وضعت دولة الإمارات قضية الأمن الغذائي على رأس أولوياتها، ونجحت في تحقيق قفزات نوعية على صعيد تطوير إنتاج محلي مستدام ممكن بالتكنولوجيا والتقنيات الذكية، فيما تواصل دورها الريادي في قيادة وحشد الجهود الدولية من أجل تحسين إنتاج الغذاء وتأمين استدامة سلاسل توريد المواد الغذائية ومكافحة الجوع في العالم. وتشارك الإمارات العالم غداً الاحتفال بـ«يوم الأغذية العالمي» الذي يصادف الـ 16 من أكتوبر كل عام، في الوقت الذي يواجه فيه ما يصل إلى 733 مليون شخص الجوع بسبب النزاعات والتغيير المناخي وحالات الانكماش الاقتصادي، فيما يعجز حوالي 2.8 مليار شخص في العالم عن تحمل كلفة نمط غذائي صحي، وذلك وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة «الفاو».
وعلى المستوى المحلي تمتلك الإمارات تجربة ناجحة ومميزة لتوفير نظم غذائية وزراعية مستدامة، وتبرز في هذا السياق مجموعة من المبادرات والمشروعات الرئيسية التي أطلقتها لتعزيز أمنها الغذائي، ومن أحدث تلك المبادرات والمشروعات البرنامج الوطني «ازرع الإمارات» الذي يضم عدة مبادرات تدعم توجهات الدولة للتنمية الزراعية، ومنها «المركز الزراعي الوطني» الموكل بإعداد وتنفيذ المبادرات والبرامج اللازمة لتطوير الإنتاج الزراعي المحلي وتعزيز جودته وتنافسينه.
منطقة لوجستية
وفي يوليو الماضي، شكل الإعلان عن خطة تطوير أكبر منطقة لوجستية في العالم لتجارة المواد الغذائية والخضار والفواكه، وإنشاء «سوق المواد الغذائية والخضار والفواكه» بدبي، خطوة رائدة لدعم مساعي وجهود دولة الإمارات في تعزيز أمنها الغذائي الوطني وتطوير كامل سلسلة القيمة الغذائية محلياً وعالمياً.
حوار وطني
وأطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة في مارس 2023 «الحوار الوطني للأمن الغذائي»، حيث تم التركيز على تعزيز استدامة الغذاء، والابتكار في قطاع الزراعة، وتسويق المنتجات الزراعية المحلية في ظل الاستدامة، مع الاهتمام بعملية التحول إلى أنماط الاستهلاك الغذائي المستدامة، ومناقشة التحديات والفرص لتعزيز الأمن الغذائي في الدولة.
استراتيجية وطنية
وأعلنت الإمارات في عام 2018 عن الاستراتيجية الوطنية للأمن الغذائي الهادفة إلى تطوير منظومة وطنية شاملة تقوم على أسس تمكين إنتاج الغذاء المستدام، كما اعتمدت القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2020 بشأن تنظيم المخزون الاستراتيجي للسلع الغذائية في الدولة الذي ساهم في تعزيز الأمن الغذائي، وأطلقت النظام الوطني للزراعة المستدامة الذي يهدف إلى زيادة نسبة الاكتفاء الذاتي في الدولة للمحاصيل الزراعية المستهدفة.
حلول ذكية
وشهدت دولة الإمارات تجارب رائدة للاستثمار في الزراعة العضوية والزراعة العمودية، والزراعة المائية، باستخدام حلول الذكاء الاصطناعي والروبوتات، ومنها مشروع «سبع سنابل» في الشارقة الذي ينتج سلالات وأصنافاً عالية النقاوة من القمح العضوي يتناسب مع طبيعة المنطقة ويوفر الاحتياجات الغذائية، و«بستانك» أكبر مزرعة عمودية في العالم، و«آيروفارمز AgX» أحدث مزرعة عمودية داخلية متطورة تركز على البحث العلمي والتطوير في دولة الإمارات والشرق الأوسط، ومزرعة الإمارات البيولوجية في أبوظبي أكبر مزرعة عضوية في الدولة، والتي تنتج أكثر من 60 نوعاً من المنتجات العضوية المحلية خلال الموسم، إضافة إلى مشروع «وادي تكنولوجيا الغذاء» الذي يهدف لمضاعفة إنتاج إمارة دبي الغذائي 3 مرات... وغيرها الكثير من المشاريع الزراعية الرائدة.
مبادرة «نعمة»
وتعد «مبادرة نعمة» التي تأسست عام 2022 من المبادرات الوطنية للحد من فقد وهدر الغذاء، فيما مثل بنك الإمارات للطعام، الذي تم إطلاقه في عام 2017، أحد أبرز الجهات التي تعمل على إدارة فائض الطعام وتقليل هدره، وتوزيع الطعام الصالح للاستهلاك على أكبر عدد من المستفيدين داخل الدولة وخارجها.
جهود عالمية عالمياً
تواصل دولة الإمارات التزامها بحشد الجهود التي من شأنها تعزيز الأمن الغذائي العالمي، وفي هذا الإطار، تستضيف الدولة، لأول مرة، القمة العالمية للأمن الغذائي يومي 26 و27 نوفمبر المقبل، ضمن فعاليات أسبوع أبوظبي للزراعة والأمن الغذائي. وتبرز خلال العام الجاري، العديد من المبادرات الإماراتية لمواجهة أزمات نقص الغذاء التي يتعرض لها الملايين حول العالم، أبرزها المساعدات الغذائية التي تواصل تقديمها للأشقاء الفلسطينيين في غزة ضمن «عملية الفارس الشهم 3» التي تتواصل منذ نحو عام، والمساعدات الغذائية العاجلة التي باشرت في إرسالها إلى الأشقاء اللبنانيين عبر حملة «الإمارات معك يا لبنان» التي أطلقتها أخيراً.
بدورها، أطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة، أول من أمس، بالتعاون مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، أول مركز إقليمي للتميز في الأمن الغذائي، في دولة الإمارات. وأعلنت دولة الإمارات، في فبراير الماضي، عن اعتماد مبادرة للتعاون الثلاثي مع جمهورية البرازيل الاتحادية وجمهورية كوبا، لتعزيز الأمن الغذائي وتقديم مساعدات غذائية بقيمة 50 مليون دولار.
ووقعت دولة الإمارات، في يونيو الماضي، اتفاقية مع برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة، خصصت بموجبها مساعدات بقيمة 25 مليون دولار أميركي لتقديم مساعدات غذائية طارئة للشعب السوداني الشقيق. وتعد مبادرة «الابتكار الزراعي للمناخ» التي تقودها دولة الإمارات والولايات المتحدة الأميركية، من أبرز الخطوات العملية التي شهدها العالم مؤخراً لتسريع التحول المنشود في النظم الغذائية، وصولاً إلى تحقيق ثاني أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في القضاء التام على الجوع بحلول عام 2030.
وتركز المبادرة على تسريع ابتكار أنظمة زراعية وغذائية، إذ تضمنت عند إطلاقها في نوفمبر 2021 تعهداً باستثمار 4 مليارات دولار في أنظمة ومشاريع الزراعية المبتكرة حول العالم، وتم في مايو 2023 الإعلان عن زيادة الاستثمار لأكثر من 13 مليار دولار. وفي سياق متصل، انضمت الإمارات في مايو 2023 إلى «مبادرة التطور الزراعي» بقيادة المملكة المتحدة، والتي تسعى بشكل أساسي إلى جعل الزراعة المستدامة المقاومة للمناخ الخيار الأكثر جاذبية واعتماداً لدى المزارعين في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2030.
وفي ديسمبر الماضي، أعلنت رئاسة مؤتمر الأطراف «COP28» الذي استضافته الإمارات أن 134 دولة وقّعت على إعلان «COP28 بشأن الزراعة المستدامة والنظم الغذائية المرنة والعمل المناخي» الأول من نوعه، كما أعلنت عن حشد ما يزيد على 2.5 مليار دولار لدعم الأمن الغذائي في إطار مواجهة تغير المناخ.