د. ﺛﺎﻧﻲ ﺑﻦ أﺣﻤﺪ اﻟﺰﻳﻮدي *
في أواخر عام 2021، عندما اتفقت دولة الإمارات وجمهورية الهند على إطلاق محادثات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، لم يكن هدفنا المشترك التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة فقط، ولا خفض الرسوم الجمركية على السلع المتبادلة فحسب، على الرغم من أن ذلك كان عنصراً أساسياً. 
ولكن كان هدفنا الأشمل استكشاف سبل التكامل الاقتصادي بين دولتينا الصديقتين، ومواءمة رؤى واستراتيجيات النمو في البلدين، والعمل على تحفيز النمو المشترك لتحقيق ازدهار مستدام طويل الأجل في اقتصاد عالمي دائم التطور.
ويترجم سرعة إنجاز محادثات اتفاقية الشراكة الإماراتية الهندية، والتوصل إلى بنودها النهائية في وقت قياسي لم يتعدَ 88 يوماً، الإرادة المشتركة لقيادتي الدولتين الصديقتين للارتقاء بالعلاقات إلى آفاق أوسع من التكامل والنمو الاقتصادي المستدام، حيث كانت الشراكة مع الهند هي أول اتفاقية تبرمها الدولة تحت مظلة برنامج اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة المعلن في سبتمبر 2021، وكانت الأولى من نوعها أيضاً للهند مع دولة عربية، ما يعكس عمق علاقات الصداقة الاستراتيجية بين البلدين. 
والاتفاقية التي جرى توقيعها رسمياً في فبراير 2022، ودخلت حيز التنفيذ في مايو من العام نفسه، تأتي ترجمةً لاستراتيجية دولة الإمارات، بقيادة سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الهادفة إلى توسيع شبكة شركائنا التجاريين والاستثماريين مع أسواق رئيسية على خريطة التجارة الدولية واقتصادات ذات آفاق نمو واعدة في مختلف أرجاء العالم، باعتبار أن تحفيز تدفقات التجارة والاستثمار أفضل ضمانة لزيادة النمو الاقتصادي وتحقيق التنمية الشاملة للجميع. ومنذ دخولها حيز التنفيذ، انعكست التأثيرات الإيجابية لاتفاقية الشراكة الإماراتية الهندية ليس فقط على النمو المتزايد في التجارة البينية غير النفطية، والتدفقات الاستثمارية المتبادلة، ولكنها امتدت إلى أوجه التعاون البناء كافة بين الجانبين، وكان للزيارات المتبادلة لقيادتي الدولتين، وما رافقها من وفود رفيعة المستوى تضم الوزراء وكبار المسؤولين في القطاعين الحكومي والخاص وممثلي مجتمعي الأعمال، أبلغ الأثر في تحقيق أهداف وتطلعات الجانبين تحت مظلة الاتفاقية. وتحمل الزيارة التي يقوم بها سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي، إلى كل من دلهي ومومباي هذا الأسبوع أهمية خاصة، لكونها تستهدف البناء على ما حققته الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين الصديقتين خلال السنوات الماضية، والانطلاق إلى مستويات جديدة من النمو الاقتصادي المتبادل، حيث يقود سموه وفداً إماراتياً رفيع المستوى لبحث سبل تحقيق هذه الغاية عبر تأسيس المزيد من الشراكات وبناء المزيد من منصات التعاون بين الإمارات والهند. ويعد انعقاد ملتقى الأعمال الإماراتي الهندي في مومباي اليوم بالتزامن مع هذه الزيارة، فرصة مهمة لاستكشاف وتحديد المزيد من الفرص في القطاعات ذات الأولوية المشتركة مثل الخدمات اللوجستية والطاقة المتجددة والتكنولوجيا الزراعية والرعاية الصحية والذكاء الاصطناعي، وغيرها. 
ومنذ دخولها حيز التنفيذ، شهدت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين البلدين العديد من المحطات المهمة ضمن مسيرتها الممتدة لتحفيز التكامل والنمو الاقتصادي المتبادل بين الإمارات والهند.  ومع تزايد تدفق الاستثمارات الإماراتية في جميع أنحاء الهند، للاستفادة من الفرص الواعدة التي يوفرها هذا الاقتصاد الواعد، أصبحت الإمارات بنهاية عام 2023 رابع أكبر مستثمر أجنبي في الهند، باستثمارات قيمتها 3.35 مليار دولار، أي نحو ثلاثة أضعاف أرقام عام 2022. 
 ورغم ما تحقق من إنجازات بمساهمة اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين الإمارات والهند، لا يزال هناك المزيد، مع توافر الإرادة المشتركة في الجانبين للمضي قدماً بهذه الشراكة إلى مستهدفاتها الطموحة في مختلف القطاعات، وعبر مجالات التعاون البناء كافة.
*وزﻳﺮ دوﻟﺔ ﻟﻠﺘﺠﺎرة الخارجية