يوسف البستنجي (أبوظبي)

تمكنت دولة الإمارات من تعزيز مكانتها كمركز مالي قيادي في منطقة الشرق الأوسط، عالمي المستوى، ينافس أكبر المراكز المالية العالمية بفضل عشرة عوامل رئيسة تميزت بها مسيرة التنمية والبناء والتطوير للدولة، على مدار العقود الماضية، بحسب خبراء اقتصاديين.
وأكد هؤلاء لـ«الاتحاد» أن العوامل تشمل توفير بيئة قانونية تشريعية مرنة عالمية المستوى، وحرية حركة رأس المال والأفراد والسلع، وتوافر عناصر الأمن والأمان، واستقرار السياسة النقدية وتوازنها، وقوة الاقتصاد الوطني وتحقيق فائض مستمر في ميزان المدفوعات، فضلاً عن وجود البنى التحتية الأفضل عالمياً، والخبرات والكوادر البشرية، إلى جانب التفوق في مؤشرات التنافسية، والبيئة الاجتماعية متعددة الثقافات والمنفتحة على العالم، وأخيراً الثقة الكبيرة التي تحظى
 بها الدولة من قبل المستثمرين والشركات العالمية.

  • ناصر السعيدي

دور حاسم
في هذا الإطار، قال الدكتور ناصر السعيدي، الخبير في الأمم المتحدة، والذي شغل منصب كبير الاقتصاديين في سوق دبي المالي العالمي، إن الخبرات العالمية التي اكتسبتها المؤسسات المالية لدولة الإمارات في الأسواق الدولية، وقوة الاقتصاد الوطني الذي يحقق غالباً فائضاً مستمراً في ميزان المدفوعات، عاملان أساسيان في النجاح الذي حققته الدولة لكي تصبح مركزاً مالياً إقليمياً موثوقاً، ذا أهمية عالمية مرموقة.
وأوضح السعيدي، الذي عمل مستشاراً لعدة بنوك مركزية وتجارية كبرى، أن عاملين رئيسيين كان لهما دور حاسم في ذلك؛ الأول: أن الإمارات دولة مصدرة لرأس المال ولديها فائض في ميزان المدفوعات، وأصبح لديها ثروة مالية كبيرة، يتم توظيف جزء منها من خلال الصناديق السيادية وقسم آخر في البنوك، ما مكن مؤسساتها من التعرف إلى التقنيات والظروف المعمول بها في الأسواق العالمية، وسمح لها باكتساب خبرات عالمية في هذا المجال، مكنتها من النجاح في استقطاب وجذب الاستثمارات والأموال.
والثاني: أنه أصبح لدى دولة الإمارات مركزان ماليان عالميان هما: سوق أبوظبي العالمي، وسوق دبي المالي العالمي، يعملان وفقاً لأحدث الممارسات المعمول بها في الأسواق العالمية، وقد بنيا بما يتوافق مع القوانين المالية الإنجليزية التي تعتبر أساساً لجميع التعاملات المالية في العالم تقريباً، واستطاعا أن يستقطبا أفضل الشركات الاستشارية العالمية والمصارف الكبرى في الأسواق العالمية.

  • عبيد السلامي

أطر ناظمة
وفيما يتعلق بالبنية التحتية التشريعية والقانونية، قال عبيد خلفان الغول السلامي، عضو المجلس الوطني الاتحادي، إن دولة الإمارات تتميز ببيئة ديناميكية للأعمال من حيث التطور المستمر والمرونة العالية للأنظمة والأطر القانونية التي تخضع للمراجعة والتحديث بشكل مستمر، بما يضمن كفاءة الأنظمة ومواكبة القوانين لاحتياجات السوق ومتطلبات المستثمرين.
وأضاف: إن الدولة رسخت مكانتها الاجتماعية والسياحية والاقتصادية إقليمياً وعالمياً، كما أنها تسعى بخطى ثابتة لاستثمار نموها الاقتصادي في تعزيز مكانتها الدولية كمركز مالي رائد لجذب الاستثمارات المالية العالمية للمنطقة، ودعم نمو القطاعات غير النفطية في الدولة، وعلى رأسها قطاع الخدمات المالية.
وأوضح أنه في ظل التحولات التي يشهدها الشرق الأوسط، وتوالي القفزات والخيبات التي يشهدها الاقتصاد العالمي، لا يزال المستثمرون يبحثون عن مراكز مالية تواكب هذه التغيرات وتلبي احتياجاتهم وتحمي رؤوس أموالهم، كونهم يعتمدون عليها كنقطة انطلاق تسهم في تنويع استثماراتهم وتعزيز أنشطة شركاتهم. وقال: «نتيجة ذلك، برز دور دولة الإمارات كمركز مالي رائد، استطاع في وقت استثنائي التفوق في المؤشرات الرئيسة للقدرة التنافسية للمراكز المالية العالمية، بالإضافة إلى توفير الخبرات الواسعة وتقديم الخدمات الأساسية التي تتوافق مع الاحتياجات الجديدة للمستثمرين».
 وأوضح السلامي أن حرص القيادة الرشيدة على تطوير وتنمية القطاع المالي أدى إلى تعزيز ثقة المستثمرين بأسواق الدولة، ما ضاعف فرص نموها ومكنها من منافسة المراكز المالية العالمية، لافتاً إلى أن رأس المال البشري أحد عناصر القوة التي تميز أسواق الدولة وتدعم نجاحها ومزاياها التنافسية، حيث تحتضن أسواقنا المالية عدداً كبيراً من ذوي الكفاءات العالية والخبرات الدولية والطاقات الواعدة في القطاع المالي، والتي تساهم في دعم وإثراء مختلف الخبرات المطلوبة في القطاع المالي في الشرق الأوسط، حيث يؤمن صناع القرار في الدولة أن الاستثمار في التنمية البشرية عامل بالغ التأثير على النمو المستدام فيها. وذكر السلامي أن العامل الأهم الذي شكل القاعدة الصلبة لتأسيس أسواقنا المالية، ورسخ مكانة الدولة كمركز مالي عالمي، هو سمعة دولة الإمارات العربية المتحدة، وسمعة قيادتها التي تؤمن بالتنمية الشاملة والمستدامة، فقد أثبتت النجاحات المتواصلة للدولة مصداقيتها ودورها في بناء مستقبل مزدهر للمواطن والمقيم في المجالات كافة، وخصوصاً القطاع المالي، إذ حرصت القيادة الرشيدة أن تشكل الدولة مركزاً مالياً رائداً في المنطقة، قائماً على الأمن والاستقرار واستثمار علاقات الصداقة والتعاون الدبلوماسي والاقتصادي مع دول العالم، ما منح دولة الإمارات صدقية دولية مستحقة أكسبتها ثقة الأفراد والحكومات، وأتاحت لها الفرصة لتحقق قفزات استثنائية على المؤشرات الرئيسة للقدرة التنافسية للمراكز المالية العالمية، فتقود مراكز الشرق الأوسط، وتنافس أكبر المراكز المالية العالمية في لندن وواشنطن وهونج كونج.

  • محمد الأنصاري

عراقة عالمية
من جهته، قال محمد الأنصاري، الرئيس التنفيذي لشركة الأنصاري للصرافة ورئيس مجلس إدارة مجموعة مؤسسات الصيرفة والتحويل المالي في الإمارات، إن دولة الإمارات قطعت شوطاً كبيراً في تعزيز مكانة القطاع المصرفي والقطاع المالي منذ عقود، حيث اعتمدت منذ البداية على سياسة اقتصادية مبنية على الانفتاح على الأسواق الدولية، ما أجبر المؤسسات المالية الوطنية أن تكون بمستوى المنافسة مع المؤسسات العالمية العريقة في القطاع، من حيث جودة الخدمات والأسعار والثقة والالتزام.
وأضاف: سجل القطاع المصرفي والمالي تطوراً كبيراً، ترافق مع جهود مستمرة بذلتها السلطات المسؤولة عن القطاع لتعديل وتطوير القوانين المعمول بها والأنظمة، لتكون متوافقة مع أفضل الممارسات العالمية، مؤكداً أن عناصر عدة توافرت في دولة الإمارات مكنتها من أن تصبح المركز المالي الأول والأكثر أهمية في الشرق الأوسط، تتركز في استقرار السياسة النقدية، وحرية حركة رأس المال، وتبني سياسات مالية ونقدية متكاملة ومتزنة ساهمت في تعزيز ثقة المستثمرين والمؤسسات المالية والاستثمارية العالمية، إضافة إلى توافر البنية التحتية المريحة والمتطورة، ما ساهم في تحفيز المؤسسات المصرفية وبنوك الاستثمار العالمية لتتخذ دولة الإمارات مقراً إقليمياً لها، بغض النظر عن السوق الذي تعمل به في الشرق الأوسط. 

أكبر قطاع مصرفي في الشرق الأوسط
تمكنت دولة الإمارات من بناء أكبر قطاع مصرفي في الشرق الأوسط، بحجم موجودات بلغ 3.190 تريليون درهم بنهاية يونيو 2020، بحسب البيانات الصادرة عن مصرف الإمارات المركزي.
 ويتكون القطاع المصرفي بالدولة من 59 بنكاً موزعة على 21 بنكاً وطنياً و 6 بنوك من دول مجلس التعاون الخليجي و21 بنكاً أجنبياً، إضافة إلى 11 بنكاً للأعمال، وتملك البنوك العاملة بالدولة 718 فرعاً حتى نهاية الربع الأول من 2020، ويعمل فيها نحو 36 ألف موظف من مختلف الجنسيات، يعتبرون من أفضل الكوادر البشرية العاملة في القطاع المصرفي على مستوى العالم، من حيث الخبرات والمعرفة العملية والعلمية.
ونجحت الدولة في أن تكون المركز المالي الأهم في الشرق الأوسط، حيث تستضيف 86 مكتب تمثيل لبنوك عالمية كبرى من القارات كافة، كما يعمل في السوق المحلية 23 شركة تمويل و102 شركة صيرفة، و11 شركة لتداول العملات والوساطة في أسواق النقد العالمية.
وتملك الدولة مركزين ماليين عالميي المستوى، هما سوق أبوظبي العالمي وسوق دبي المالي العالمي، يستضيفان آلاف الشركات المالية والمصرفية والاستشارية العالمية الكبرى التي تمارس عملها في الدولة والمنطقة والأسواق العالمية انطلاقاً من مقراتها في دولة الإمارات، وتعتبران حلقة الوصل بين الأسواق المالية في آسيا وأستراليا من جهة والأسواق الأوروبية والأميركية من أخرى.