حوار : حاتم فاروق

أكد بدر سليم سلطان العلماء رئيس اللجنة التنظيمية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع، أن الثورة الصناعية الرابعة تسهم بشكل فعال في التغلب على الركود الذي يصاحب انتشار فيروس «كورونا»، متوقعاً أن تعزز تلك التقنيات تعافي الاقتصاد العالمي في وقت قياسي، بفضل التطبيقات والتقنيات الحديثة التي من المنتظر أن تقود تغييراً في نمط حياة البشر في مرحلة ما بعد «كورونا».
وقال العلماء في حوار مع «الاتحاد»، إن التدابير الوقائية التي تطبقها دول العالم اليوم لمواجهة تداعيات انتشار فيروس «كورونا» أجبرت الحكومات على إجراء تغيرات جوهرية على طرق المعيشة، بدءاً من طريقة العمل وانتهاءً بطرق التصنيع والتعليم والتشريع، مؤكداً أنه مع صعوبة التنبؤ بالفترة اللازمة للتعامل مع الوباء، إلا أنه من المؤكد أن التعامل مع تداعيات انتشار الفيروس سيغير نمط الحياة الإنسانية بشكل جذري.
وأضاف «رغم اضطرارنا لاتخاذ تدابير احترازية صارمة، إلا أننا في الوقت ذاته لا نستطيع وقف النشاطات الاجتماعية والاقتصادية لأجل غير مسمى، حيث لا بد للحياة أن تستمر بطريقة أو بأخرى، وبالتالي يتوجب علينا إيجاد طرق جديدة ومبتكرة للتغلب على هذا الوباء، وتجاوز أي شكل من أشكال الاضطراب العالمي في المستقبل».
وأوضح أن الكثير من المحللين ركزوا في الماضي على الآثار السلبية المحتملة للثورة الصناعية الرابعة بما في ذلك المخاطر التي تهدد أمن الوظائف ومعيشة المجتمعات الإنسانية والازدهار الاقتصادي، إلا أن التطورات الأخيرة لم تدع مجالًا للشك بأن لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة جوانب إيجابية عديدة في أصعب الأوقات وأهمها تمكين الدول من استرجاع الكثير من النشاطات اليومية وتجاوز التحديات غير المتوقعة. 

جوانب إيجابية
وضرب رئيس اللجنة التنظيمية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع، العديد من الأمثلة التي تكشف الجوانب الإيجابية لتقنيات الثورة الصناعية الرابعة والتي أسهمت بالفعل في سرعة استرجاع النشاطات الاجتماعية والاقتصادية حول العالم، ومنها التكنولوجيا وحلول الاتصال الرقمية التي أتاحت للعديد من الموظفين العمل والتواصل عن بُعد خلال فترة الحجر الصحي، كما تسهم في توفير أنظمة تعليمية بديلة للطلبة في مختلف أنحاء العالم لمواصلة تعليمهم بأمان من منازلهم.
وأضاف العماء أن الطلب على السلع عبر منصات التجارة الإلكترونية، ازداد بشكل ملحوظ ومتنامٍ خلال السنوات الماضية، إلا أن هذا الاستخدام امتد ليشمل الاحتياجات المنزلية الأساسية، الأمر الذي قد يستمر فيما بعد الوباء، لتتحول هذه المنصات الرقمية إلى المتجر الأساسي لدى غالبية المستهلكين.
وأشار إلى أن تقنيات الثورة الصناعية الرابعة مكنت الحكومات حول العالم، من تحليل البيانات الضخمة الخاصة بتتبع مدى وسرعة انتشار الوباء ووضع خرائط تفاعلية، ما أسهم في توفير معلومات حيوية عن الفيروس للحكومات وأنظمة الرعاية الصحية، حتى تستطيع اتخاذ الإجراءات الصارمة والفعالة احتواء الوباء، مؤكداً أن الدول تستطيع اليوم بفضل تقنيات الثورة الصناعية الرابعة تسريع عملية إنتاج المستلزمات الطبية الأساسية، مثل الأقنعة الجراحية ومعدات الاختبار وأجهزة التنفس الصناعي، في فترة زمنية قصيرة يصعب خلالها توفير هذه المستلزمات للمرضى عبر سلاسل القيمة التقليدية.

الشبكات الرقمية
ومكنت تكنولوجيا الثورة الصناعية الرابعة الشركات من مواصلة أعمالها مع الالتزام بضوابط التنائي الاجتماعي التي فرضت لمواجهة انتشار الوباء، بحسب بدر العلماء، الذي أكد أن تقنية «سلاسل الكتل» أو «البلوك تشين» أتاحت توقيع العقود بأمان عبر الشبكات الرقمية، كما يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي اتخاذ القرارات المهمة في عمليات التصنيع، وتتيح الروبوتات مواصلة هذه العمليات من دون تعريض القوى العاملة لمخاطر العدوى. 
وأضاف أن الجمع بين إنترنت الأشياء الصناعي والحوسبة السحابية، يمكن الشركات الصناعية العالمية من تشغيل مرافق عديدة والتحكم فيها عن بُعد من أي بقعة في العالم، وإذا واصلنا اعتماد هذه التقنيات بالسرعة التي نشهدها اليوم، فليس من البعيد في المستقبل القريب أن تسارع تطبيقات النقل مثل «أوبر» و«كريم» في توظيف المركبات ذاتية القيادة للتقليل من التعرض لمخاطر العدوى. وما لا شك فيه أن ضمان بيئة صحية ونظيفة للاقتصاد التشاركي ستكون على قمة أولويات صناع القرار في مرحلة ما بعد الوباء.

توظيف التقنيات
وطالب العلماء بضرورة العمل على تكريس توظيف التقنيات الرقمية في مجتمعاتنا من خلال المزيد من الابتكار وتبني الأفكار الخلاقة، مؤكداً أن الابتكار أثبت عبر العصور قدرته على إيجاد حلول لأصعب التحديات العالمية، وسيظل القوة الدافعة خلف تطور الإنسانية ونشر الازدهار العالمي، لافتاً في هذا الصدد، إلى أن القمة العالمية للصناعة والتصنيع و«مبادرة محمد بن راشد للازدهار العالمي» تركزان على المستقبل ودور الابتكار في تحقيق التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة على المستوى العالمي. 
ونوه رئيس اللجنة التنظيمية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع، بأن انتشار الوباء أكد الحاجة الملحة إلى اتخاذ خطوات توحد شعوب العالم وتجعلها أكثر استعداداً لمواجهة هذا التحدي، خصوصاً مع التأثيرات السلبية للوباء على القطاع الصناعي العالمي، إلا أن الوباء سينحسر في النهاية وسيتخطى العالم هذه المحنة. 
وأوضح أن حكومات العالم عليها التركيز على الإنتاج المحلي وبناء القدرات الصناعية المحلية عبر تدريب قواها العاملة وتأهيلها، بعد الاضطراب الذي أحدثه الوباء في سلاسل الإمداد، متوقعاً أن نشهد على المدى الطويل المزيد من الابتكارات في التقنيات الرقمية، لتؤدي إلى تغييرات جوهرية في عمليات التصنيع، وفي أنماط استهلاك المنتجات وتدويرها، خصوصاً ونحن على أعتاب عصر جديد تساعدنا فيه الثورة الصناعية الرابعة على استرجاع حياتنا الاجتماعية والاقتصادية، وتنقلنا إلى عالم رقمي يمكننا من إعادة بناء الازدهار العالمي.

حوارات افتراضية لصياغة مستقبل الصناعة العالمية
في سابقة هي الأولى من نوعها، تحولت القمة العالمية للصناعة والتصنيع، المبادرة المشتركة بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية «يونيدو»، إلى سلسلة من الحوارات الافتراضية يشارك فيها عدد من كبار صناع القرار الصناعي العالمي للمساهمة في إعادة صياغة مستقبل القطاع الصناعي العالمي ما بعد «كورونا».
وقال بدر العلماء رئيس اللجنة التنظيمية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع «في خطوة تؤكد أهمية دور تقنيات الثورة الصناعية الرابعة في الدمج بين العالمين الفيزيائي والرقمي، تتضمن سلسلة الحوارات الافتراضية للقمة العالمية للصناعة والتصنيع 2020، حواراً افتراضياً عالمياً يجمع كبار قادة القطاع الصناعي، من مختلف القطاعات لمناقشة أهم القضايا التي يواجهها القطاع الصناعي العالمي والمرتبطة بالثورة الصناعية الرابعة».
وأضاف: «وضعنا توفير وسيلة عملية وآمنة تمكننا من الجمع بين كافة الأطراف الراغبة بالمشاركة في فعاليات القمة على قمة أولوياتنا، مع الحفاظ على رؤية ومهمة القمة العالمية للصناعة والتصنيع. وجاءت سلسلة الحوارات الافتراضية لتوفر حلاً مبتكراً يضمن انعقاد القمة في بيئة آمنة وملائمة لعقد الحوارات الهادفة إلى إعادة صياغة مستقبل القطاع الصناعي. ومع انتشار الوباء الذي أثر على حركة الحياة اليومية حول العالم، تتيح الثورة الصناعية الرابعة فرصاً غير مسبوقة لاسترجاع حياتنا الاقتصادية والاجتماعية. وبالتالي تصبح تقنيات الثورة الصناعية الرابعة أملاً بعصر جديد من النمو بدلاً من أن تكون عاملاً لنشر الاضطراب في الأسواق العالمية».