حسونة الطيب (أبوظبي)

قطاع المال ليس في حرز من التغيير التكنولوجي، حيث تحولت البتكوين من هاجس للعديد من الخبراء، إلى فئة أصول قوامها تريليون دولار. وتحولت مجموعة من التجار الرقميين اليوميين، لقوة معتبرة في وول ستريت. كما ارتفع عدد مستخدمي تطبيق باي بال، لنحو 392 مليونا، ما يعني مقارعة أميركا لتطبيقات الدفع الصينية الرقمية العملاقة.
ربما يُفضي الاضطراب بين التقنية والمال لإنشاء الحكومات لعملات رقمية، تهدف لتمكين الناس من إيداع أموالهم مباشرة في البنوك المركزية وتجاوز المقرضين التقليديين. وتعتبر هذه العملات الحكومية، بمثابة تجسيد جديد للمال، تبشر بأداء أفضل، بيد أنها تحول القوة من الأفراد للحكومة، وبذلك تغير كيفية تخصيص رؤوس الأموال.
وقبل نحو عقد وفي ظل ما خلفه انهيار ليمان براذرز من خسائر، أبدى العديد من خبراء المال، امتعاضهم بأن أجهزة الصراف الآلي، كانت آخر الابتكارات التي توصل لها القطاع المصرفي. لكن ومنذ ذلك الوقت، بدأ القطاع في رحلة الابتكار، حيث لجأت البنوك لتحديث نظم تقنية المعلومات لديها. 
قام رواد الأعمال ببناء عالم تجريبي من العمليات المالية غير المركزية، شكلت عملة البتكوين الجزء الأكثر شهرة فيه، حيث تحتوي على جملة من الرموز وقواعد البيانات والقنوات التي تتفاعل بدرجات متفاوتة مع قطاع المال التقليدي. 
ويقدر عدد عملاء مؤسسات المنصات الرقمية، الذين يستخدمون المحافظ الإلكترونية وتطبيقات الدفع، بنحو 3 مليارات في الوقت الحالي. وبجانب باي بال، توجد مؤسسات أخرى متخصصة في هذا القطاع مثل، أونت جروب وجراب وميركادو باجو، وأخرى راسخة تتضمن، فيزا وفيس بوك، بحسب ذا إيكونيميست. 
وتتمثل الخطوة المقبلة، في العملات الرقمية للبنوك المركزية، التي ستكون أكثر تطوراً، والتي تعمل على تركيز السلطة، بدلاً من توزيعها عبر شبكات أو منحها لهيئات الاحتكار الخاصة. وتكمن الفكرة وراء ذلك، في أن يكون للعميل حساب في البنك المركزي بدلاً من بنوك التجزئة، وذلك مباشرة من خلال واجهة شبيهة بالتطبيق مثل، علي باي وفينمو. وبدلاً من تحرير الشيكات أو الدفع بالبطاقة عبر الإنترنت، يمكن للعميل استخدام وسائل البنك الأقل تكلفة. كما إن أموال العميل، تكون مضمونة من قبل الدولة، وليس من بنك عادي معرض للأخطاء. وفي حال رغبة العميل في شراء أي سلعة أو تحويل الأموال، ليس عليه التعامل مع مركز الاتصال أو دفع رسوم مقابل استخدام بطاقته الائتمانية، لكن التعامل مباشرة مع البنك المركزي.
يبدو هذا التحول الذي تسير عليه البنوك، بعيد المنال، لكنه سيصبح واقعاً قريباً جداً، حيث تستعد أكثر من 50 سلطة نقدية تمثل الناتج المحلي الإجمالي العالمي، للدخول في عالم العملات الرقمية. وفي غضون ذلك، أصدرت جزر الباهاما، عملة، والصين، اليوان الرقمي لأكثر من 500 ألف شخص، بينما يخطط الاتحاد الأوروبي لطرح اليورو الافتراضي بحلول 2025. كما أعدت بريطانيا، قوة عمل للنظر في ذلك، بينما تعمل أميركا، القوة المالية المهيمنة في العالم، على طرح دولار إلكتروني افتراضي.
تتخوف الحكومات والبنوك المركزية، من فقدان السيطرة، خاصة أن البنوك المركزية تقوم في الوقت الحالي، بتسخير النظام المصرفي لترسيخ السياسة النقدية. وفي حال انتقال المدفوعات والودائع والقروض من البنوك إلى العوالم الرقمية التي يديرها القطاع الخاص، ربما تعاني البنوك المركزية، لإدارة الدورة الاقتصادية وضخ الأموال في النظام عند حدوث الأزمات. كما يمكن أن تصبح الشبكات الخاصة، غير الخاضعة للإشراف، عالماً للاحتيال وانتهاكات الخصوصية. 
ويكمن التخوف الآخر، في الوعد بنظام مالي أفضل. وعادة ما توفر النقود، مستودعاً آمناً للقيمة، ووحدة حساب مستقرة ووسيلة للدفع أكثر كفاءة. لكن اليوم، ربما يعاني المودعون غير الحاصلين على تأمين، عند فشل البنوك، وعدم حصول البتكوين على القبول الكافي وارتفاع تكاليف بطاقات الائتمان. ومن المرجح، أن تجد العملات الرقمية الحكومية، قبولاً واسعاً، لضمانها من قبل الحكومات ولاستخدامها لقواعد دفع مركزية ذات تكلفة قليلة.  ونتيجة لذلك، ربما تسهم العملات الرقمية الحكومية في خفض التكاليف التشغيلية لقطاع المال العالمي، والتي تقدر بنحو 350 دولاراً سنوياً مقابل كل فرد في العالم. ويسهم ذلك، في سهولة توفير عمليات التمويل لنحو 1.7 مليار، لا يملكون حسابات مصرفية. ويمكن للعملات الرقمية الحكومية أيضاً، توسيع الأدوات الحكومية، من خلال السماح لها بإجراء عمليات دفع فورية للمواطنين وخفض أسعار الفائدة إلى ما دون الصفر. وبالنسبة للمستخدمين العاديين، باتت جاذبية وسيلة دفع عالمية مجانية وآمنة وفورية، أمراً في غاية الوضوح. 
ومن هذه الجاذبية تنبع المخاطر، حيث من الممكن أن تتحول العملات الرقمية الحكومية الخالية من القيود، لقوة مهيمنة في قطاع المال.