طه حسيب (أبوظبي)
تحت عنوان «الإمارات.. ريادة عالمية في الذكاء الاصطناعي»، سلطت فعاليات الجلسة الأولى لمنتدى الاتحاد التاسع عشر الضوء على رؤية الدولة ومبادراتها في مجال الذكاء الاصطناعي.
الجلسة التي أدراها الإعلامي أحمد اليماحي، استهلها الدكتور سعيد الظاهري، مدير مركز الدراسات المستقبلية- جامعة دبي، بطرح قراءة ثرية لفرص ومسارات الذكاء الاصطناعي التي تغير عالمنا.
وطرح الظاهري رؤية متكاملة للذكاء الاصطناعي، من خلال سرد بعض المزايا، وتوضيح بعض المخاطر، وأشار في مداخلته إلى أن الذكاء الاصطناعي يرفع إنتاجية الفرد بنسبة 40 في المائة، وأن هناك وظائف جديدة بدأت في الظهور، مثل «المدير التنفيذي للذكاء الاصطناعي»، ودعا الظاهري إلى ضرورة وجود مجلس أخلاقيات من أجل وضع تحديات الذكاء الاصطناعي تحت المجهر.
ولدى الظاهري قناعة بأنه لا ينبغي إعطاء الأولوية لمنطق الربحية عندما يتعلق الأمر بالأخلاقيات، مشيراً إلى أن القيادة الإماراتية الرشيدة أدركت أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي والطفرة التقنية لا ينبغي تركها للشركات الكبرى فقط، بل لا بد أن يكون للحكومات دور في صياغة تطورها.
وطرح الظاهري مقاربة تحليلية معززة بشرح للمفاهيم الجديدة التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، والمعطيات الثرية للذكاء الاصطناعي التوليدي والذكاء الاصطناعي التنبؤي، والمكاسب المأمولة منهما، خاصة ما يتعلق بتحفيز الابتكار والتحول الرقمي وتسريع النمو، من خلال تحسين الإنتاجية، وتخفيض التكلفة وخلق قيمة مضافة.
نتيجة حتمية
أكد الظاهري مسارات التغيير كنتيجة حتمية لطفرة الذكاء الاصطناعي، خاصة ما يتعلق بتعريف مستقبل العمل، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي «لن يغير فقط ما نفعله، بل يغير الطريقة التي نتعامل بها مع ما نفعله».
وأشار الظاهري إلى أن من أهم النتائج الإيجابية لتطبيقات الذكاء الاصطناعي تسريع التحول الرقمي عبر تكثيف الاعتماد على البيانات، وتغيير طبيعة الوظائف، خاصة ظهور وظائف جديدة واختفاء وظائف تقليدية، ومن المتوقع أيضاً أن يدعم الذكاء الاصطناعي عملية صنع القرار، من خلال تحليلات أكثر عمقاً للبيانات.
وتطرق الظاهري إلى فرص يطرحها الذكاء الاصطناعي، كتحسين الرعاية الصحية، وزيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية، وتقليل الهدر، وتطبيقات التنقل الذكي، والحد من الآثار السلبية للتغير المناخي، خاصة تطوير نماذج تنبؤية قادرة على تحسين الجاهزية لمواجهة التغيرات المناخية، وتحسين كفاءة الإنتاج الصناعي من خلال الروبوتات الذكية.
تحديات الفجوة الرقمية والاستدامة
أشار الظاهري إلى بعض المخاوف التي يطرحها الذكاء الاصطناعي، كخطر زيادة الفجوة الرقمية بين الدول، والتحيز والمعلومات المغلوطة والتزييف العميق، وانتهاك حقوق الملكية الفكرية، وبعض التحديات المتعلقة بالاستدامة، في ظل استهلاك مراكز البيات كميات هائلة من الطاقة والمياه، ما يدفع باتجاه زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل مراكز البيانات.
وتطرقت ورقة الظاهري إلى حوكمة الذكاء الاصطناعي، من أجل ضمان استخدامه بطريقة مسؤولة وشفافة، ما يستوجب تعاوناً دولياً لوضع معايير وتشريعات لضمان حوكمة الذكاء الاصطناعي، ووضع معايير عالمية تضمن حقوق الإنسان، وتجنب التحيزات التقنية.
الشباب والابتكار المسؤول
في الجلسة الأولى من المنتدى، وتحت عنوان «مبادرات إماراتية في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي»، شاركت الدكتور ابتسام المزروعي، رئيسة مجلس إدارة مبادرة الأمم المتحدة «الذكاء الاصطناعي من أجل التأثير الإيجابي»، مستشارة للذكاء الاصطناعي في الاتحاد الدولي للاتصالات- سويسرا، بمداخلة عن جهود الإمارات في برامج الذكاء الاصطناعي التوليدي، وأهمية الذكاء الاصطناعي المسؤول، ومبادرات الدولة في تطوير نماذج وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.
وأشارت المزروعي إلى أن الشباب ليسوا فقط قادة المستقبل، بل هم أيضاً مهندسو ومطورو المستقبل؛ ولذلك دعت إلى ضرورة إطلاق مبادرات في العالم لتعزيز مهارات الابتكار لدى الشباب، بحيث يكون ابتكاراً مسؤولاً، يضمن استخدام الذكاء الاصطناعي في التنمية والازدهار.
وإدراكاً لأهمية دور الشباب في تشكيل مستقبل التكنولوجيا، أشارت المزروعي إلى «مبادرة قادة الذكاء الاصطناعي للشباب» التي انطلقت الأسبوع الماضي في الهند، من أجل توفير منصة للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عاماً لقيادة الابتكار المسؤول في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث سيتمكن المشاركون من فتح مراكز في مناطقهم، والعمل من كثب مع فريق المبادرة لقيادة مشاريع محلية، وتحقيق تغيير عالمي.
«الذكاء الاصطناعي والمصلحة العامة»
أشارت المزروعي إلى أن الذكاء الاصطناعي يوفر فرصاً هائلة لتحقيق التقدم والابتكار، ولكنه يأتي أيضاً مع تحديات ومسؤوليات تتطلب تعاوناً دولياً لضمان استخدام هذه التقنيات بشكل مسؤول ومستدام، وفي هذا السياق، أُطلقت مبادرة «الذكاء الاصطناعي من أجل المصلحة العامة» خلال قمة عام 2024؛ بهدف تطوير شبكة عالمية من الداعمين الملتزمين بتمويل وتوفير الموارد لأنشطة الذكاء الاصطناعي حول العالم، مع التركيز على تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر للأمم المتحدة.
الإنسان وليس الآلة
قالت نورة المزروعي، إنه على الرغم من الآلة ستصبح أكثر ذكاء من الإنسان، فإنها لا تحكم العالم، فالإنسان لا بد أن يسيطر على الآلة وليس العكس.
ونوهت المزروعي بنجاح صحيفة الاتحاد في نشر أول مقال مكتوب بالذكاء الاصطناعي من إنتاج تطبيق «نور»، الأول من نوعه الذي يستخدم اللغة العربية.
وأشارت الدكتورة ابتسام المزروعي إلى مبادرات الدولة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي التوليدي التي حققت فيها سبقاً على الشركات العالمية الكبرى.
في عام 2022، تم إطلاق نموذج «نور»، أول نموذج إماراتي للذكاء الاصطناعي التوليدي. كان التحدي الأساسي الذي واجهناه هو نقص البيانات باللغة العربية لتطوير نماذج قادرة على فهم وإنتاج اللغة العربية بدقة.
لتحقيق ذلك، تعاونّا مع جريدة الاتحاد لتوفير البيانات اللازمة، مما ساعدنا على بناء نموذج يفهم السياق والمعاني في النصوص العربية. وتم أيضاً خلال الكونغرس العالمي للإعلام التواصل مع جريدة الاتحاد، ونشر أول مقال باللغة العربية مكتوب بقلم نموذج نور قبل ظهور «تشات جي بي تي».
رحلة مع الذكاء الاصطناعي
تطرقت المزروعي لتجربتها في مجال الذكاء الاصطناعي، من خلال معهد أبوظبي للابتكار التكنولوجي، حيث لم يكن هناك مركز أو وحدة متخصصة في الذكاء الاصطناعي؛ لذلك تم تركيز الجهود على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي، ووضع الخطط والاستراتيجيات للمشاريع الهادفة.
وقالت: من التحديات التي واجهتنا في البداية، صعوبة إقناع الجهات المعنية بأهمية بناء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، كان التركيز آنذاك على الروبوتات وقطاعات محددة دون الاهتمام الكبير بالذكاء الاصطناعي التوليدي.
الحاجة إلى الحوكمة الفعّالة
تشارك ابتسام المزروعي، خلال شهر نوفمبر المقبل، في نقاشات مغلقة بالولايات المتحدة الأميركية، هدفها التركيز على تعزيز التعاون الدولي لتطوير أطر حوكمة عالمية لأمان الذكاء الاصطناعي، وترى أن هذه الفعاليات فرصة لتسهيل تبادل الأفكار والرؤى بين الخبراء وصناع القرار، مما يدعم تطوير وتنفيذ سياسات فعّالة.
وأكدت المزروعي أن التحدي المستقبلي يكمن في ضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي قوة للتماسك العالمي وليس للانقسام، وهو ما يتطلب جهوداً جماعية مستمرة لخلق نموذج حوكمة شامل يتوقع التطورات المستقبلية ويعالج التحديات الأخلاقية والأمنية الحالية.
تحسين جودة الحياة
تحت عنوان «الذكاء الاصطناعي وتحسين جودة الحياة»، شارك الدكتور جمال الصوالحي، أستاذ مساعد الهندسة الكهربائية بجامعة خليفة بمداخلة تطرق خلالها إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على زيادة الكفاءة، وتقليل ساعات العمل، وضرب مثالاً على ذلك بدراسة بريطانية وجدت أن الشركات التي دمجت تقنيات الذكاء الاصطناعي كانت أكثر قبولاً لتقليل أيام العمل الأسبوعية إلى 4 أيام فقط، وأشار إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تلخيص النصوص وصياغة رسائل البريد.
ولدى الصوالحي قناعة بأن التغيرات التي يطرحها الذكاء الاصطناعي أشبه بثورة صناعية جديدة تستطيع من خلالها التفوق على البشر ليس في القوة البدنية، بل في القدرة الفكرية.
وأكد الصوالحي أن الهدف الأول من استخدام الذكاء الاصطناعي في الدولة هو التركيز على تحسين جودة الحياة. يحمل الذكاء الاصطناعي إمكانات هائلة في تطوير قطاعات التعليم والصحة والمواصلات. ففي قطاع المواصلات، تأمل خطة طرحتها الأمم المتحدة بأن السيارات ذاتية القيادة قادرة على تخفيض الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق، والتي بلغت 1.3 مليون حالة وفاة عام 2023 إلى النصف بحلول عام 2030، على اعتبار أن هذه الحوادث ناجمة بنسبة 94% عن إهمال بشري.
ولفت الصوالحي إلى بعض تحديات، منها خسارة الوظائف، على سبيل المثال سيؤدي التوسع في السيارات ذاتية القيادة، بالولايات المتحدة الأميركية، إلى الاستغناء عن 100 مليون سائق شاحنة، وسيتم استبدالهم ببضعة آلاف من المهندسين.
اقرأ أيضاً:
الجلسة الثانية: الذكاء الاصطناعي التوليدي.. فرص ومخاطر
الجلسة الثالثة: توظيف الذكاء الاصطناعي يعزز التنافسية على الساحة العالمية