مصطفى عبد العظيم (دبي)

قصة نجاحها في عالم المال والأعمال تحاكي قصة نجاح المرأة الإماراتية التي استطاعت في غضون عقود قليلة تبوّء أعلى الدرجات والمناصب، بفضل نهج التمكين الذي تبنته القيادة الرشيدة لتعزيز مكانة المرأة الإماراتية، محلياً وإقليمياً وعالمياً، وأن تكون شريكاً فاعلاً في مسيرة التميز والريادة والعطاء التي تسعى لتحقيقها دولة الإمارات.
هكذا تلخص الدكتورة شيخة علي سالم المسكري، رئيس مجموعة المسكري القابضة، رحلتها نحو الريادة في عالم الأعمال والأنشطة الخيرية، والتي اعتبرت أن نجاحاتها هي انعكاس لمسيرة التمكين التي أرسى قواعدها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه».
تعتبر الدكتورة شيخة المسكري التي ولدت في مدينة العين، وتحتفظ بشريط طويل من الذكريات خلال رحلتها في عالم الأعمال، القوة الدافعة في مجموعة المسكري القابضة، إحدى أكبر وأنجح المجموعات القابضة التي تمتلكها وتديرها العائلات في دولة الإمارات العربية المتحدة.
 وانطلاقاً من مقرها الرئيس في أبوظبي، ذاع صيت مجموعة المسكري القابضة، حول العالم، ورئيس مجلس إدارتها، التي حظيت بتكريم واسع من ملوك وحكومات على دورها في تعزيز التعاون الاقتصادي وتعزيز العمل الإنساني والخيري، والذي كان من أبرزه منحها وسام النجم القطبي بمرتبة عضو من الدرجة الأولى من ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر.

  • ريم الهاشمي تمنحها جائزة «درع الفخرية الإماراتي»

بداية الرحلة
بدأت الدكتورة شيخة المسكري رحلتها المهنية، بعد حصولها على درجة البكالوريوس في جامعة لندن وعلى الماجستير والدكتوراه في الجيوفيزياء في جامعة إنديانا في الولايات المتحدة الأميركية، والحصول على التدريب في الجيوفيزياء في الوكالة الأميركية للمسح الجيولوجي، مما أهلها العمل لدى شركة أبوظبي الوطنية للبترول «أدنوك»، لتصبح أول امرأة إماراتية تعمل لديها، والعمل مع «أدكو» سنوات عدة، وكانت تتطلع حينذاك إلى سيرة مهنية طويلة في قطاع النفط، إلا أن وفاة والدتها وبعدها زوجها وهي أم لثلاثة أطفال، في ثمانينيات القرن الماضي، حالت دون ذلك، فاضطرت للتخلي عن وظيفتها التي أحبتها، لتخوض في عام 1989 غمار أكبر تحديات حياتها، المتمثل في إدارة شركة عائلتها التي أسستها والدتها في عام 1968. 

المثابرة في مواجهة التحديات
وتمثلت أبرز العقبات التي واجهتها في الاستحواذ الكامل على ملكية المؤسسة، وهو أمر لم يكن متاحا حينذاك سوى للرجال، لكنها ثابرت للتغلب على هذه العقبة حتى أصبحت أول امرأة في أبوظبي تحصل على رخصة مقاولات عامة بصفتها المالكة الحصرية للشركة. وفي بداية توليها مهمة قيادة المؤسسة، عكفت شيخة المسكري، على إجراء عمليتين لإعادة الهيكلة التنظيمية الرئيسة لمؤسسة المسكري، فسمت المؤسسة باسم «ترايكون انريجي للعمليات»، ثم عملت على تعزيز الكفاءات، وتحسين الموارد المالية، وإضفاء اللامركزية على المؤسسة، وأنشأت مجموعات مؤسسات جديدة. وفي غضون عشر سنوات، فقط، قادت المسكري مجموعة Tricon، لتضم عشرين شركة ومكتباً رئيساً في الدولة، ودول مجلس التعاون الخليجي، والولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا، وتركيا، وسنغافورة، وحازت الأولوية لإبرام للشراكات مع الشركات المرتبطة بالحكومة والشركات العالمية الكبرى في أبوظبي وسنغافورة والبرتغال وقطر. وفي عام 2008، تم إطلاق شركة المسكري القابضة (AMH)، كمظلة شاملة لشركات وأصول مجموعة المسكري في جميع أنحاء العالم، واليوم تضم محفظة المجموعة شركات عديدة تعمل في مجالات النفط والغاز والطاقة المتجددة، والتعدين والرعاية الصحية والأمن والسلامة العامة والأسهم الخاصة وإدارة المرافق والخدمات الغذائية والأمن وخدمات الموارد البشرية.

  • سلطان الجابر وشيخة المسكري

جيوفيزياء الخير 
كثيرون لا يعتبرونها سيدة أعمال ناجحة فحسب، بل يلقبونها بسيدة أعمال بدرجة فاعلة خير، بعد أن تمكنت من مزج أعمالها التجارية بالأعمال الخيرية التي تعتبرها الغاية التي يجب إدراكها والنجاح الذي تسعى لتحقيقه، وليس الثراء أو النفوذ، وهي النصيحة التي تسديها لكل من يريد أن يتعرف على نهجها في عالم الأعمال.
ورغم كثرة المهام وتعدد الأعمال لم تنشغل الدكتورة شيخة المسكري يوماً عن استكشاف جيوفزياء الخير ليس في باطن الأرض وإنما في باطن الإنسان، من خلال أعمالها التجارية، وظلت شغوفة أيضاً برعاية مشاريعها الخيرية التي لطالما اعتبرتها مصدر الاعتزاز الأكبر بالنسبة إليها، فكرست وقتها بالتساوي بين الأعمال والأنشطة الخيرية، وأسست ودعمت ورعت الأعمال الخيرية في كل مكان، بدءاً من دولة الإمارات وصولاً إلى الهند، ومن تركيا إلى أوغندا وتنزانيا. في عام 1993، أنشأت الدكتورة المسكري مؤسسة خيرية أطلقت عليها اسم «مؤسسة الرحمة المتّحدة» وشعارها: «ليست للرحمة انتماءات جغرافية أو عرقية أو ثقافية أو دينية» والتي ترعى الأيتام ودور الأيتام، وتوفر المواد الغذائية والطبية والإغاثة في حالات الطوارئ في مناطق الأزمات في كل من الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا، وفي عام 2003، شاركت في تأسيس مشروع القروض الصغيرة بديار بكر في تركيا. 

المسؤولية المجتمعية
كما أسست الدكتورة شيخة المسكري المعهد العالمي للعدل والتكنولوجيا وأكاديمية الإسعاف والإنقاذ العالمية. وكان الفضل لهاتين المؤسستين بتدريب المئات من أفراد وزارة الداخلية، وذلك في مجال العلوم الشرطية المتقدمة والأمن والخدمات الطبية الطارئة، وحصولها على العديد من الجوائز. 

مسيرة تمكين المرأة
وترى المسكري التي صنفتها مجلة «فوربس الشرق الأوسط» ضمن قائمة أقوى السيدات العربيات لعام 2015، أن دولة الإمارات تتمع بمسيرة مضيئة في مجال تمكين المرأة أرسى قواعدها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وازدادت رسوخاً تحت قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، مع بلوغ المرأة الإماراتية أعلى المناصب، لافتة إلى أن المناصب التي تبوأتها المرأة في الإمارات ترتكز بشكل رئيس على معيار الكفاءة الذي ينبغي أن يكون هو المرجع الرئيس عند إشراك المرأة أو الرجل في العمل العام أو الخاص. 

  • صورة تذكارية للمسكري عقب حصولها على جائزة المرأة العربية (من المصدر)

التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية
وتلفت أيضاً إلى أنها تسعى جاهدة للحفاظ على التوازن بين حياتها الشخصية وحياتها المهنية، مؤكدة أنه «لطالما أدركت الحاجة إلى الحفاظ على نوع من التوازن بين الجوانب المختلفة في حياتي اليومية، فأنا أعي مثلاً مسؤولياتي تجاه عائلتي التي تشمل أسرتي المباشرة وموظفيّ، وشركائي ومعاونيّ في العمل وعائلاتهم، وأصدقائي. وفي المقابل، أفرح كثيراً بالرضا الكبير الذي أستمدّه من المحبّة العائلية الصادقة».

مثلث منظومة نجاح الأعمال
تقول المسكري، إن التواضع والشفافية والإنصاف تشكل معاً مثلثاً مهماً في منظومة نجاح الأعمال، لافتة إلى أن ترسيخ هذه المبادئ الثلاثة والتي تندرج جميعها تحت مفهوم «الحوكمة» يمثل أمراً في غاية الأهمية في إدارة أي منظومة أعمال ناجحة، موضحة أنها لا تقلق إطلاقاً على أعمالها لنجاحها في تأصيل هذه المبادئ منذ سنوات طويلة، خاصة مع تعدد وتنوع ثقافات العاملين في شركات المجموعة، مؤكدة أن كسر الحواجز بين الثقافات والتواضع والاحترام المتبادل ينبغي أن يكون في صدارة فنون الإدارة. 

مناصب متعددة 
إلى جانب كونها رئيس مجلس إدارة مجموعة «المسكري القابضة»، تشغل الدكتورة شيخة المسكري أيضاً منصب عضو مجالس إدارة العديد من المؤسسات والهيئات غير الربحية، فهي عضو في المجلس الاستشاري لـ«مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون»، والمنتدى العربي الدولي للمرأة، وعضو مجلس إدارة المرأة للنمو المستدام، وعضو في اللجنة العليا الاستشارية الدولية للمنصة للتعاون الدولي، وعضو المجلس الاستشاري لمنتدى الصداقة الإماراتي السويسري، وعضو المجلس الاستشاري لمؤسسة آسيا، وعضو المجلس الاستشاري لمجموعة أبوظبي للثقافة والفنون.

جوائز وتكريم
وسام النجم القطبي من الدرجة الأولى من ملك السويد
«درع الفخرية الإماراتي» لمساهماتها الإنسانية 
جائزة التميز في القيادة من قبل اتحاد الغرف الخليجي
جائزة سيدة أعمال العام من قبل مؤسسة انتربراز آسيا
جائزة الإنجاز القيادي للمرأة لعام 2015 من قبل جوائز المرأة العربية
سيدة الأعمال الإماراتية لعام 2014 من قبل منتدى المفكرين العالمي
جائزة التميز في الأعمال من قبل معهد البترول وجامعة الكويت 
جائزة فالكون لدورها في تعزيز العلاقات التجارية بين الإمارات وأميركا
جائزة أفضل سيدة أعمال لعام 2012

نصائح رائدات الأعمال من تجربة حياة
• لا تدعن الإخفاقات تحبطكن، إنها جزء من الحياة 
• من الفشل نتعلم كيف ننجح
• لا ترهبكنّ التحدّيات التي تواجهنها 
• اعملن من أجل التغيير إذا كنتن تؤمنّ بالهدف الذي تسعين لأجله