حسونة الطيب (أبوظبي)
في سويندون، مدينة صغيرة جنوبي بريطانيا، اضطرت هوندا لإغلاق مصنعها، ليس بسبب البريكسيت هذه المرة، لكن نتيجة لنقص في أشباه الموصلات. وطالت المعاناة، العديد من شركات صناعة السيارات الأخرى، حيث قررت فولكس فاجن، خفض سعتها التصنيعية، بنحو 100 ألف سيارة، خلال الربع الحالي.
وكغيرها من الأجهزة والمرافق الأخرى، لا يمكن للسيارات الحركة من دون تزويدها بالرقاقات الإلكترونية.
انتعاش الرقاقات
وفي ظل انتعاش قطاع صناعة الرقاقات، بلغت القيمة السوقية لمؤسسات صناعة أشباه الموصلات المُدرجة حول العالم، ما يزيد عن 4 تريليونات دولار، بزيادة قدرها 4 مرات عما كانت عليه قبل 5 سنوات.
كما ارتفعت قيمة أسهم هذه الصناعة إبان فترة جائحة كوفيد-19، نتيجة لتحول معظم الأعمال التجارية لممارسة نشاطاتها عبر الإنترنت.
نجم عن ذلك، موجة من إبرام الصفقات، حيث أعلنت على سبيل المثال، شركة نفيديا المتخصصة في تصميم الرقاقات القوية لألعاب الفيديو والذكاء الاصطناعي، استحواذها على أرم البريطانية، التي يتم استخدام مخططاتها في كافة الهواتف الذكية تقريباً، وذلك مقابل 40 مليار دولار.
كما أعلنت، أيه أم دي، التي تقوم بإنتاج المخططات لرقاقات الرسومات ولأغراض عامة، الاستحواذ على شلينكس، العاملة في صناعة رقاقات البرمجة، مقابل 35 مليار دولار، بحسب ذا إيكونيميست.
استثمارات جديدة
وفي غضون ذلك، ارتفع أيضاً إنفاق رأس المال، حيث تخطط شركة سامسونج الكورية الجنوبية، لاستثمار ما يزيد عن 100 مليار دولار، على مدى سنوات الـ10 المقبلة، في مجال رقاقات الذاكرة، المستخدمة في أشياء مثل محرك أقراص فلاش، بدلاً من المُعالِجات الدقيقة.
وفي يناير الماضي، زادت شركة تي أس أم سي التايوانية، إنفاق رأس المال للعام 2021، من 17.2 مليار دولار، إلى 28 مليار دولار، على ضوء توقعات بارتفاع الطلب. وهذه واحدة من بين أكبر ميزانيات المؤسسات الخاصة في العالم.
وتعتبر صناعة الرقاقات، مركزاً تحتدم فيه المنافسة وينشط فيه الابتكار. وتواجه تصميمات الرقاقات المعروفة، التي تتضمن ما تنتجها شركات مثل أيه أم دي ونفيديا وإنتل، أكبر الشركات في العالم لصناعة الرقاقات من حيث العائدات، تحديات من قبل تصميمات جديدة. كما تقوم شركات الإنترنت العملاقة جوجل وأمازون، والتي تعتبر أكبر عملاء الرقاقات، بالتخطيط لعمل تصميماتها الخاصة. وتعني التكاليف المتضخمة لمواكبة التقنية المتطورة، أن تدفق تصميمات الرقاقات، عادة ما يتم عبر حفنة قليلة من الشركات القادرة فعلاً على صناعتها.
وثلاث شركات فقط في العالم، هي القادرة على صناعة مُعالجات متطورة، إنتل وتي أس أم سي التايوانية وسامسونج، ما يعني أن 80% من السعة العالمية لصناعة الرقاقات، في آسيا.
صناعات أساسية
يبدو أن الصناعات الأساسية للاقتصاد العالمي، ماضية في المزيد من البلورة وإلى اندفاع أكبر في التصميم وإنتاج أكثر تركيزاً من أي وقت مضى. وينجم عن هذه التركيبة الجديدة، تداعيات كبيرة تلحق بشركات صناعة الرقاقات وعملائها على حد سواء.
وفيما يتعلق بالتنوع، ظلت شركات التكنولوجيا تقوم بشراء الرقاقات الجاهزة من المنتجين، حيث استمرت أبل مثلاً، في شراء المُعالجات الدقيقة لأجهزتها من «أم أو أس تكنولوجي» و«آي بي أم» و«إنتل». لكن تحولت الشركة لصناعتها بنفسها بعد طرحها لهواتف آيفون في 2007.
كما بدأت أمازون بعد سنتين من ذلك، استبدال بعض رقاقات إنتل، في مراكز بياناتها، بتصميماتها الخاصة، في الوقت الذي تعمل فيه مايكروسوفت، على إنتاج تصميماتها الخاصة أيضاً.
وتميزت الشركات الناشئة العاملة في حقل الرقاقات، بقيم سوقية عالية، حيث بلغت القيمة السوقية لمؤسسة سيريبراس الأميركية المتخصصة في تصميم رقاقات الذكاء الاصطناعي، نحو 1.2 مليار دولار، بينما حازت جرافكور البريطانية، قيمة سوقية قدرها 2.8 مليار دولار.
وضعت الصين، أشباه الموصلات، ضمن خطة بمليارات الدولارات، لتكتفي ذاتياً في التقنيات الهامة بحلول 2025، خاصة وأن أميركا حرمتها في الوقت الحالي من استيراد بعض احتياجاتها التقنية، ضمن الحرب الاقتصادية القائمة بينهما. ويتطلع الاتحاد الأوروبي، الذي يملك مراكز للتقنية المتقدمة في هولندا وبلجيكا، للمزيد من هذه المراكز، حيث وافقت دول المنظومة في منتصف ديسمبر الماضي، على إنفاق عشرات المليارات بعد انقضاء الجائحة، لإنشاء مصانع متطورة بحلول منتصف العقد الحالي.