حسونة الطيب (أبوظبي)

لم يقتصر الانتعاش الرقمي الذي أحدثه وباء كورونا، على تجارة التجزئة والتسوق الإلكتروني فحسب، بل تعداهما إلى القطاع المالي أيضاً، الذي شهد تحولاً كبيراً هذا العام من عمليات الدفع المباشر إلى الدفع الرقمي. وارتفعت حصة المعاملات بدون السيولة النقدية حول العالم لمستويات كان من المتوقع بلوغها في غضون ما بين 2 إلى 5 سنوات. وفي شهر أبريل، زادت نسبة التعاملات البنكية عبر الهواتف الذكية في أميركا بنسبة 85%، بينما ارتفعت تسجيلات الخدمات المصرفية الرقمية 200%.

الانتعاش الرقمي
وفي حين تستفيد بعض المؤسسات من هذا الانتعاش الرقمي، تبقى أخرى خارج الدائرة، وترجح أسواق رأس المال، بزوغ فجر جديد، حيث تشكل البنوك التقليدية 72% من القيمة السوقية الكلية لقطاع البنوك والمدفوعات العالمية، من واقع 81% بداية السنة الحالية ونحو 96% قبل 10 سنوات. وتشكل مؤسسات مالية تقنية مثل: أونت جروب وباي بال، 11%، حيث قاربت قيمتها المالية الضعف لنحو 900 مليار دولار هذا العام. كما انتعشت أيضاً مؤسسات الدفع التقليدية غير البنكية مثل فيزا، لتستحوذ على نسبة القطاع المتبقية عند 17%، بحسب ذا إيكونوميست. 
ربما تقضي الرقمنة على هيمنة الديناصورات في بعض القطاعات مثل الترفيه والتجزئة، لكن من المتوقع أن يبدي القطاع المالي بعض المقاومة. تتسم البنوك بالرسوخ والاستقرار، مع التفاوت في النسب وفقاً لمقراتها. ونظراً للدعم القوي من قبل منظميها، من المرجح تعاون البنوك الجديدة مع القديمة من أجل البقاء، مع اختلاف سمات النظام الهجين من مكان لأخر. 
يبدو انتعاش الرقمنة بوضوح أكثر في خدمات الدفع. ورغم أنه نتج عن الوباء زيادة في حجم السيولة النقدية لدى الناس، إلا أن وتيرة تداولها تراجعت، ما يعني ميلهم للادخار أكثر من الإنفاق. وفي المقابل، استمرت الدفعيات عن طريق البطاقات، في الزيادة، بفضل انتعاش التجارة الإلكترونية. 
ورغم عودة المحال التجارية إلى ممارسة نشاطاتها، ما زال العمل بالبطاقات البلاستيكية هو المسيطر. ورفعت الحكومات في 31 بلداً حول العالم، سقف الدفعيات بدون تلامس، لتزيد بأكثر من 40% في فيزا وماستر كارد خلال الربع الأول من العام الجاري، بالمقارنة مع الفترة نفسها من 2019. وزادت حصة أسكوير، التي تساعد المؤسسات الصغيرة على قبول دفعيات بطاقات الائتمان، من العملاء الذين لا يتعاملون بالسيولة النقدية في أميركا، من 5% في فبراير، إلى 23% في أبريل. 
وبعيداً عن الغرب، أصبحت المحافظ النقالة، التي تعمل عبر تحميل الأموال في الهواتف المحمولة، شائعة حتى قبل اندلاع الفيروس، إلا أن الأخير ساعدها على الانتعاش. وفي نحو أكثر من 30% من أكشاك الشوارع البالغ عددها 18 ألف في سنغافورة، تم الدفع عن طريق تطبيق كيو آر في الهواتف المحمولة في يوليو، بزيادة تفوق 50% خلال شهرين فقط. واعتمدت العديد من الحكومات الأفريقية، هذه المحافظ كخدمات أساسية، بجانب منعها دفع أي رسوم مقابل التحويل.
وفي حين تلقى الملايين من الناس شيكات تحفيز وأجور للإجازات المدفوعة إبان إجراءات الإغلاق، اتجه العديد منهم للمراهنة على الأسهم من منازلهم ودون دفع أي رسوم للمضاربين.       

مبيعات رقمية
والقطاع المصرفي، الذي يشكل العمود الفقري للتجزئة المصرفية، ليس بعيداً من التغيير، حيث أعلنت البنوك الغربية، عن ارتفاع في عدد المتصلين بتطبيقاتها ومبيعاتها الرقمية. كما شهدت الأسواق الناشئة، زيادة أسرع في عدد الذين يتبنون مثل هذه الخدمات. وأعلن بنك سانتاندر الإسباني المنتشر في ثلاث قارات، عن زيادة في استخدام قنواته الرقمية 20% في أوروبا و30% في أميركا الجنوبية و50% في المكسيك، في النصف الأول من هذا العام، مقارنة بذات الفترة من 2019.
ونجحت الخدمات المالية الرقمية، القوة التي تساعد على دمج الفقراء في القطاع المالي العالمي، في جلب العديد من الناس للنظام المصرفي خلال الأشهر القليلة الماضية. وفي عطلة نهاية أسبوع واحدة، قام بنك دي بي أس السنغافوري، بفتح 40 ألف حساب جديد لمهاجرين، حتى يتمكنوا من إرسال بعض الأموال لأقربائهم رقمياً. وفي بنك كي سي بي الأكبر في كينيا، تضاعف عدد العملاء الذين يستخدمون تطبيق البنك منذ اندلاع وباء كورونا. وقام هؤلاء بتحويل 35 مليار شلن (329 مليون دولار) من محافظهم الرقمية لحسابات البنك في يوليو، بما قارب 6 أضعاف ما كانت عليه في يناير. 
وفي مسح عالمي، أكدت مؤسسة بين الاستشارية، أن 95% من العملاء يخططون للاستعانة بالخدمات المصرفية الرقمية بعد انقضاء جائحة كورونا. ولجأت البنوك ضمن سعيها لتقليل وجود الموظفين بمقراتها، لتقليص عدد الفروع بسرعة أكثر مما هو متصور. وأغلقت البرازيل، 1.5 ألف مصرف تشكل 7% من إجمالي البنوك في البلاد، في حين تخطط أوروبا، لإغلاق 2.5 ألف منها.