذه الدول لتحسين سلاسل التوريد.
في غضون ذلك، ربما تفقد الدول النامية التي لا تزال تعاني تداعيات «كوفيد - 19»، فرصتها في الاستثمارات الجديدة، حيث واجهت بعض هذه الدول، تراجعاً طفيفاً في استثماراتها الأجنبية، بالمقارنة مع نظيراتها الغنية خلال السنة الماضية. لكن وبما أن الدول الغنية، تحتضن قدراً أكبر من السكان وعادت لفتح اقتصاداتها، من المتوقع معاناة الدول الفقيرة، في جذب استثمارات جديدة. 
ربما يلقي ذلك، بآثاره على النمو على المدى البعيد، منذ نقل التقنية والخبرة الفنية، التي تتميز بأهمية خاصة، بالنسبة لتنمية الدول الفقيرة. وفي حين تعتبر الهند، من بين الدول القليلة التي شهدت زيادة كبيرة في الاستثمارات الأجنبية خلال عام 2020، من المرجح استقبالها تدفقات استثمارية أقل هذه السنة.