حسونة الطيب (أبوظبي)

تضافرت عوامل الشباب وتوفر فرص التعليم والرقمنة النهضة المدنية، لجذب الاستثمارات الأجنبية إلى جنوب شرق آسيا. ورغم استنفاد الحرب الصينية الأميركية أسلحتها، إلا أنها لا تعكس أي مؤشرات للهدوء، ليكون المستفيد منها دول هذه المنطقة . وظلت الأنظار ولعقد من الزمان، موجهة صوب الصين، إلا أن التركيز تحول ناحية جنوب شرق آسيا، الكتلة المكونة من 10 دول وبكثافة سكانية تقارب 700 مليون نسمة. ولو كان لكل أمة من الأمم لحظة إشراق من الناحية الاقتصادية والسكانية والجيوسياسية، فإن دول جنوب شرق آسيا (جنوب الصين وشرق الهند) تعيش هذه اللحظة حالياً، وفقاً لفاينانشيال تايمز. 

موقع جديد 
فهذه المنطقة، موعودة بكسب موقع جديد في الخريطة العالمية. ويعود ذلك وبنسبة كبيرة، لإمكانية استفادة هذه المنطقة من نجاح جيرانها. وأسهمت 60% من إجمالي التجارة حول آسيا، التي تحولت الآن إلى داخل هذه المنطقة، في القضاء على الحدود فيما بينها وعلى الفقر أيضاً. وشهدت المنطقة أولاً، صعود المذهل، متبوعاً باقتصادات ما يعرف بالنمور الخمسة. وهذه المناطق، هي التي ألهمت وقادت مسيرة النمو في الصين، التي تحولت لأكبر مركز نمو في آسيا. إلا أن كل هذه المناطق تستثمر حالياً في جنوب شرق آسيا. 
وسينجم عن انضمام أعضاء اتحاد أمم جنوب شرق آسيا بعددهم البالغ 10 دول، إلى اليابان والصين والهند وأستراليا، إلى تكون منطقة ضخمة تشكل نحو 40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فيما يتعلق بتعادل القوة الشرائية.
في غضون ذلك، ارتفع رأس المال الاستثماري للصين في جنوب شرق آسيا، بنحو 4 أضعاف خلال السنوات القليلة الماضية. وزاد معدل تجارة الصين مع جنوب شرق آسيا، عن معدلها مع أميركا، حيث باتت الصين تفضل جيرانها الذين يمكن الاعتماد عليهم أكثر من أميركا. وبلغت استثمارات الصين، في شركات التقنية بجنوب شرق آسيا، نحو 650 مليون دولار في الربع الأول من 2019.  كما اتجهت أيضاً الشركات الأميركية صوب المنطقة. ورغم انسحاب أميركا من اتفاق شراكة عبر المحيط الهادئ في 2017، التي يضم أعضاؤها أستراليا واليابان وفيتنام، إلا أن واردات أميركا من فيتنام مستمرة في الزيادة. وارتفعت هذه الواردات في 2019، بنسبة سنوية قدرها 40%، بينما انخفضت من الصين بأكثر من 20%. 
ونظراً لعدم مشاركة أميركا في اتفاق الشراكة، اتجهت شركات مثل، «ماستر كارد» و«كوالكوم» و«إكسون موبيل» و«فايزر»، لزيادة حجم استثماراتها في آسيا. وحُظيت جنوب شرق آسيا، باستثمارات أجنبية مباشرة قدرها 150 مليار دولار خلال 2019، خلف الصين بنحو 200 مليار دولار ومتقدمة على الهند بـ50 مليار دولار. 

اليورو آسيان
ويبدو أن المنطقة موعودة بالكثير، في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي لعقد اتفاقية تجارية مع منطقة الآسيان، اعتماداً على الاتفاقية القائمة مع سنغافورة، بينما تبذل المملكة المتحدة، جهودها لتأكيد حضور أقوى في آسيا عقب مغادرتها للاتحاد.  وتخطط العديد من الشركات العالمية متعددة الجنسيات، لتنويع مصادر عائداتها بالعمل في جنوب شرق آسيا، سواءً كجهة تحوط أو للاستفادة من وتيرة النمو المتسارعة في أسواقها. وسبقت شركة سامسونج مثلاً، بصناعة هواتفها في فيتنام، تحويل كوريا الجنوبية للمزيد من نشاطها الصناعي لتلك البلد، بعد اندلاع وباء كورونا. 
وصحيح أن شركات مثل «آبل» ذات المنتجات المعقدة، لا يمكنها محاكاة تجربتها في الصين في منطقة أخرى، من حيث الجودة وحجم الإنتاج، مثلما تحققه شركة فوكسكون في مصنعها في مدينة شينزو. لكن وحتى قبل ظهور فيروس كورونا، كانت فيتنام من ضمن خطط أبل لإنشاء مصنع شبيه بالمناطق الاقتصادية الخاصة.
وتتوقع فيتنام، تحقيق نمو بنحو 5% خلال العام الجاري. ورغم امتلاكها لناتج محلي إجمالي يناهز 200 مليار دولار، إلا أنها ما زالت تعتبر واحدة من ضمن أفقر دول تلك المنطقة الغنية. وتجاوز الناتج المحلي الإجمالي لإندونيسيا، التي تزخر بالموارد الطبيعية، تريليون دولار، في الوقت الذي يقارب 500 مليار دولار في تايلاند ونحو 350 ملياراً في سنغافورة متساوية مع هونج كونج وما يزيد على 300 مليار دولار في ماليزيا والفلبين.

المساواة والمستقبل
تسبب الفقر والقيود الحدودية بين دول منطقة الآسيان في الماضي، في تراجع معدلات التجارة بين دول المنطقة، إلا أن %60 من مجموع تجارة المنطقة تتم الآن فيما بينها، حيث تلاشت الحدود مصحوبةً بالفقر.  وعلى العكس من الغرب، تصدت منطقة جنوب شرق آسيا، للفقر من خلال الاستثمار في البنية التحتية والتعليم والوظائف والعمليات المصرفية الإلكترونية والتنمية الزراعية وغيرها.   وبالتفكير في كيفية النظر لآسيا خلال العقود المقبلة، ينبغي على المستثمرين الأخذ في الاعتبار بأكثر البديهات المسلم بها، إنه وبدلاً من أن آسيا كانت تعمل لهم، جاء الدور عليهم ليعملوا لها.