باريس (الاتحاد) 
شهدت قاعة مونوري بقصر لوكسمبورغ في العاصمة الفرنسية باريس، حلقة نقاشية نظمها مركز تريندز للبحوث والاستشارات، بالتعاون مع مجلس الشيوخ الفرنسي بعنوان «تعارض الانفصالية الإخوانية مع قيم التعايش.. نظرات متقاطعة»، بمشاركة نخبة من المسؤولين والخبراء.
ودعا المتحدثون إلى تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التسامح والانتماء الوطني بوصفه وسيلة لمواجهة التطرف، وضمان استقرار المجتمعات.
وشدد الخبراء والمتحدثون في الحلقة التي شارك فيها مسؤولون وخبراء من «تريندز» وفرنسا على ضرورة تعزيز التعاون الدولي في محاربة الفكر الإخواني، وتبني خطاب إعلامي واعٍ، وتطوير أطر معرفية لكشف تأثير الجماعات المتطرفة وتفكيك أيديولوجيتها.
كما تم تأكيد أهمية العمل المشترك بين الدول لضمان التعايش السلمي، ونبذ كل أشكال الانفصالية التي تهدد المجتمعات.

كلمة الافتتاح 
افتتحت الحلقة السيناتورة ناتالي جوليه، عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي عن نورماندي، بكلمة أكدت فيها أهمية تعزيز التعاون الدولي لمجابهة مخاطر التطرف والانفصالية التي تهدد استقرار المجتمعات.
وأشادت بالدور الذي يلعبه «تريندز» في مجابهة التطرف العنيف.
وبينت ناتالي جوليه أن الدول الغربية لديها الكثير من نقاط الضعف التي تعتري نظامها، مطالبة في هذا السياق بضرورة وأهمية التعاون بين مراكز البحوث والبرلمانات لفهم أعمق لخطورة الجماعات المتطرفة.

حلول لمواجهة علمية 
وفي كلمته الترحيبية، أعرب الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، عن سعادته بالمشاركة في هذا الحدث الذي يهدف إلى تبادل الآراء حول خطر فكر الجماعات المتطرفة، وعلى رأسها جماعات الإسلام السياسي التي تَستغلُّ الدين لتحقيق أهداف سياسية والتغلغل في المجتمعات وإثارة الانقسام داخلها وتهديد استقرارها، مشيراً إلى أنه على رأس هذه الجماعات بالطبع جماعة الإخوان المسلمين التي تعتبر المظلة التي خرجت من تحتها جميع الجماعات الإرهابية الأخرى.
وقال الدكتور محمد العلي أن كُلاً من مركز تريندز للبحوث، والاستشارات ومجلس الشيوخ الفرنسي يتشاركان الانشغال بمجابهة مخاطر الخطابات المتطرفة، التي باتت تشكل هوية بديلة، لها صفة دينية مؤدلجة، تصنع أفراداً لديهم «عزلة شعورية» تجاه مجتمعاتهم وأوطانهم، بل ولديهم الرغبة للانقلاب على قِيَم هذا المجتمع والإضرار به. 
وذكر في هذا الصدد أن دولة الإمارات العربية المتحدة وفرنسا تتشاركان هدف تعزيز قيم التسامح بين الثقافات والأديان، على المستويين الإقليمي والدولي، وذلك للمساهمة في الحَدِّ من جاذبية الأفكار المتطرفة، واجتثاث ظاهرة التطرف من جذورها. 

حوار فكري
وبين الدكتور محمد العلي أن مركز تريندز أخذ على عاتقه -ومنذ انطلاقته - مكافحة التطرف، وتفكيك خطاب الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، وذلك من خلال تحليل علمي ومعرفي رصين ودقيق، هدفه تفكيك مفاهيم وأيديولوجيات هذه التيارات والجماعات المتطرفة، وطرح التوصيات والحلول الناجعة لمواجهتها. 
وأوضح الدكتور العلي أن مركز تريندز لطالما دعا إلى حوار فكري موسع بين الغرب والعالم العربي لفهم جذور ظاهرة التطرف المؤدي للعنف ومعالجتها بأساليب شاملة.
وشدد على أن هذه الحلقة النقاشية تأتي لترسيخ قيم التسامح والتعايش، مشيراً إلى أن الأفكار البناءة التي سيقدمها المشاركون ستُساهم في دعم الأهداف التي يسعى إليها المركز.

التعايش قاعدة أساسية
بدوره، أكد الدكتور حمد الكعبي، الرئيس التنفيذي لمركز الاتحاد للأخبار، في كلمة مماثلة، أن التعايش قاعدة أساسية لبناء مجتمعات مستقرة ومزدهرة، تتميز بقبول الآخر، وضمان التنوع الثقافي الذي يثري الأوطان، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن هذا المبدأ يواجه تحدياً كبيراً من تيارات الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي دأبت على زرع أفكار انعزالية تهدد النسيج الاجتماعي.
وأوضح الكعبي أن جماعة الإخوان المسلمين ومنذ تأسيسها عام 1928، تبنت سياسة بناء كيانات موازية للمجتمع، تتسم بخصائصها وهياكلها التنظيمية المنغلقة، حيث لم تكتفِ بتشكيل مساجد ومدارس ومستشفيات خاصة بها، بل وصلت إلى تشكيل «تنظيم خاص» مسلح، هدفه تحقيق أجنداتها بعيداً عن القوانين الوطنية، مؤكداً أن هذا الفكر يكرّس انفصال الأعضاء عن أوطانهم، حيث يصبح الانتماء للجماعة فوق الانتماء للوطن، وينعكس ذلك في خطاب أحادي لا يقبل الحوار ولا يعترف بالتنوع، ما يحول الجماعة إلى خطر دائم يهدد التعايش والسلم المجتمعي.

فرنسا.. مواجهة حاسمة
وذكر الدكتور حمد الكعبي أن فرنسا أدركت مبكراً خطورة الفكر الإخواني على مجتمعها، خاصة مع محاولات الجماعة للسيطرة على الخطاب الديني، من خلال بعض الأئمة المرتبطين بها، مشيراً إلى أن السلطات الفرنسية بادرت عام 2020 بتشكيل «المجلس الوطني للأئمة» لتحييد العناصر المتطرفة وضمان خطاب ديني يعزز التسامح والانفتاح، مبيناً أن هذه الخطوة تعكس وعياً بخطورة النزعة الانفصالية التي تتبناها جماعة الإخوان المسلمين، والتي تؤدي إلى تقويض الوحدة الوطنية، ونشر الكراهية، وعرقلة الاندماج بين مكونات المجتمع.

الرسالة الإعلامية الواعية 
وشدد الرئيس التنفيذي لمركز الاتحاد للأخبار على أن الإعلام يعد ركيزة أساسية للتصدي لأفكار الجماعات المتطرفة، من خلال كشف خطابها وتحليل استراتيجياتها، كما أن مراكز البحوث تكمل هذا الدور عبر تقديم قراءات علمية تساعد في تحصين المجتمعات، خاصة الأجيال الصاعدة، ضد محاولات الاستقطاب والتضليل.
ودعا الدكتور الكعبي وسائل الإعلام إلى السعي لتوعية الأفراد بخطورة جماعة الإخوان المسلمين على كل المستويات، وتقديم رؤية شاملة تدحض شعاراتها الزائفة، وتعزز قيم التعايش والانتماء الوطني، كخطوة حاسمة لبناء مجتمعات متماسكة وآمنة، لافتاً إلى أن الفكر الإخواني لا يعترف بالتعايش، بل يسعى إلى تكريس الانعزالية والانقسام داخل المجتمعات. ومن هنا، تبقى الرسالة الإعلامية الواعية والممنهجة، بالإضافة إلى الإجراءات القانونية، ضرورة لحماية الأوطان من خطر هذا الفكر الهدام.

المجابهة المعرفية 
وقد سلط الدكتور وائل صالح، مستشار شؤون الإسلام السياسي والتطرف بمركز تريندز، في مداخلته حول مجابهة الإخوان المسلمين معرفياً.. لماذا وكيف؟ لماذا يتوجب علينا مجابهة الإخوان معرفياً، مشيراً إلى ما أسماه «متلازمة الإخوان المسلمين»، أي مجموعة العلامات والأعراض والظواهر المرتبطة ببعضها، التي تُلازم وتَنتج عن أي وجود لهم في الفضاء العام، وتتنافى مع القيم الأساسية للتعايش، ومن بينها احتكارهم الحقيقة والدين، وعزلة منتسبيهم الشعورية عن المجتمع، والاستعلاء بنمط تدينهم على المجتمع، وغلبة الفكر التعبوي الشعبوي وتجييش الجموع على الفكر المعرفي القائم على عدم نسبية الحقيقة، إضافة إلى سيادة شعار «أينما تكون مصلحة الجماعة فثم وجه الله» في ممارساتهم السياسية، وتحول المجتمع لحالة الصراع الدائم، ليصبح مجتمعاً منقسماً على نفسه، وصولاً للحروب الأهلي، وطغيان الجوانب العقائدية والأصولية على الاجتماعية، وحصر النقاش – إن وجد – على القضايا العقائدية الخلافية القديمة، وهو ما جعل المجتمع رهينة لفقه العصور القديمة والعصور الوسطى، وذلك بالانقطاع عن حركة العلم والفلسفة والتقدم البشري. 
وأضاف الدكتور وائل صالح أن من بين العلامات والأعراض أيضاً سيادة مبدأ التكفير المبرر للعنف في نهج جماعة الإخوان المسلمين السياسي للوصول للحكم، مستندة إلى الاعتقاد بكونها الفرقة الناجية الحارسة للدين، وغياب مفهوم المواطنة وسيادة فكرة ولاء الفرد للجماعة وامتداداتها العابرة لحدود الدولة الوطنية، واستخدامهم من قبل القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مآرب سياسية على حساب الدول العربية والمسلمة. 
وفي تعليقه على كيفية مجابهة الإخوان معرفياً، من خلال رؤية معرفية شدد الدكتور وائل صالح على أهمية تفكيك الأفكار المؤسسة لأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين ونقدها، وذلك من خلال توضيح الخطر الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين على المجتمعات الأوروبية وتكشف نمط تدين الإخوان المسلمين الذي لا يمكن له أن يتوافق مع قيم المواطنة والعيش المشترك، وإعادة تعريف الإرهاب والتطرف الذي يؤدي إلى العنف باسم الدين، ليشمل التحريض على العنف والتبرير له، وتسويغه وتطبيعه. 
ودعا مستشار شؤون الإسلام السياسي والتطرف بمركز تريندز إلى تفكيك الخطاب المتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين في الأكاديميا الغربية، خاصة أن هناك لوبيات أكاديمية تسعى إلى نشر حالة من «الفوضى المعرفية» وتعمل على تأسيس هيمنة معرفية تهدف إلى فرض تفسير يتوافق مع مصالح الجماعات الإسلاموية وحلفائها الاستراتيجيين فقط كما أكد أهمية تسليط الضوء على أنواع التدين غير الإسلاموية التي تتواءم مع قيم الحداثة الاجتماعية والسياسية، ومع قيم العيش المشترك. 

حاضنة فكرية وتنظيمية 
أما حمد الحوسني، الباحث الأول، رئيس قسم دراسات الإسلام السياسي بالمركز، فقد استعرض في مداخلته أطراً تحليلية لفهم تأثير الجماعات المتطرفة وأسلوب تغلغلها في المجتمعات، وقال إن جماعة الإخوان المسلمين تُعدُّ الحاضنة الفكرية والتنظيمية التي انبثقت منها العديد من الجماعات الإرهابية حول العالم، منذ تأسيسها في عام 1928 على يد حسن البنا، مبيناً أن الجماعة ركزت على ترسيخ أيديولوجيا تسعى لإقامة «دولة إسلامية» باستخدام جميع الوسائل المتاحة، بما فيها العنف.
وقال الحوسني إن هذه الأفكار ساهمت في تشكيل بيئة خصبة لظهور تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش، اللذين استند قادتهما إلى أيديولوجية الإخوان المسلمين كأساس لفكرهم التكفيري.
وعرض أمثلة على ذلك من أبرزها أفكار أحد قادة الإخوان المسلمين سيد قطب، الذي قدّم مفهوم «الحاكمية» واعتبر المجتمعات غير الخاضعة لقوانين الشريعة «جاهلية»، مما وفر الشرعية الدينية لاستخدام العنف لإقامة ما يصفه بـ«دولة الخلافة»، لافتاً إلى أن هذه الأفكار كانت نقطة انطلاق للعديد من التنظيمات التي تبنت العنف وسيلة لتحقيق أهدافها.
وشدد رئيس قسم الإسلام السياسي في «تريندز» على أن جماعة الإخوان المسلمين عملت أيضاً كمنصة دعم لوجستي ومالي لهذه التنظيمات عبر شبكاتها العالمية. علاوة على ذلك، وفرت غطاءً أيديولوجياً لهذه الجماعات، ما منحها شرعية سياسية ودينية لدى أتباعها.
وخلصت المداخلة إلى أن جماعة الإخوان المسلمين لم تكن فقط منبعاً فكرياً، بل لعبت دوراً مباشراً وغير مباشر في نشوء الجماعات الإرهابية، مما يجعلها جزءاً أساسياً من معادلة التطرف عالمياً.

العمل على الأرض
من جانبه، قدم جواكيم بويو، عمدة مدينة ألونسو والعضو السابق في البرلمان الفرنسي، رؤيته حول تأثير الانفصالية الإسلاموية على النسيج الاجتماعي الفرنسي.
وأشار لأهمية العمل على الأرض، والتحدث مع الناس لفهم سياقات التطرف ومعرفة مجابهتها.
وأكد أنه شاهد على تعدد نسخ التدين بين المسلمين في تلك المنطقة، وأنه لاحظ العداء بين الإسلاميين من جهة وبين النسخ الأخرى من التدين، مشيراً إلى أنه بلغ الأمر ببعض الإسلاميين التشكيك في تدين المسلمين الآخرين لمجرد الاختلاف السياسي معهم حول بعض القضايا التي ليس لها علاقة بالدين لا من قريب، ولا من بعيد.

قيم الجمهورية 
تناولت البروفيسورة مورغان دوري فوفو، أستاذة القانون بجامعة بيكاردي جول فيرن، القوانين الأوروبية التي تعزز قيم التعايش وتحارب التطرف، مشيرة إلى مدى تغلل جماعات الإسلام السياسي في الجامعات الفرنسية وخطورة ذلك على قيم الجمهورية الفرنسية.
وأكدت ضرورة التعامل بجدية لكبح تهديد الجماعات الإسلاموية، ومنعها من التأثير على شباب الجامعات في تلك المرحلة العمرية الحرجة، وذلك من خلال المزيد من القوانين والمزيد من المجابهة المعرفية.
وطالبت البروفيسورة دوري بحماية قيم الجمهورية الفرنسية، والحؤول بين استخدام الجماعات المتطرفة سياق الديمقراطية الغربي للانتشار والتجييش لأيديولوجيتها في الجامعات.
وفي ختام الحلقة، كرّم الدكتور محمد عبدالله العلي المشاركين، ومنح عدداً منهم ميدالية تريندز البحثية، تقديراً لجهودهم ودعمهم العمل البحثي لـ«تريندز».