دينا جوني (أبوظبي)
يشهد التعليم في العالم تحولاً نوعياً؛ بفضل التقنيات الحديثة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي الذي أصبح يلعب دوراً حيوياً في تحسين جودة التعليم وتطوير العملية التعليمية. 
ووضعت وزارة التربية والتعليم استراتيجية من 10 محاور أساسية تستعرض فيها تأثير استخدامات الذكاء الاصطناعي في العملية التعليمية، وكذلك العملية الإدارية للمدارس، وكيف يمكن لهذه التقنيات أن تعين مختلف أطراف العملية التعليمية في إنجاز مهامهم.

التخطيط الفعال 
أولاً: في محور التخطيط الفعال وإدارة المهام، تعتبر الوزارة أن مديري المدارس يعدّون من الفاعلين الرئيسيين في عملية التحول، وهم يقضون ما يقارب 15 ساعة أسبوعياً في المهام الإدارية، مثل إدارة السجلات، وتنظيم الجداول. وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي في تبسيط المهام الإدارية، وأتمتة الجدولة، وتخطيط الموارد وإدارة سجلات الطلاب، بالإضافة إلى تتبع الحافلات وصيانة المباني، مما يتيح لهم المزيد من الوقت للتركيز على تحسين البيئة التعليمية بشكل شامل. 
ثانياً: محور التقييم، إذ يقضي المعلمون ما يقارب 5 ساعات أسبوعياً في تصحيح الواجبات، ووضع الدرجات.. يساعد استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي في أتمتة تصحيح الواجبات والاختبارات الدورية، مما يقلل وقت التصحيح بنسبة تصل إلى 50%، ويتيح لهم التفرغ للتفاعل المباشر مع الطلاب، وتحسين عملية التدريس.
ثالثاً: محور خطط الدروس الذكية، ويمثل إعداد الدروس أيضاً تحدياً كبيراً للمعلمين، حيث يقضون ما يصل إلى 12 ساعة أسبوعياً في تحضير الدروس. ويُسهم الذكاء الاصطناعي في تخفيض هذا العبء من خلال توفير أدوات ذكية تتيح إعداد الدروس بشكل أسرع وأكثر تنظيماً، مما يساعد المعلمين على التركيز على تقديم محتوى تعليمي أفضل.
رابعاً: يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن توفر مصادر تعليمية مخصصة، تُصمم بناءً على مستوى الطالب الفردي، مما يساهم في تحسين الأداء الأكاديمي بنسبة تصل إلى 8%. وتعتمد هذه الأدوات على وسائل مرئية وتفاعلية لتعزيز فهم الطلاب للمادة بشكل أعمق. 

الواجبات المدرسية
يذكر المحور الخامس التحدي الآخر الذي يواجه الطلاب، وهو الواجبات المدرسية، حيث أظهرت الإحصائيات أن 1 من كل 10 طلاب لا يستمتعون بأداء واجباتهم المدرسية. ولكن مع الذكاء الاصطناعي، يمكن إعداد واجبات دراسية محفزة تشجع على التفكير الإبداعي والتطبيق العملي، مما يزيد من تفاعل الطلاب واندماجهم في عملية التعلم. 
علاوة على ذلك، يمكن للذكاء الاصطناعي في المحور السادس توفير تقييم شامل لأداء الطلاب بشكل منتظم، إذ أظهرت البيانات أن 84% من الطلاب يعتبرون أن تقييم الواجبات الفوري يعزز تحصيلهم العلمي؛ لذا فإنه يمكن الاستعانة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لتقديم تقارير مفصلة للمعلمين حول تقدم الطلاب ومستوياتهم الأكاديمية، مما يساعد على تحسين مستويات التعلم، وضمان توجيه الطلاب بشكل صحيح.

التدريس الخصوصي
يأتي التدريس الخصوصي في المحور السابع.. وذكرت الوزارة أن 9 من كل 10 طلاب تحسن أداؤهم بشكل ملحوظ عندما استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي كمدرس خصوصي. وتوفر هذه الأدوات دعماً مخصصاً للطلاب في المواضيع التي يحتاجون إلى تحسينها. 

مهارات التفكير 
من الفوائد الأخرى الهامة التي وردت في المحورين الثامن والتاسع، القدرة في الحصول على التنويه الفوري من أدوات الذكاء الاصطناعي، إذ يحصل 75% من الطلاب على ملاحظات فورية حول أدائهم، مما يتيح لهم الفرصة لتحسين مستواهم بشكل أسرع وأكثر فعالية. والذكاء الاصطناعي لا يعزز فقط الأداء الأكاديمي، بل يساهم أيضاً في تطوير مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الطلاب.
وأظهرت الدراسات أن 8 من كل 10 طلاب قد شهدوا تحسناً في مهاراتهم النقدية والإبداعية؛ بفضل أدوات الذكاء الاصطناعي، التي تشجع على تطبيق المفاهيم النظرية بطريقة عملية ومبتكرة. 

الإرشاد المهني 
عاشراً وأخيراً: الإرشاد المهني، حيث يلعب الذكاء الاصطناعي دوراً مهماً في توجيه الطلاب نحو مستقبلهم المهني. فقد أبدى 72% من الطلاب في دولة الإمارات رغبتهم في استكمال تعليمهم والعمل في وظائف تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مما يؤكد أهمية هذه التقنية في توجيه الجيل الجديد نحو المجالات المهنية المناسبة التي تلبي احتياجات سوق العمل. 

تحسين تنافسية الإمارات عالمياً 
تُجمع آراء الخبراء على أن الذكاء الاصطناعي ليس فقط أداة لتحسين جودة التعليم، بل هو أساس لتحسين تنافسية الإمارات عالمياً.. عبر الاستثمار في تعليم الذكاء الاصطناعي، وتطوير المهارات التقنية للطلاب، يمكن للإمارات أن تكون في مقدمة الدول الرائدة في مجال الابتكار واقتصاد المعرفة.
ومع رؤية طموحة مثل رؤية الإمارات 2071، التي تعدّ جزءاً من استراتيجية شاملة، فهي تهدف إلى تمكين الطلاب بالمعرفة والمهارات التكنولوجية المتقدمة، وتسهم في إعداد جيل قادر على مواجهة تحديات المستقبل واستثمار الفرص التي تتيحها الثورة الرقمية.

وأكدت خولة البلوشي، مسؤولة شؤون المجتمع في جامعة خورفكان، أن الجامعة بدأت بالفعل في استخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، من خلال عقد العديد من الشراكات ومذكرات التفاهم مع جهات مختلفة، مثل مؤسسة صحافة الذكاء الاصطناعي للبحث والاستشراف. وتتناول المذكرة دمج الحلول التطبيقية للذكاء الاصطناعي في المناهج الأكاديمية، وكذلك في كلية الريادة والأعمال.
وأوضحت، أن الجامعة تعتمد تقنيات حديثة، مثل الواقع المعزز في تدريس بعض المواد في كلية القانون والشريعة والتي ابتكرها قسم الابتكار والأبحاث، مما يسهم في تعزيز التجربة التعليمية، وجعلها أكثر تفاعلاً وواقعية للطلاب.
وأشارت إلى أن هذه الابتكارات لا تقتصر على تحسين أساليب التعليم فقط، بل إنها أيضاً تُظهر ريادة الكلية في هذا المجال، حيث حصلت على براءة اختراع من وزارة الاقتصاد، تقديراً لإسهاماتها في تطوير تقنيات تعليمية مبتكرة. هذه الخطوة تعكس التزام الجامعة بتقديم تعليم متميز قائم على أحدث التقنيات العالمية.

يؤكد آدم حلاق وروبرت مونتيانو، المتحدثان من مؤسسة لتعليم البرمجة في دبي، أن الذكاء الاصطناعي لا يجب النظر إليه كعدو، بل كأداة قوية قادرة على تقديم حلول بسرعة تفوق ما كان ممكناً في العقود السابقة بعشرات المرات.
ويشيران إلى أن العديد من التقارير تثير المخاوف من أن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى تراجع نشاط الطلبة والأكاديميين، ويجعلهم أكثر اعتماداً عليه، وهي المخاوف نفسها التي ظهرت مع انتشار الإنترنت في الماضي.
ويرى حلاق ومونتيانو، أن هذه المخاوف مبالغ فيها، مؤكدين أن التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي ليست تهديداً بحد ذاتها، بل أدوات علينا أن نتعلم كيفية استخدامها بشكل فعّال. 

وأضافا أن دور الأكاديميين والمؤسسات التعليمية هو توجيه الطلاب للاستفادة من هذه التقنيات، بما يعزز الإبداع والابتكار في مختلف المجالات التي يعملون بها، وليس الاعتماد عليها بشكل سلبي. إن قدرة الذكاء الاصطناعي على تحسين الكفاءة وتسريع العمليات يجب أن تُستغل لتحقيق تقدم ملموس في التعليم والبحث العلمي، ما يعزز دور الإمارات في الاقتصاد المعرفي والابتكار التكنولوجي.
بدوره، أوضح سليم البلوشي، الاختصاصي في قسم تسجيل الطلبة بجامعة الإمارات العربية المتحدة، أن أهمية الذكاء الاصطناعي في التعليم واستشراف المستقبل باتت جلية من خلال التوجه المتزايد لمؤسسات التعليم العالي نحو تقديم برامج تعليمية جديدة ومتخصصة في هذا المجال. 

وأكد البلوشي أن جامعة الإمارات أدركت هذا الاتجاه مبكراً، وقامت خلال الفصل الدراسي الأول بطرح تخصص رئيسي في علوم البيانات والذكاء الاصطناعي ضمن كلية تقنية المعلومات، وهو خطوة تهدف إلى تجهيز الطلاب بالمهارات والمعرفة اللازمة لمواجهة تحديات المستقبل.
وأضاف أن الجامعة لم تقتصر على طرح هذا التخصص كمسار رئيسي فقط، بل أطلقت أيضاً برنامجاً فرعياً للذكاء الاصطناعي يمتد عبر مختلف التخصصات الأكاديمية، مما يتيح للطلاب من تخصصات متنوعة الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجالاتهم. هذا النهج الشمولي يعكس قناعة الجامعة بأن الذكاء الاصطناعي ليس مجرد تخصص تقني منفصل، بل هو أداة حيوية يمكن أن تسهم في تطوير مختلف المجالات الأكاديمية والمهنية.
وأشار البلوشي إلى أن هذه المبادرات تأتي في إطار رؤية الجامعة للمستقبل، حيث تسعى إلى إعداد جيل من الخريجين يمتلك القدرة على استخدام التكنولوجيا الحديثة بشكل فعّال لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات التي تواجه المجتمع والاقتصاد.
وبرأيه، فإن دمج الذكاء الاصطناعي في مختلف التخصصات يعزز من قدرة الطلاب على التفكير النقدي والإبداعي، ويمنحهم ميزة تنافسية على المستوى العالمي.