أبوظبي (الاتحاد)
أوصى المشاركون في قمة «تريندز» الأولى لمراكز الفكر في دول البريكس، التي عقدها مركز تريندز للبحوث والاستشارات في روسيا على هامش قمة قادة دول مجموعة البريكس 2024، في مدينة قازان الروسية، بضرورة توسيع أدوار مراكز الفكر ووسائل الإعلام، لتؤدي دوراً محورياً وحيوياً في دعم السياسات العامة، وصياغة استراتيجيات مبتكرة لتحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز التعاون الدولي بين دول مجموعة البريكس.
وأكدوا أن دور المؤسسات البحثية والإعلامية في دول البريكس أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث يقع على عاتقها تطوير المعرفة التي تقود الابتكار والتقدم والازدهار، حيث تمتلك القدرات والإمكانات في تحليل التحديات، وتحويلها إلى فرص واعدة، مشددين على أهميتها في مجال تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي من شأنها تعزيز التعاون ضمن دول مجموعة البريكس، وزيادة تأثيرها الجماعي على الصعيد العالمي.
وأشاروا إلى أن مراكز الفكر تضطلع بدور حيوي في رسم مسارات التنمية لدول البريكس، موضحين أن التكتل بحاجة إلى تفعيل الدبلوماسية الإعلامية، وتأهيل الباحثين الشباب للنهوض بالمعرفة الجماعية لدول التكتل، إلى جانب دمج مبادئ البيئة والمجتمع والحوكمة لتعزيز الابتكار الأخضر والتنمية المستدامة.
جاء ذلك، ضمن أعمال قمة «تريندز» الأولى لمراكز الفكر في دول البريكس، التي عقدها المركز في روسيا بالشراكة مع وكالة الأنباء الحكومية الروسية «إيتار تاس»، وقناة «روسيا اليوم»، باعتبارهما الشريكين الإعلاميين للقمة، إلى جانب مشاركة نحو 14 مؤسسة بحثية من 10 دول أعضاء في تكتل البريكس.
وتضمنت القمة جلستين رئيسيتين، تمحورت الأولى حول «دور مراكز الفكر في تطوير السياسات الاقتصادية والثقافية والجيوسياسية لدول البريكس»، بينما ناقشت الجلسة الثانية «دور مراكز الفكر ووسائل الإعلام في تعزيز القوة الناعمة لدول البريكس».

قمة فكرية هادفة
وقال الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات، في الكلمة الترحيبية للقمة، إنه في الوقت الذي تتواصل فيه المباحثات والمناقشات الرسمية بين قادة دول البريكس في قمة قازان، كنّا حريصين على أن يترافق ذلك مع قمة فكرية هادفة تعرض تصورات وأفكاراً بنّاءة تدعم التحركات الرسمية الرامية إلى تطوير التعاون بين دول البريكس، ودعم جهود تحقيق الازدهار والسلام، والتعاون بين هذه الدول وشعوبها.
وأكد العلي أن «تريندز» يسعى من خلال تنظيم هذه القمة العلمية رفيعة المستوى إلى إجراء نقاشات فكرية معمّقة حول أفضل السبل والوسائل التي تُمكّن مراكز البحوث في دول البريكس من تحقيق أهدافها الطموحة، مع التركيز على الأبعاد المستقبلية المتمثّلة في استشراف التطورات المستقبلية، وصياغة السياسات والتصورات التي تعزّز من الفرص المستقبلية، وتقلّل من التحديات التي يمكن أن تُعيق مسار التطور المستقبلي لدول البريكس وعلاقات التعاون فيما بينها.

قدرات اقتصادية هائلة
وأشار العلي إلى أن تكتل البريكس يمتلك قدرات ديموغرافية واقتصادية هائلة، حيث تُمثّل الدول العشر، أعضاءُ المجموعة الحاليّون، 45% من سكان العالم، ويشغَلون 25% من مساحة اليابسة، ويبلغ حجم اقتصاداتهم 28.3 تريليون دولار، وتصل نسبة مساهمتهم في الاقتصاد العالمي إلى 28.8%، فيما يسيطرون على 20% من التجارة العالمية، وفق بيانات منظمة التجارة العالمية.
وأضاف أن هذه الإمكانات الضخمة تُنبئ بمستقبل واعد لهذا التكتل، يكون فيه قوةً اقتصادية وسياسية مهمّة على الساحة الدولية، وهو ما يحتاج إلى رؤية متكاملة تستند إلى أفكار وأطروحات علمية ترسم خريطة واضحة لتحقيق هذا المستقبل، موضحاً: «يَقيني أن هذا هو دور مراكز البحوث والدراسات، التي ينبغي عليها أن تتعاون من أجل أن تقدّم هذه الرؤية المتكاملة، من خلال تطوير استراتيجيات مبتكرة، ووضع خطط عملية قابلة للتنفيذ».

تشكيل سياسات جيوسياسية
وافتتح أعمال القمة محمد السالمي، رئيس قطاع البحوث في مركز تريندز للبحوث والاستشارات، ملقياً للكلمة الافتتاحية، الذي قال فيها، إن أهمية مراكز الفكر والبحث ووسائل الإعلام تتزايد يوماً بعد يوم في تشكيل السياسات الجيوسياسية وتعزيز القوة الناعمة للدول، مضيفاً أن قمة «تريندز» تناقش موضوعاً حيوياً، وهو دور هذه المراكز في تشكيل سياسات دول مجموعة البريكس، وتعزيز نفوذها عالمياً.
وذكر السالمي أن هذه القمة تهدف إلى تسليط الضوء على أهمية التعاون بين مراكز الفكر ووسائل الإعلام، وتحديد التحديات والفرص المتاحة في هذا المجال، وتطوير استراتيجيات لدعم القوة الناعمة لدول البريكس، ما يسهم في تعزيز مكانتها على الساحة الدولية.

تطوير سياسات البريكس
عقب ذلك، انطلقت مناقشات الجلسة الأولى التي حملت عنوان «دور مراكز الفكر في تطوير السياسات الاقتصادية والثقافية والجيوسياسية لدول البريكس»، وأدارها عبدالعزيز الشحي، الباحث الرئيس في «تريندز»، حيث أكدت الدكتورة ناتاليا بيرينكوفا، من جامعة لوباتشيفسكي الروسية، أهمية التعاون بين مراكز الأبحاث في دول البريكس، مشددة على ضرورة الحوار وتبادل المعلومات لسد الفجوات في أساليب البحث.
وذكرت بيرينكوفا أن مراكز الأبحاث قادرة على تعزيز التفاهم المتبادل، وتشجيع النهج متعدد التخصصات، داعية إلى تأهيل الباحثين الشباب ونشر المعرفة، مبرزة أهمية الترابط بين الأوساط الأكاديمية ومراكز الأبحاث في روسيا، ومطالبة بتسليط المزيد من الضوء على أهمية البرامج التدريبية والمشاريع التعاونية لإنتاج باحثين بآفاق عالمية.

المعرفة الجماعية
بدوره، قال الدكتور أسامة الجوهري، مساعد رئيس مجلس الوزراء المصري، ورئيس مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، إن التراجع المتوقع في نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي على مدى السنوات الخمس المقبلة يضع ضغطاً على اقتصادات مجموعة البريكس، ما يجعل التعاون البحثي والفكري عاملاً رئيساً من أجل نجاح المجموعة في تحقيق أهدافها.
وذكر أن دور مراكز الفكر أصبح أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث تؤدي دوراً جوهرياً في تطوير المعرفة التي تقود الابتكار والتقدم، مشدداً على ضرورة التوسع في أدوار المراكز البحثية في مجال تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية، التي من شأنها تعزيز التعاون ضمن دول مجموعة البريكس، وزيادة تأثيرها الجماعي على الصعيد العالمي.

مسارات التنمية
وأوضح الدكتور مرتضى زمانيان، عضو مجلس الإدارة والمستشار الأول في مركز الحوكمة والسياسات (GPTT)، أن مراكز الفكر تضطلع بدور حيوي في رسم مسارات التنمية لدول البريكس، مركزاً على التحديات التي تفرضها الهياكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتنوعة لهذه الدول، مؤكداً أهمية وجود وسطاء مؤسسيين لتجاوز هذه الاختلافات.

مؤشرات اقتصادية متكاملة
وأشار الدكتور ماكسيم ماير، مستشار المدير العام لشركة روسجيولوجيا، إلى أن المراكز البحثية والفكرية والتحليلية المتخصصة والخاصة أكثر نجاحاً وكفاءةً، ما يفتح المجال أمام مراكز دول البريكس البحثية والتحليلية للعمل المشترك على فهم آفاق واتجاهات العلاقات بين الدول الأعضاء في البريكس.

تعزيز القوة الناعمة
وحملت الجلسة الثانية من القمة، عنوان «دور مراكز الفكر ووسائل الإعلام في تعزيز القوة الناعمة لدول البريكس»، وأدار مناقشاتها علي آل علي، الباحث ومدير إدارة «تريندز دبي»، واستهل مداخلاتها ألوك كومار، رئيس المجلس الاقتصادي الهندي، الذي أكد أهمية الثقة والقيم المشتركة والتكامل الاستراتيجي لتحقيق التعاون المستدام بين دول البريكس، إلى جانب دمج مبادئ البيئة والمجتمع والحوكمة لتعزيز الابتكار الأخضر والتنمية المستدامة.

الدبلوماسية الإعلامية
أما فضيلة المعيني، رئيسة مجلس إدارة جمعية الصحفيين الإماراتية، فذكرت أن التطور المتسارع الذي تشهده دول التكتل يحتّم على وسائل الإعلام تأدية دور موازٍ لإبراز جهود التكتل، الأمر الذي يؤكد ضرورة بناء قوة إعلامية جديدةٍ خاصةٍ بالتكتل، تستهدف الوصول إلى مختلف الجماهير في دول التكتل، مضيفة أن دول التكتل بحاجة ملحّة الآن إلى تفعيل الدبلوماسية الإعلامية، لإبراز الأهداف الحقيقية لها نحو عالم متعدد الأقطاب.

منصة الدراسات الاقتصادية
على هامش أعمال قمة «تريندز» الأولى لمراكز الفكر بدول البريكس، أعلن فهد المهري، رئيس قطاع «تريندز دبي»، عن مبادرة «تريندز» لإنشاء منصة الدراسات الاقتصادية لمراكز الفكر بدول البريكس، والتي ستمثل منتدى تفاعلياً يجمع بين الخبراء والباحثين من جميع المراكز البحثية المتعاونة بدول البريكس، بهدف دعم تبادل المعرفة وتحليل البيانات الخاصة باقتصادات مجموعة البريكس.
وأوضح المهري أن المنصة تسعى إلى توفير مستودع شامل للتحليلات والأبحاث المتعلقة باقتصادات دول البريكس، ما يجعلها مصدراً موثوقاً للمعلومات التي تساعد على فهم أعمق للتحديات والفرص الاقتصادية في هذه الدول.

تعددية حقيقية
أكد هو تشينتاو، مدير مكتب المجموعة الصينية للإعلام الدولي في موسكو، أهمية التعاون بين دول البريكس في ظل التغيرات العالمية، مشيراً إلى أن توسع مجموعة البريكس يمثل حقبة جديدة للتعاون في الجنوب العالمي، ما يعزز التبادل العميق بين الدول الأعضاء، وبالرغم من تحديات الأحادية العالمية، تلتزم دول البريكس بتعددية حقيقية، مشدداً على دور الإعلام ومراكز الأبحاث في مواجهة التحديات العالمية.

نظام عالمي جديد
أكد الدكتور حسين سولومون، من مركز دراسات النوع الاجتماعي وأفريقيا، أن العالم يعيش فترة تغير مناخي شديد، في الوقت الذي يشهد فيه العالم تشكل نظام عالمي جديد تقوده دول مجموعة البريكس، حيث إن دول مجموعة البريكس تمثل أكثر من 42% من سكان العالم، وما يقرب من 36% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
وذكر سولومون أن مجموعة البريكس يمكن أن تصبح نصيراً للقارة الأفريقية في المنتديات المتعددة الأطراف، خاصة فيما يتعلق بمسألة التغير المناخي، وأن تكون شريكاً جديداً لأفريقيا، حيث تظل قارة أفريقيا الأكثر عرضة لتغير المناخ على الرغم من مساهمتها الضئيلة في انبعاثات الغازات الدفيئة.

صياغة مبادرات تعاونية
ذكر الدكتور ييتينا جبر، مدير المعهد الإثيوبي للشؤون الخارجية، أن قمة «تريندز» لمراكز الفكر في دول البريكس تفتح المجال لتبادل المعرفة وتحديد التحديات والحلول المشتركة، إلى جانب أهميتها في وضع توصيات سياسية وصياغة مبادرات تعاونية والدعوة إلى سياسات مؤثرة تعزز التنمية المستدامة.

شمول وتعاون
أوضح الدكتور تشاو تشونغشيو، رئيس جامعة الأعمال والاقتصاد الدولي بالصين، أن دول البريكس تتمسك بروح الانفتاح والتعاون في جميع المجالات والمنافع المشتركة، وقد عزز هذا النهج من قدرات دول البريكس وتقدمها الاقتصادي، وساهم في تعافي الاقتصاد العالمي.