آمنة الكتبي (دبي) 

الإمارات واحدة من الدول الرائدة عالمياً في تبني وتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث بدأت استراتيجيتها بوضوح منذ سنوات لتحقيق رؤيتها في جعل الإمارات مركزاً عالمياً للابتكار في هذا المجال، حيث أطلقت في عام 2017 «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي 2031»، والتي تهدف إلى جعل الإمارات في مقدمة دول العالم في تبني الذكاء الاصطناعي في القطاعات الحيوية، مثل الصحة والتعليم والنقل والبنية التحتية، كما تستهدف تعزيز الإنتاجية وتقليل التكاليف التشغيلية، مع الحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية وتحقيق بيئة رقمية متكاملة، كما عينت الإمارات أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم، عمر بن سلطان العلماء، ليقود جهود الدولة نحو بناء منظومة متكاملة من التطبيقات والأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي.
عملت الإمارات منذ عام 2017 على تعزيز بنيتها التحتية الرقمية لدعم تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث تميزت هذه المرحلة بتطوير مراكز البيانات الحديثة وتعزيز شبكات الاتصالات السريعة مثل شبكات الجيل الخامس (5G) التي تعتبر أحد الأسس لتطوير حلول الذكاء الاصطناعي، وتهدف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي إلى تحقيق أهداف مئوية الإمارات 2071، وتعجيل تنفيذ البرامج والمشروعات التنموية لبلوغ المستقبل، الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الخدمات وتحليل البيانات بمعدل 100% بحلول عام 2031، والارتقاء بالأداء الحكومي، وتسريع الإنجاز، وخلق بيئات عمل مبتكرة، لتكون حكومة الإمارات الأولى في العالم، في استثمار الذكاء الاصطناعي بمختلف قطاعاتها الحيوية، وخلق سوق جديدة واعدة في المنطقة ذات قيمة اقتصادية عالية.
وتعد هذه الاستراتيجية الأولى من نوعها في المنطقة والعالم، وتهدف الدولة من خلالها إلى الارتقاء بالأداء الحكومي وتسريع الإنجاز، بالإضافة إلى بناء قاعدة قوية في مجال البحث والتطوير، واستثمار أحدث تقنيات وأدوات الذكاء الاصطناعي وتطبيقها في شتى ميادين العمل بكفاءة رفيعة المستوى.
وتهدف الاستراتيجية كذلك لاستثمار كل الطاقات على النحو الأمثل، واستغلال الموارد والإمكانات البشرية والمادية المتوافرة بطريقة خلاقة، كما تستهدف استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي قطاعات حيوية عدة في الدولة، منها قطاع النقل من خلال تقليل الحوادث والتكاليف التشغيلية، وقطاع الصحة من خلال تقليل نسبة الأمراض المزمنة والخطيرة.
كما تستهدف الاستراتيجية قطاع الفضاء من خلال إجراء التجارب الدقيقة وتقليل نسب الأخطاء، بالإضافة إلى قطاع الطاقة المتجددة عبر إدارة المرافق والاستهلاك الذكي، وقطاع المياه عبر إجراء التحليل والدراسات الدقيقة لتوفير الموارد، وقطاع التكنولوجيا من خلال رفع نسبة الإنتاج، والمساعدة في الصرف العام، وفي قطاع التعليم، من خلال تقليل التكاليف وزيادة الرغبة في التعلم، بالإضافة إلى قطاع البيئة، وذلك عبر زيادة نسبة التشجير وزراعة النباتات المناسبة، وقطاع المرور من خلال تطوير آليات وقائية، كالتنبؤ بالازدحام المروري، ووضع سياسات مرورية أكثر فاعلية.
تتضمن استراتيجية الذكاء الاصطناعي 5 محاور، هي بناء فريق عمل الذكاء الاصطناعي، وتشكيل مجلس الذكاء الاصطناعي للدولة، وإنشاء فرق عمل مع الرؤساء التنفيذيين للابتكار في الجهات الحكومية، وصياغة الخطط الاستراتيجية ونشرها في القمة العالمية للحكومات لعام 2018.
وتفعيل العديد من البرامج والمبادرات وورش العمل في جميع الجهات الحكومية حول الآليات التطبيقية للذكاء الاصطناعي، وتنظيم قمة عالمية سنوية، وإطلاق المسرعات الحكومية للذكاء الاصطناعي، وتنمية قدرات القيادات الحكومية العليا في مجال الذكاء الاصطناعي، ورفع مهارات جميع الوظائف المتصلة بالتكنولوجيا، وتنظيم دورات تدريبية للموظفين الحكوميين.
بالإضافة إلى توفير 100% من خدمات الخط الأول للجمهور من خلال الذكاء الاصطناعي، ودمج الذكاء الاصطناعي بنسبة 100% في الخدمات الطبية، والأمنية الخاصة بتحديد الهوية، وزيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في الوظائف الروتينية، والقيادة من خلال تعيين المجلس الاستشاري للذكاء الاصطناعي، وإصدار قانون حكومي بشأن الاستخدام الآمن للذكاء الاصطناعي، وتطوير أول وثيقة عالمية لتحديد الضوابط الضامنة للاستخدام الآمن والسليم للذكاء الاصطناعي. 
وأطلق مكتب الذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، في يوليو الماضي، ميثاق تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي في دولة الإمارات، الهادف إلى تحقيق مستهدفات استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، وذلك تجسيداً لرؤية القيادة الرشيدة في تحويل الدولة إلى مركز عالمي لتطوير وتبني حلول وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.
ويهدف إلى ضمان التأثير الإيجابي والدائم على المجتمعات، ويرسخ مبادئ ومقومات تطبيق أفضل نموذج للذكاء الاصطناعي، التي تشمل تقوية الروابط بين الإنسان والآلة بشكل متناغم ومفيد، والسلامة والعدالة والإنصاف والشمول لتوفير بيئة متكافئة للمجتمع تؤدي إلى تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وضمان شمولها وسهولة إتاحتها للجميع، كما تتضمن المبادئ خصوصية البيانات والشفافية والرقابة البشرية والحوكمة والمساءلة والتميز التكنولوجي والالتزام الإنساني والتعايش السلمي مع الذكاء الاصطناعي.
كما يغطي الميثاق مبادئ تعزيز الوعي في مجال الذكاء الاصطناعي من أجل مستقبل يشمل الجميع، والاستفادة من تقدم الذكاء الاصطناعي، بما يضمن الوصول التكنولوجي العادل لجميع فئات المجتمع، كما تشمل المبادئ الامتثال للتشريعات والاتفاقيات السارية في الدولة المتعلقة بتطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي.
وأطلقت الإمارات العديد من المبادرات الذكية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي لتسهيل الحياة اليومية للمواطنين والمقيمين، ومن بين هذه المبادرات «شرطة دبي الذكية»، حيث تعتمد شرطة دبي على الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات الضخمة وتوقع الجرائم قبل وقوعها، وكذلك في تحسين الخدمات المقدمة للجمهور، بالإضافة إلى مبادرة «مدينة دبي الذكية» والتي تهدف إلى تحويل دبي إلى مدينة ذكية بالكامل باستخدام حلول الذكاء الاصطناعي والبيانات الضخمة لتحسين جودة الحياة وتوفير الخدمات بطرق أكثر كفاءة.
لعب الذكاء الاصطناعي في القطاع الصحي، دوراً كبيراً في تحسين دقة التشخيصات الطبية وتسريع عمليات الفحص، حيث يستخدم الذكاء الاصطناعي في تحليل صور الأشعة والرنين المغناطيسي، مما يساهم في اكتشاف الأمراض بشكل أسرع وأكثر دقة، كما أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع عدة مشاريع مبتكرة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل استخدام الروبوتات في المستشفيات وتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي للتنبؤ بالأمراض المزمنة بناءً على البيانات الصحية المتاحة.
توفر العديد من مؤسسات التعليم العالي في دولة الإمارات برامج دراسية في الذكاء الاصطناعي في مختلف الدرجات (بكالوريوس ودراسات عليا) للطلبة الذين يرغبون في التخصص والعمل في هذا المجال، وتشمل هذه المؤسسات جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، وجامعة الإمارات العربية المتحدة، وجامعة السوربون في أبوظبي، بالإضافة إلى جامعة خليفة.
كما أطلقت دولة الإمارات البرنامج الوطني للمبرمجين، حيث يهدف إلى تنمية الاقتصاد الرقمي في الدولة وتطوير المواهب والخبرات والمشاريع المبتكرة المتخصصة في مجال البرمجة، وتسريع تبنّي تطبيقاتها وأدواتها في مختلف القطاعات الاقتصادية والمستقبلية، إضافة إلى إنشاء حلقة وصل وثيقة بين مجتمع المبرمجين والجهات الحكومية والخاصة والأكاديمية.
وجرى إطلاق برنامج الإمارات للتدريب على الذكاء الاصطناعي والذي يهدف إلى سد الفجوة في المهارات المطلوبة في قطاع التكنولوجيا ودعم الشباب وتحسين فرصهم لتمكينهم من التغلب على التحديات في قطاع تكنولوجيا المعلومات سريع التغير، كما أطلقت دولة الإمارات مخيم الإمارات للذكاء الاصطناعي، بالتعاون مع عدد من كبرى شركات التكنولوجيا والتعليم بالقطاع الخاص على المستوى الوطني والدولي. ويمثل إطلاق المخيم إحدى مبادرات مجلس الإمارات للذكاء الاصطناعي، الذي يهدف إلى تحديد مسار دولة الإمارات في هذه المجال، ودعم جهود نقل المعرفة، وبناء جيل قادر على تبني التقنيات الحديثة في تطوير الحلول، ومعالجة مختلف التحديات المستقبلية.
الأولى عربياً
بحسب صندوق النقد الدولي، حلت دولة الإمارات العربية المتحدة في المرتبة الأولى عربياً في مجال «الاستعداد لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي»، وأكد «الصندوق» أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يلعب دوراً في زيادة الإنتاجية، وتعزيز النمو الاقتصادي ورفع الدخول. 
ووفقاً لتقرير صادر عن حكومة الإمارات في عام 2023، فإنه من المتوقع أن يسهم الذكاء الاصطناعي بنحو 14 % من الناتج المحلي الإجمالي للدولة بحلول عام 2030، كما أشارت الدراسات إلى أن الإمارات تستثمر بشكل مكثف في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع تخصيص مليارات الدراهم لهذا الغرض.
وتجاوز عدد الشركات الناشئة التي تعمل في مجال الذكاء الاصطناعي 200 شركة، بزيادة بنسبة 20 % عن عام 2020، ومن المتوقع أن تخلق حلول الذكاء الاصطناعي حوالي 100.000 وظيفة جديدة بحلول عام 2030.
2.15 مليار دولار
وفقاً لتقرير «إرنست ويونغ»، استثمرت الإمارات حوالي 2.15 مليار دولار في مشاريع مرتبطة بالذكاء الاصطناعي بين عامي 2018 و2023، وإلى جانب الاستثمارات الاقتصادية، تولي الإمارات اهتماماً كبيراً بتطوير الكفاءات البشرية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي. كما تشير التقديرات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم بشكل كبير في تعزيز كفاءة العمليات التجارية وتحسين تجربة العملاء، حيث تعتمد العديد من الشركات الإماراتية على الذكاء الاصطناعي في تحليل سلوك المستهلكين، وتحسين سلسلة التوريد، وتقديم خدمات مخصصة للعملاء.